الفيلم لا يصنع بـ”العام زين”.. العسري يوضح بشأن تصويبه الكاميرا تجاه “الأماكن المهمشة”

ما تزال اتهامات بتقديم صورة قاتمة عن المغرب في الأفلام السينمائية توجه إلى العديد من المخرجين المغاربة، الذين يختارون رصد جوانب مظلمة، بتصويب الكاميرا تجاه “الأماكن المهمشة” في الأحياء الشعبية لتجسيد معالم الفقر، في قراءة سطحية لرسائل مشفرة بتوظيف أدوات لتشخيص جانب من الواقع أو الخيال بحسب صناعها.
ورغم مرور أسابيع على عرض فيلم “مروكية حارة” للمخرج هشام العسري بالقاعات السينمائية المغربية، ومنصة “نتفليكس”، التي تصدر فيها المركز الأول من حيث المتابعة والتفاعل.
مخرج الفيلم، هشام العسري، أوضح أن المخرج ليس سياسيا ومناضلا، وما يظهره في فيلمه عبارة عن رصد لمغرب موازٍ ليس المغرب الحقيقي، مبرزا أنه “لا يمكن أن يصنع الفيلم دون أن يحدث فيه أي شيء، لكون الكتابة الدرامية لا تنطلق ببداية سعيدة، وعادة ما تبدأ بحادث سير أو وفاة، ضمن فرضية تتعلق بالعالم الموازي للشخصية بشكل منطقي يعكس حالتها”.
وأشار إلى أن “الأفلام العالمية عادة ما تتطرق إلى أشياء خارقة أو أشياء أخرى غير معتادة، وتوظف شخصيات خيالية لا تشبه تلك التي نلتقي معها في الواقع، إذ عادة ما يخرج صناعها عن ما هو مؤلوف، وعما يكون بسيطا وعاديا”.
واستغرب المخرج هشام العسري ربط صناعة الأفلام بنقل الواقع أو عكسه، مردفا: “ليس هناك أي تحليل منطقي أو فلسفي لهذا الأمر، فكل شخص يعيش في واقع مختلف، قد نتشارك في الارتسامات والإحساس وطريقة العيش في المجتمع، لكن لا نتشارك في واقع واحد، لأن هناك فئات مختلفة، والكل يمتلك وجهة نظر مغايرة”.
ولم ينف العسري أن الفيلم الخاص به يعد سجاليا ومستفزا، مشددا على أنه “كُتب ليستفز إحساس الجمهور، وإدخاله في عالم قريب منه لكن لا يراه، وليس ضروريا أن تنال كل الأشياء إعجابنا، لأن الفيلم لا يمكن أن يصنع بمبدأ ‘العام زين’، فهذا الأمر يمكن أن يتم في الإعلانات، والترويج للسياحة فقط، والتي عادة ما تتسم بالبلادة لربطها زيارة المغرب بديكوراته، في الوقت الذي نمتلك فيه ثقافة عريقة”.
وأفاد بأن “الفليم يتناول المغرب الموازي بسخرية، ويتطلب قراءة ما يجري بين السطور، وفهم حيثيات المجتمع، لاستيعابه”، مشيرا إلى أنه لفت في بداية العمل إلى وجود “مقاربة مهمة في المشهد الأول بين المغرب في 2020 وأمريكا في سنة 1929، برصد مظاهر الفقر في المشهد، في إشارة إلى أن الفقر والتهميش يطالان كل الدول في العالم ، إذ في أمريكا ما يزال هناك الكثير من المتشردين في أكبر شارعها”.
وأكد العسري أن الانتقادات لا تزعجه، لكونها تفتح باب النقاش، مضيفا: “لا أصنع أفلامي للحصول على التصفيقات، وهذا الفليم يعد الأخف في مسريتي من حيث التناول، وفيه نوع من الكوميديا السوداء، وحجزه المركز الأول في منصة نتفليكس دليل على أنه خلق النقاش، والأهم ألا يمر مرور الكرام”.
