سياسة

زلّات نتنياهو وحرب غزة.. هل يعيد المغرب تقييم علاقته مع إسرائيل؟

زلّات نتنياهو وحرب غزة.. هل يعيد المغرب تقييم علاقته مع إسرائيل؟

منذ السابع من أكتوبر الفارط، لا يكاد يمر أسبوع دون أن يعبر المغرب عن موقفه الرافض للحرب المستعرة على قطاع غزة، سواء من خلال خطابات الملك محمد السادس، أو عبر بلاغات وزارة الخارجية أو مواقف رسمية في لقاءات أو قمم دولية وقارية وإقليمية.

هذا الموقف المغربي الثابت من “العدوان” الإسرائيلي على القطاع، والذي خلف لحدود الساعة، أزيد من 37658 قتيلا و86237 مصابا، وفق معطيات رسمية، يفرض طرح تساؤلات حول ما إذا كانت المملكة ستعيد تقييم علاقتها مع تل أبيب في ظل إصرارها على الاستمرار في العمليات العسكرية على الأراضي الفلسطينية وصم آذانها على الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار.

قرار مستعبد أم محتمل؟

وبالنسبة لأستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، خالد الشيات، فإن المغرب ظل وفيا لعلاقاته مع إسرائيل في مستوى متوازن جدا وقائم على مبدئية راسخة تتمثل في أولوية الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، لافتا إلى أنه وبالرغم من أن العلاقات بين الطرفين ثنائية ولكنها جاءت في إطار توافق مبني على تحقيق السلام على الأرض الفلسطينية.

وينفي أن يكون خطاب المغرب في هذا الملف قد تغير في وقت من الأوقات، وظلت خطاباته، خاصة في حالة الأزمة والحالات التي سجل فيها مواقف، تصب في خانة الدفاع عن الحق المشروع للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة في حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتدين كل الإشكال الأخرى، سواء كانت استيطانا أو أعمالا همجية بربرية تقوم بها القوات الإسرائيلية في غزة.

واعتبر أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية أن “أفعال” نتنياهو ردة فعل على المواقف الثابتة للمغرب التي تقوم على المبدئية “لو كان نتنياهو يستسيغ الموقف المغربي لما فعل هذه الأفعال”، ملمحا في نفس السياق إلى أن إعادة تقييم العلاقات “مستبعد” نظرا لإدراك المغرب لالتزاماته الدولية، خاصة تلك التي تربطه مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي لا يمكنه التراجع عنها لاعتبارات آنية أو عابرة.

ومن جهة أخرى، يعتقد أن الرباط ترى نتنياهو “شخصا وليس هو إسرائيل، نعم هو رئيس الحكومة ذات الطبيعة اليمينية المتطرفة، ولكنه لا يعبر عن طبيعة المنظومة العامة التي يمكن أن تتغير، لذلك مواقفه شخصية حتى وإن كانت طبعا تبقى مرتبطة باعتذارات هنا وهناك، لكن المغرب يبقى متأنيا ومستعدا دائما لخدمة أعماله السلمية ويحرص على عدم التسرع فيما يتعلق بعلاقاته مع إسرائيل التي استؤنفت في إطار الاتفاق الثلاثي”.

بدوره، أورد الأستاذ الباحث بجامعة القاضي عياض بمراكش ورئيس المركز الدبلوماسي الدولي، الغالي الغيلاني، أن السياسة الخارجية والدبلوماسية، والتي تتكلم لغة المصالح وليس فقط لغة المبادئ والعاطفة، بسبب تحولات النظام العالمي الجيو-سياسية المهمة والخطيرة والتي تجعل كل الدول في غير منأى عن أي تطورات، مجالا محفوظ للملك محمد السادس، وهو من يرسم معالم هذه السياسة ويحدد توجهات الدولة المغربية.

وأشار الغيلاني في تصريحه لجريدة “مدار21” الإلكترونية، إلى أن المغرب يواكب هذه التحولات من خلال التوجيهات الملكية التي رسمت للمغرب دورا مهما بصفته قوة إقليمية فاعلة في المستوى الإقليمي وفاعلة في ملف القضية الفلسطينية، مسجلا أن الرباط لديها علاقات مع جميع الأطراف، “وبالتالي لديها القدرة التأثيرية، وهذا ما يجعل من المغرب قادرا على لعب دور متقدم لحلحلة هذا النزاع”.

