رأي

أزمة طلبة الطب والحكومة: التواصل والتحرك الناجع

أزمة طلبة الطب والحكومة: التواصل والتحرك الناجع

إن المنطلق دائما في أي حوار اجتماعي هو الوضوح في المطالب والوضوح في الالتزامات، والحوار والتفاوض في هذه العملية لتدبير الاختلافات او النزاعات، او حسب ما يصطلح عليه تدبير المصالح والذي هو تبادل عملية التنازلات، لكن بشرط الوضوح والحوار الشفاف وفي توقيته السليم Timing بعيد عن لغة المواقف والتهديدات والوعود.
فالحكومة التي تتخذ الدولة الاجتماعية كمرجعيّة وهدف لها، يجب ان تكون ضابطة لذلك وواعية به، ولا اظن انها تجهله امام حشد من المستشارين والخبراء المصاحبين لعملها، لكن الأهم من ذلك هو ترسيخ خدمة المصلحة الوطنية، فهذا الاضراب كغيره من الإضرابات التي عرفها زمن تدبير هذه الحكومة منذ بدايتها، راهنت في تدبيرها على مسألة الوقت والنفس الطويل، واحيانا التهديد، واحيانا اخرى الترغيب. لكن دون نتائج. إلا حينما تدخلت بشكل مباشر مؤسسة رئاسة الحكومة. وأؤكد كما سبق الأمر بخصوص ما طرحته بمناسبة إضراب أساتذة التعليم، أن الهدف هو حالة البلوكاج التي تحولت من قضية إضراب قطاعي إلى إشكالية وطنية تهم شريحة واسعة من أبناء الوطن والمرتبطة اساسا بالتعليم العمومي. وقلت إن المقاربة هي بيداغوجية وليس أمنية، وان كانت كذلك فالوزارة الوصية على التدبير الأمني للمجتمع قادرة على تدبير ذلك بوسائلها القانونية والمشروعة، لكن على عكس ذلك وهو ما اتضح من بعد أن الامر ارتبط اساسا بالثقة وبتبادل الالتزامات والوفاء بها وإن على مراحل، وطالبت من السيد رئيس الحكومة التدخل المباشر أو عن طريق المؤسسات الوسيطة (البرلمان، هيئة الأغلبية، وسيط المملكة، ….)، وحتى لو تطلب الأمر منه الجلوس مع ممثلي التنسيقيات إلى جانب النقابات الوطنية بناء على دوره ومركزه الدستوري. وهو ما يتكرر اليوم مع طلبة الطب عامة لخمس مستويات ترهن مستقبل هذا المجال الحساس والحيوي لاستمرار المجتمع.
صحيح ان للحكومة برنامج لإصلاح قطاع الصحة العمومية عامة وفق رؤية ملكية استراتيجية، وهي مسألة طبيعية خاصة ما عشناه مع الجائحة العالمية كوفيد-19، لكن ذلك يفرض على الحكومة كجهاز تنفيذي بدل قصار الجهود وبشتى الوسائل البيداغوجية والتواصلية للإقناع والتوضيح من اجل الثقة في منهجيتها لتنزيل هذه الرؤية وهذا الاختيار، وإلا فالفشل هو النتيجة الحتمية وإن نجحت ظاهريا، لأن هؤولاء الطلبة هم المنتظر منهم التأمين الصحي للمجتمع من جهة، ومن جهة أخرى لأنه قطاع حساس الخطأ فيه قد يؤدي إلى الوفاة، وما يستتبع ذلك من نتائج اجتماعية لأسر الضحايا وللمجتمع ككل. أي أنه قطاع الصفر خطأ، مثل قيادة الطائرة.
البلاغ الذي تلاه رسميا السيد مصطفى بيتاس البارحة مهم جدا لكن تأخر قليلا، أظن (حسب بعض الحوارات التي جمعتني ببعض الطلبة المعنيين) لو تلي مباشرة بعد اللقاء الذي جمع ممثلي الطلبة والوزراء الثلاث لشجع الطلبة على الاطمئنان نوعا ما، ولربما شاركوا في هذه الامتحانات التي قررت يوم 26 من هذا الشهر.
هو عبء على الحكومة وعلى السيد ر ئيس الحكومة أن يدبر هذا الملف بشكل مباشر وفي توقيته الصحيح Timing لأن لا خيار أبدا إلا حله في أقصاه بداية شهر يوليوز ليتم اجتياز الامتحانات الاستدراكية، مع ما يراعي ذلك من توفير وتعبئة كل الإمكانات اللوجيستيكية والبشرية لانجاح هذه العملية بانخراط الاساتذة والطاقم الإداري، والذي من المفروض أن يكون في عطلة، ومن جانب آخر، يجب أن تكون امتحانات حقيقية وألا تخضع لاعتبارات خاصة مرتبطة بالصراع والتسويات، فالكفاءة والمهارة شرطان أساسيان في هكذا تخصص، وإلا فان الأمر ان يحتمل، مع ما يطرحه من اشكاليات في بداية الموسم القادم بين هذه الأفواج وما تنتظره كليات الطب بمختلف تخصصاتها من الناجحين في شهادة الباكلوريا هذا الموسم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News