أمازيغية

ربع قرن من الوجود.. فعاليات أمازيغية تمتحن حصيلة “ليركام” في إنصاف “تمازيغت”

ربع قرن من الوجود.. فعاليات أمازيغية تمتحن حصيلة “ليركام” في إنصاف “تمازيغت”

في وقت يقترب فيه مرور ربع قرن على خطاب أجدير الذي أعلن فيه الملك محمد السادس عن ميلاد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (ليركام) لتولي مهمة المشاركة في الحفاظ على الثقافة الامازيغية والنهوض بها في جميع تعابيرها، برزت أصوات من بين المهتمين باللغة والثقافة الأمازيغية لتقييم أداء قرابة 25 سنة من العمل على إنصاف “تمازيغت”.

“هل استنفد (ليركام) أدواره؟”، سؤال نقلته جريدة “مدار21” إلى باحثين وأكاديميين مهتمين بالشأن الأمازيغي، لتقييم حصيلة المعهد في تعزيز حضور الأمازيغية كمكون أساسي من مكونات الثقافة والهوية المغربية، باستحضار المتغيرات والسياقات المختلفة التي مر منها مسلسل إعادة الاعتبار للرافد الثقافي الأمازيغي منذ تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.

وإلى جانب إجماع المتدخلين على انتقاد طريقة اشتغال المعهد أو سوء اختياراته في إحدى القضايا التي يدبرها، في حدود اختصاصاته، إلا أنهم نفوا التسليم بفكرة استنفاده للأدوار المنوطة به وحلول مرحلة الاستغناء عنه خاصة في ظل انتظار تفعيل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، ومبررهم في ذلك أن المؤسسات العمومية التي يُناط بها شأن اللغات والسياسات اللغوية والثقافية تبقى قائمة لأن الدولة بحاجة دائمة إليها.

بعد 24 سنة.. ما الذي تحقق؟

وفي هذا الصدد، قال الباحث في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أحمد عصيد، إن “المعهد مؤسسة وسيط”، مشيرا إلى أن “الهدف من إنشائها هو تدبير موضوع الهوية واللغة والثقافة الأمازيغية ومأسستها رسميا، وذلك عبر اقتراح الأوراش الضرورية ووضع المرتكزات والتوجهات العامة التي تسمح بإنجاح عملية النهوض بالأمازيغية”.

وتابع عصيد، في تصريح لجريدة “مدار21″، أن (ليركام) “كمؤسسة للبحث والتكوين اشتغلت في سبعة أوراش كبرى طوال العقدين الأخيرين وهي: ورش اللغة وتهيئتها، ورش البيداغوجيا وديداكتيك الأمازيغية، ورش الآداب والفنون، ورش التاريخ والبيئة والتنمية، ورش الترجمة والتوثيق والتواصل، ورش البحث السوسيولوجي والأنثروبولوجي، ثم أخيرا ورش التقنيات والبرامج المعلوماتية”، مشددا على أنه “المعهد قدم في كل هذه الأوراش رصيدا غير مسبوق على الإطلاق، بل صار إطارا مرجعيا مغاربيا بالنظر لكون العديد من ابتكارات المعهد صارت معتمدة في دول مغاربية أخرى كحرف (تيفيناغ إركام) مثلا ومنهجية التدريس وغيرها”.

من جانبه، اعتبر المنسق الوطني لجبهة العمل الأمازيغي، محيي الدين حجاج، أنه “و نحن نستحضر تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية و مرور قرابة 24 سنة على ذلك، لا يمكننا الحديث عما أُنجز و ما لم يتم إنجازه، بقدر ما يجعلنا ذلك نستحضر أهمية هذه المؤسسة الوطنية”.

وأضاف حجاج أن “المعهد كان و لا زال و سيبقى مؤسسة مرجعية و مساهمة في تحديد السياسات الوطنية في ما يتعلق بالثقافة الأمازيغية”، مواصلا أنه “إذا كان للمعهد في الماضي أدوار أكاديمية كبيرة تجاوزت أحيانا المجال الوطني إلى المحيط الإقليمي، ففي المستقبل أيضا هناك أدور مهمة سيلعبها المعهد يمكن استنباطها من خلال قراءة القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية والذي أعطى مجالًا كبيرا للمعهد في علاقته بالسياسية الثقافية الوطنية مستقبلا”.