من الدعم إلى الترافع

وأفاد الأستاذ الباحث بجامعة القاضي عياض بمراكش ورئيس المركز الدبلوماسي الدولي أن القضية الفلسطينية قضية مركزية تدخل ضمن ثوابت السياسة الخارجية للمملكة المغربية والتي يرسم ملامحها ومحدداتها الملك محمد السادس، لافتا إلى أنها تقوم على عدة محددات ومبادئ، على رأسها حماية الدفاع عن الوحدة الترابية والأمن والسلم الدوليين واحترام المواثيق الدولية المتعارف عليها والدفاع عن قضايا الدول الشقيقة.

وسجل الغالي الغيلاني أن الموقف المغربي مغاير للمواقف التابعة لبعض الدول، والتي كانت كلاسيكية، إذ اعتمدت الرباط على لغة الوضوح والحكمة والاستدامة والاستمرارية والثبات في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وغير القابلة للتصرف.

واعتبر أن الدبلوماسية المغربية، وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، انتقلت إلى دبلوماسية المبادرات الإنسانية والميدانية، وهو التحول الذي رسم ملامحه الملك محمد السادس على مر هذه السنوات، لافتا في هذا الصدد إلى أن المغرب اعتمد دبلوماسية واقعية تقوم على ركائز أساسية وواضحة.

وبحسب الأستاذ الباحث بجامعة القاضي عياض، فإن هذه الركائز تتلخص في وقف إطلاق النار، ولذلك المغرب منخرط بشكل جاد مع جميع المبادرات الإقليمية والدولية التي تدعو إلى ذلك، وحماية المدنيين وفقا للقانون الدولي الإنساني، إلى جانب ضمان انسيابية المساعدات الإنسانية إلى المتضررين وإعادة إحياء مسلسل تسوية سياسية لهذه القضية.

وأشار إلى أن المغرب حدد أبعاد سياسته فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية في محورين، الأول سياسي ودبلوماسي، إذ كان وما زال وسيظل مدافعا عنها وعن حقوق الشعب الفلسطيني، على اعتبار أن الملك محمد السادس يرأس لجنة القدس، والثاني محورٌ ميداني وإنساني، مبرزا أن الرباط لا تكتفي فقط بالتعبير عن موقفها، بل انتقلت من دبلوماسية الدعم إلى دبلوماسية الترافع.

واستشهد المتحدث في حديثه للجريدة بالمذكرة الترافعية التي تقدم بها المغرب أمام محكمة العدل الدولية بلاهاي بخصوص الإشكالية القانونية المتعلقة بالتبعات القانونية للتصرفات الأحادية التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية.

ولفت إلى أن المغرب انتقل إلى لغة التنديد ببعض التصرفات الأحادية التي تقوم بها إسرائيل والتي تخالف القوانين والشرعية الدولية من أجل حماية المدنيين وبالتالي ضمان احترام القانون الدولي لحقوق الإنسان ورفض أعمال العقاب وسياسة الانتقام “لأن دبلوماسية المملكة تقوم على استراتيجية السلم والسلام بدل اللجوء للغة العنف”.

وأبرز أن المغرب يتبنى خطابا دبلوماسيا معتدلا وواقعيا وحكيما بعيدا عن لغة الشعارات التي لم تنفع هذه القضية، بل أكثر من ذلك تم استغلال القضية من بعض الدول والمنظمات للمزايدات السياسية، بحسب تعبيره.

وشدد على أن المغرب لا يكتفي فقط بالتعبير عن مواقف دبلوماسية بل انخرط في دبلوماسية ميدانية من خلال إعطاء الملك تعليماته السامية لإحداث جسر جوي لنقل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة وإلى القدس، إلى جانب مبادرات إنسانية واجتماعية وتربوية وتعليمية للذراع التنفيذي للجنة القدس وهو وكالة بيت مال القدس لفائدة المقدسيين لدعم صمودهم على اعتبار أن القدس بالنسبة للرباط تراث إنساني مشترك ورمز للتعايش بين مختلف الإديان السماوية.

وزاد شارحا: “هذا ما جعل من موقف المغرب في القضية الفلسطينية محل تنويه وإشادة من مختلف المنظمات، سواء الإفريقية أو العربية أو الإسلامية، وآخرها الدورة الخامس عشرة لمؤتمر القمة الإسلامي ببانجول في غامبيا في ماي الفارط.