وأردف أن “الانتقادات ظاهرة صحية، فقط يجب أن تكون مبنية على تربية فنية، لأن في هذه الانتقادات تعبير عن حرية الرأي، كما يجب احترام حرية الإبداع للمخرج في السينما”.
وقال العسري في تصريحه للجريدة إن “هناك بعض المواقع الإلكترونية التي ترصد الأشياء السيئة في المغرب، وتتناول قضاياه ببلادة، من خلال إظهار المغرب غير المتعلم، والغبي، ما يجعلنا أضحوكة أمام العالم، ونرى أنفسنا بصورة سيئة، في نظري هنا يكمن “الخبث”، لذلك الفليم يسخر بذكاء من عالم مواز، إذ ليس بالضرورة أن نتحدث عن أنفسنا فقط بخطير وشاهد قبل الحذف”.
وبخصوص اتهام المخرجين بتقديم صورة قاتمة عن المغرب للبحث عن الدعم الأجنبي، والظهور في المهرجانات الدولية، أشار العسري إلى أن هذا الأمر لا ينطبق على فليمه، لأن هذا النوع من الأفلام عادة ما يجعل أبطاله ضحايا، بخلاف فدوى الطالب التي لم يتعامل معها كضحية، بل أظهر جوانب القسوة فيها، وتشبثها بالأمل رغم كل الظروف، في إشارة لوجود الأمل وأن الغد أجمل”.
وأبرز أنه يحاول في أفلامه احترام ذكاء المشاهد، مشددا على أن “السينما ليست “حجاية”، خاصة وأن المتفرج اعتاد على متابعة أشياء بليدة”.
وسبق لجريدة “مدار21” أن استقت آراء نقاد حول هذه المسألة التي تحضر بقوة في أفلام حاصلة على الدعم الأجنبي، أو تحمل مساع للظهور في المهرجانات العالمية.
واختلفت آراء النقاد بشأن هذه الاتهامات، بين من يعيب الترويج لصورة سيئة عن المغرب، وكأنه لا يوجد به غير ذلك، وكأن المواضيع الإيجابية منعدمة، وفق نظرة الناقد السينمائي مصطفى الطالب.
وفئة أخرى من النقاد، لا تتفق مع الرأي الذي يدعو المخرج إلى عدم تقديم صورة قاتمة، باعتبار أن دور المخرج لا يتجلى في تلميع الواقع، إنما في نقله في قالب فني يعكس ما يجري في المجتمع، كما يرى الناقد السينمائي عبد الكريم واكريم الذي تساءل في تصريح سابق لجريدة “مدار21” عما إذا كان “يجب على المبدع أن يتغاضى عن هذا الواقع، ويعمل على إظهار شوارع نظيفة وطبقات راقية”.
وفيلم “مروكي حارة” يجمع بين الكويميديا السوداء والساركازم، إذ ينتمي إلى سينما المؤلف، وهو استمرار للمشروع الذي اشتغل عليه في السابق رفقة فدوى الطالب في “بيصارة أوفر دوز” الذي كان تجربة رقمية في الأنترنت في 2016 ولقي إقبالا كبيرا، إلى جانب خلقه الجدل بين مؤيد ومعارض لفكرته.
ويحاول العسري في هذا الفيلم إبراز شخصية تعيش أسوأ يوم في حياتها في قالب كوميدي ساخر يحمل الكثير من الساركازم والمشاهد الكوميدية بمغزى، مشيرا إلى أن الفليم فيه جوانب قاسية تدفع بالمجتمع إلى مشاهدة أشياء خفية.
ويناقش أحداث غريبة تجري في مدينة الدار البيضاء وتعيد الأموات إلى الحياة، إلى جانب لتطرق إلى بعض ظواهر المجتمع المغربي سواء تلك التي ظهرت أو لم تظهر بعد، محاولا تقديم نظرة عن المستقبل.
وتتمحور قصة الفليم حول مجتمع أصبح أفراده ينتظرون حدوث أشياء دون السعي إليها والعمل من أجلها، ويرغبون في حياة سهلة خالية من المتاعب، وأفراد يحلمون بالرفاهية أو الشهرة دون الاجتهاد لنيلهما والتخطيط لتحقيق الأهداف.