“بعيدا عن المقاربة الكمية التي تقدم الأرقام الصالحة للاستهلاك الإعلامي فقط، فإن تقييم هذه المؤسسة العمومية يحتاج إلى تقييم شامل يربط ما تحقق بما كان مبرمجا له من قبل”، يتدخل أيتلحو إدريس، أستاذ التعليم العالي بجامعة القاضي عياض-مراكش ورئيس المركز المغربي للبحث والدراسات الترابية، مكسرا النفس الإيجابي في تقييم سابقيه لأداء (ليركام)، مستحضرا في هذا الجانب “المادة 3 من الظهير المؤسس للمعهد والتي تقول بأن من أدواره (تجميع وتدوين مختلف تعابير الثقافة الأمازيغية والحفاظ عليها وحمايتها وضمان انتشارها)”، واسترسل متسائلا “فكم من كتاب تم نشره من قبل المعهد منذ قرابة 24 عاما على تأسيسه؟”.

واستعان أيتلحو في جوابه بالتقارير السنوية لمؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية، التي أقرت بأن “المنشورات باللغة الأمازيغية في المغرب لا تتجاوز نسبة  1.5 في المئة بعد اللغات العربية والفرنسية والإنجليزية”، مستنتجا أن “حالة النشر المغربي باللغة الأمازيغية لم تشهد تقدما منذ دستور 2011، بل نجد جمعيات تنافس المعهد في عدد منشوراتها بالأمازيغية من مثل (رابطة تيرا) و(جمعية آد نُورُو للكُتّاب بالأمازيغية)”.

جدل المساهمة في إنصاف “تمازيغت”

ولم تنقطع أسئلة متتبعي المراحل والمنعطفات التاريخية في مسار إنصاف اللغة والثقافة الأمازيغية حول الإسهامات والأدوار التي لعبها المعهد في تعزيز حضور هذا المكون الثقافي المهم في الهوية الوطنية المغربية، وعلى رأسها دسترة اللغة الأمازيغية واعتماد رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية مؤدى عنها وتوسيع توظيف اللغة الأمازيغية في الإدارات والواجهات وبعض الوثائق الرسمية ولو بشكل غير كافي.

“كل المكتسبات التي تحققت قدم فيها المعهد وثائق ومذكرات للديوان الملكي”، يجيب عصيد عن سؤال “مدار21” حول جهود (ليركام) في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، مسترجعا “قضية منع الأسماء الأمازيغية التي ترافع بشأنها المعهد مما نتج عنه قرار ملكي هام بإلغاء لوائح إدريس البصري وعبد الوهاب بنمنصور سنة “2003”، ومواصلا بالإشارة إلى أنه “كان هناك رأي المعهد بصدد حرف كتابة الأمازيغية والذي وافق عليه الملك مباشرة، فصار حرف تيفيناغ حرفا رسميا لتعليم وكتابة الأمازيغية منذ ذلك الوقت”.

ولم يغفل عصيد التذكير بـ”اقترح المعهد إنشاء قناة أمازيغية في اجتماع مشترك بينه وبين وزارة الاتصال في يوليوز سنة 2006″، مسجلا أنه “في نفس السنة قدم المعهد مذكرة لمراجعة الدستور وإقرار الأمازيغية لغة رسمية، وأعاد تقديم نفس المقترح سنة 2011 خلال مراجعة الدستور، بالإضافة إلى مشاركة المعهد في جميع البرامج التي تقررها الدولة من أجل التنمية وآخرها النموذج التنموي الجديد”.

محاولات إثبات أدوار (ليركام) في المساهمة في الدينامية التي عرفتها مراحل ترسيم وإنصاف اللغة والثقافة الأمازيغية خلال العقود الأخيرة واجهها الباحث الأكاديمي، إدريس أيتلحو قائلا إن “المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية هو ثمرة مطالب ونضالات وتضحيات جسام، أدى ثمنها مناضلون كثر”، مؤكدا أنه “حتى ما تحقق إلى حدود اللحظة لا يخرج عن هذا الإطار”.

وواصل أيتلحو منتقدا دفاع الباحث في الشأن الأمازيغي، أحمد عصيد، عن إسهامات المعهد الملكي في الثقافة الأمازيغية في ما تحقق من مكتسبات في مجال إنصاف اللغة والثقافة الأمازيغية، بالقول إن “مساهمة المعهد ترتبط فقط بالاختصاصات والوظائف الممنوحة له قانونا وفق الظهير الملكي المؤسس له، وهي محصورة في الوظيفة الاستشارية، وليس التقريرية أو حتى الاقتراحية، ولهذا لا ينبغي أن نحمّله أكثر مما يحتمل”.

وعلى خلاف ما ذهل إليه سابقاه، اعتبر حجاج أن “أغلب القرارات و المنعطفات الكبرى في تاريخ الأمازيغية بالمغرب كانت بمبادرة ملكية، بما فيها تأسيس المعهد نفسه وباقي القرارات الكبرى التي كانت نابعة من إرادة ملكية راسخة لرد الاعتبار للثقافة و اللغة الأمازيغيتين”، مستدركا أن “المعهد كانت له أدواره و مساهماته العلمية و الأكاديمية التي أسس من أجلها”.