علاقات ثابتة

وتفاعلا مع الموضوع ذاته، قال المحلل الإسرائيلي موشيه مناحيم إن المغرب من بين الدول العربية التي تربطها علاقة “وثيقة” مع إسرائيل إلى جانب الإمارات وعدد من الدول الأخرى، معتبرا أن قرار إعادة تقييم العلاقات بين البلدين، سواء بسبب الحرب أو لأسباب أخرى، “لا يمكن توقعه، خاصة بسبب المصالح التي باتت تجمع البلدين بعد الاتفاق الثلاثي”.

واستشهد مناحيم، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، باعتذار مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بعد عرض الخريطة المبتورة للمملكة المغربية في حوار صحفي مع قناة فرنسية، مؤكدا أن حرص جهات رسمية على تقديم توضيحات “دليل على قوة العلاقات واستقرارها”.

واعتبر أن تأثر التبادلات التجارية بين الرباط وتل أبيب “أمر عادي”، مسجلا أن المغرب ليس استثناء “بل تأثرت المبادلات التجارية مع جل الدول العربية، وإسرائيل كانت تتوقع وتدرك ذلك”.

ولفت إلى أن اليهود المغاربة يلعبون في توطيد علاقة البلدين، “والتي شهدت أزمات متكررة، أبرزها سنة 2001، لكنها عادت بشكل أقوى وأكثر ثباتا، والكل شهد وتيرة الزيارات “التاريخية”، والاتفاقيات والمشاريع المشتركة بين الطرفين، مضيفا “من الممكن أن يختلف البلدان في وجهات النظر، لكن العلاقة بينهما مستقرة وثابتة”.

وأشار موشيه مناحيم، المقيم بواشنطن، في السياق ذاته، إلى أن دعم تل أبيب لمشروع المغرب الهادف لتصنيع طائرات درون (بدون طيار) على أراضيه، قابلة للاستخدام العسكري، في إطار تعاون مع شركة إسرائيلية رائدة وهي “بلو بيرد إيرو سيستم” ، يؤكد قوة هذه العلاقة و”ثباتها”.

هل تؤثر زلة نتنياهو؟

ويرى الأستاذ الباحث بجامعة القاضي عياض بمراكش ورئيس المركز الدبلوماسي الدولي، الغالي الغيلاني، أن استئناف العلاقة بين المملكة المغربية، العضو الفاعل والنشيط في المجتمع الدولي، وإسرائيل، لن يكون على حساب الموقف السيادي من القضية الفلسطينية والدعم التام والراسخ والمبدئي والدائم لها (القضية) ولحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وفق القرارات الأممية، وهذا ما أكده الملك محمد السادس.

وبحسب المتحدث، القضية الفلسطينية حاضرة في علاقات المغرب وفي جميع الاجتماعات التي يعقدها، سواء الثنائية أو متعددة الأطراف أو القمم العربية والإسلامية وحتى في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، “بالتالي فالمغرب منخرط في أي زخم دولي لحل هذه القضية بناء على مرجعية السلام باعتباره خيارا استراتيجيا”.

وقال إن المغرب يعتبر ملف الصحراء المغربية قضيته المركزية إلى جانب القضية الفلسطينية، والتي تعتبر محددا أساسيا في سياسته الخارجية التي تقوم على الوضوح والطموح، وهي النظارة التي ينظر بها إلى الخارج ليقيس بها صدق الصداقات ونجاعة الشراكات.

لكنه في المقابل، استبعد تأثير خريطة رئيس الحكومة بنيامين نتيناهو المبتورة على مسار العلاقات بين الرباط وتل أبيب، مبرزا أن المغرب يعتمد على مواقف رسمية ولا يصدر بيانات عشوائية، وتل أبيب سبق وأعلنت اعترافها بمغربية الصحراء في رسالة للملك محمد السادس، وفق القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية الجاري بها العمل.

“وبالتالي، لا يمكن مهما كان هذا الحدث، الذي لا يقبله المغرب أن يؤثر، لأنه لا يبني مواقفه على شكل ردودو أفعال ولكن بناء على مواقف واضحة وصريحة، وهذا ما توصل به الملك في رسالة نتنياهو التي اعترف من خلالها بمغربية الصحراء، ولازال هذا الاعتراف له قيمة قانونية وتم التبليغ به لدى الأمم المتحدة”، يضيف رئيس المركز الدبلوماسي الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News