مُؤنساه الوحدة والنُكران.. مصطفى منير من ركح المسرح إلى دار المسنين

في حوار مزج بين ذكريات الزمن الجميل الذي يحمل العديد من صور الماضي عن المسرح والسينما والتلفزيون، والحاضر غير المتوقع بمستقبل غامض، يسرد الفنان المسرحي والسينمائي مصطفى منير جانبا من قصته التي تعكس حياة فنانين قضى عليهم سلاح الفن، وخسروا مجد وعز عرشهم في لمحة، مزيحا عنهم سقف الأمان والعيش الكريم.
انتقل الفنان مصطفى منير من ركح مسرح شاسع يضم أفراد أهل ديرة مجاله، إلى غرفة مشتركة مع أشخاص غرباء لا يجمعه بهم سوى الوطن والمصير المشترك بدار المسنين، محاولا التأقلم مع حياة جديدة وصفها بـ”مسرحية” بشخصيات حقيقية أسندها إلى هؤلاء الأشخاص الغرباء.
لم يخفِ مصطفى منير حزنه لفقدانه الحرية التي عاش عليها عدة عقود من الزمن بين جلسات المقاهي لمناقشة الأفلام، وحضور مهرجانات ووقوفه أمام الكاميرات لتجسيد شخصية عمل، وصعوده إلى خشبة المسرح، إلا أنه اليوم غير نادم على تكريس حياته للفن رغم خيانة هذا الأخير وخذلانه.
نص الحوار:
ما سبب وجودكم اليوم في دور لرعاية المسنين؟
اليوم أنا أعيش في مركز للرعاية بسبب صراع عائلي مع زوجتي، إذ إنني اخترت الانسحاب من منزلي، بعدما بدأت أشعر بضغط لم أعد أقوى على مواجهته بشكل نهائي. ولظروف اقتصادية ومادية لم أتمكن من كراء منزل، وبعد أن علمت جهات مسؤولة أنني أفترش الأرض بالشارع للمبيت، بعدما قضيت فترة بين الفنادق، ومنازل أصدقاء فتحوا أبوابهم لي للمبيت، نقلتني إلى المركز.
قبل أن أحل بمركز اجتماعي للمسنين، بقيت لأسبوع أفترش باب عمارة في أكدال بالرباط، وهي منطقة أعرفها منذ 20 سنة وصورت العديد من الأعمال بالحديقة مجاورة لها، إذ شعرت وكأنها منزلي، أو أصور بها شريطا سينمائيا. ففي الساعة الـ10 ليلا عند دخول الجميع إلى مسكنه لعدم مضايقتهم، ألجأ إلى درج العمارة للنوم، وأستيقظ صباحا في الساعة السابعة قبل ذهاب التلاميذ إلى المدرسة. فقد قضيت أزيد من أسبوع على هذا الحال، وكأنني اعتدت هذه الحياة.
هل اللوم يُلقى اليوم على عائلة قست أم مهنة فن غدرت؟
لا ألوم أي جهة، بل ألقي اللوم على نفسي لأنني ارتكبت العديد من الأخطاء، وبعد عقود من العمل في الميدان لا أملك اليوم سوى تغطية صحية، وبطاقة الفنان، بساق مصاب. فقد أحيل علي لثلاث مرات التوظيف في مسرح محمد الخامس ورفضت، إلى جانب عروض التوظيف بالمركز السينمائي والإذاعة، رغبة في التحرر وعدم التقيد.
تغيرت حياتي بعد إقبار مجموعة “معمورة”، التي تأسست سنة 1966، من فاطمة الركراكي، نعيمة المشرقي، مليكة العماري، ومحمد الخلفي، زهور المعمري، بعدما درست لثلاث سنوات في المركز السينمائي المغربي للأبحاث المسرحية للملك الراحل الحسن الثاني، وأرسلت إلى فرنسا لسنة من أجل تدريب، إذ كانت لدينا عقدة سنوية، وأجرة شهرية، لكن بعدما تحولت وزارة الشبيبة والرياضة إلى كتابة الدولة، أقبرت الفرقة وأقبرت معها، لكن ما يجري لي أعتبره درسا كان لا بد منه رغم أنه أتى متأخرا وأنا في سن 78.
هل تشعر بالغربة في مكان جديد بعدما قضيت حياتك في وسط فني؟
أشعر بالغربة والوحدة، كانت جلساتي مع أصحاب الفن، لمناقشة الأفلام والأعمال بعد مشاهدتها، وما يحز اليوم في نفسي، هو أن حريتي تقلصت، لكنني أحاول التأقلم مع هؤلاء الأشخاص، الذين أشعر أنني منهم، وأنهم شخصيات في عمل، أستعيد في هذا المكان ذكريات الماضي التي تؤنس وحدتي.
المكان الذي أعيش فيه بمقومات عالية، وبدأت الاعتياد عليه وفي الوقت ذاته غير معتاد عليه، هي فلسفة غريبة، لكن هذا ما أشعر به، بسبب فقداني لجزء من حريتي، غير أنني أقاوم بقضاء الوقت في القراءة ومتابعة الأخبار، على أمل ألا تطيل إقامتي في دار المسنين.
هل أثر عليك غيابك عن المهرجانات هذه السنة، بعدما كنت مواضبا على المشاركة فيها؟
قضيت سنوات طوال من حياتي بين المهرجانات والشوارع والتظاهرات، لم أندم عليها، وصحيح أنني شعرت بشيء ينقصني هذه السنة، بسبب الظروف الاجتماعية والصحية التي ألمت بي ومنعتني من حضور بعض التظاهرات الفنية، إذ كان مهرجان خريبكة الذي كرم الممثل محمد الخلفي آخر تظاهرة حضرت فيها.
هل الفنان لا يؤمن مستقبله أم أن المجال الفني غير آمن؟
مهنة الفن ليست مقننة في المغرب، لدينا بطاقة فنان تسمح لنا بالتنقل في القطارات بتخفيضات، وتغطية صحية، إذا مرضت يتم وضعك في مستشفى على حساب الدولة، دون أي امتيازات أخرى أو مدخول، لقد أفنينت حياتي في المسرح والسينما، وعملت في التمثيل وكتابة السيناريو، وفي مهمة مساعد مخرج، واليوم لا أحصل على أي من حقوقي عن هذه الأعمال، بسبب شروط إعجازية. لقد قدمت الكثير وأفنيت حياتي في الفن، واليوم أبلغ من العمر 78 سنة، لدي أرشيف في السينما والتلفزيون، وهم من عليهم البحث عني، غير أنني لا ألوم لا الدولة أو الوزارة.
هل ندمت على تكريس حياتك للفن؟
لم أندم، وإذا ما عرضت علي المشاركة في عمل جديد سأشارك، وسأظل وفيا للمجال الذي اخترته عن حب وقناعة، واقتناع، لأنني عشت أيام الكرامة والعز في زمن كان الفن يُقدر فيه.