مبررات التأخر وسؤال الحصيلة

ويُبرِّر المدافعون عن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية تأخر تقدم العديد من البرامج والمخططات في مجال تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بضعف تنسيق القطاعات الحكومية الأخرى معه وغياب إشراكه بشكل حقيقي، ولو في حدود اختصاصاته، ما لا يقبله جزء آخر من المهتمين بالشأن الأمازيغي، وذلك بالنظر إلى مكانته الاعتبارية القوية كمؤسسة وحيدة مكلفة بالأمازيغية قرابة ربع قرن.

“للأسف هذه هي الحقيقة”، يورد الباحث الأمازيغي، أحمد عصيد، ويواصل محاولا ربط غياب التنسيق بين المعهد والمؤسسات الرسمية بـ”مشكلة ازدواجية المؤسسات بين المؤسسات الحكومية والمؤسسات السيادية”، مشددا على أن “ما يسود في العلاقة بين الجانبين هو ضعف التنسيق بسبب فتور المؤسسات الحكومية في التعامل مع المؤسسات التي لا ترتبط بالمؤسسات المنتخبة”.

وأبرز المتحدث ذاته تجليات تأثير ضعف التنسيق بين المعهد والقطاعات الرسمية على تقدم الأوراش والمخططات باستدعاء “اتفاقية الشراكة بين الوزارة والمعهد، والتي كان بموجبها يقوم بتكوين المكونين بينما تتولى الوزارة الجانب اللوجستيكي”، مسجلا أن “المعهد استطاع حينها تكوين 14 ألف مدرس من خلال هذه الشراكة، إلا أن الوزارة ألزمت حتى الأساتذة الذين تخرجوا متخصصين في الأمازيغية بأن يدرسوا العربية والفرنسية بزعم وجود خصاص كبير في العربية والفرنسية بعد المغادرة الطوعية للمدرسين، وبقيت الأمازيغية بدون مدرسين لمدة سنوات طويلة، مما عرقل عملية تعميم التدريس”.

من جهة أخرى، استحضر عصيد، في حديثه عن انعكاسات ضعف التنسيق عن وثيرة تنفيذ برامجه “تأليف كتب مدرسية خاصة بالأمازيغية وتقديمها في الأجل المطلوب للوزارة، إلا أننا نلاحظ أنه لا وجود لها مطلقا”.

“التأخر الحاصل في تنزيل بعض البرامج والمخططات التي تبناها أو اقترحها (ليركام) في مجال اللغة والثقافة الأمازيغية لا يمكن فهمه خارج تأخر مسلسل إنصاف اللغة الأمازيغية”، حسب الفاعل الأمازيغي، حجاج، الذي ذكَّر بـ”الإكراهات التي عانت منها الأمازيغية بعد الدسترة”، مشيرا بالتحديد إلى “التأخر الكبير الذي شهده إخراج القانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية”.

وتابع حجاج أن “ضعف التنسيق راجع أساسًا لهذا التعثر التشريعي الذي دفعت الأمازيغية ثمنه كثيرا”، مستدركا أن “الوضع تغير مع الحكومة الحالية إلى ما هو إيجابي بإشراك وثيق للمعهد الملكي في أغلب القرارات من خلال توقيع عدة اتفاقيات بين المعهد وبين عدة قطاعات وزارية، وبعضها كان بإشراف مباشر من السيد رئيس الحكومة”.

وفي المقابل، رفض الأكاديمي أيتلحو هذه تبريرات، معتبرا أنها “لا تدخل ضمن اختصاص المعهد”، ومُذكِّراً بأن “المطلوب منه (المعهد) هو أن يقدّم حصيلته للعموم بحكم كونه ممول بأموال دافعي الضرائب ومن المهم أن يعرفوا ما الذي تحقق وما الذي لم يتحقق”.

وأورد الناشط الأمازيغي أن “الذي يُنتظر من المعهد هو أن يقدم تقارير دورية حول تقدمه في الأبحاث والدراسات والمعاجم التي ينجزها”، مشددا على أن “الحاجة الاجتماعية كبيرة، وانتظارات المواطنين في تزايد مستمر”.

وأمام الحاجة المتزايدة لتكثيف الأبحاث والدراسات الرامية إلى تعزيز حضور “تمازيغت” في شتى المجالات، اقترح الأكاديمي ذاته “إنشاء معاهد أخرى ذات طبيعة ترابية للإحاطة بمختلف الترابات المغربية وتلبية الحاجيات المتباينة لها”، مواصلا أن “المطلوب هو تعدد المعاهد وفق احتياجات محلية وجهوية تستجيب لورشة الجهوية المتقدمة المبني على المقاربة الترابية”.

مجلس للغات.. هل يُهدد وجود “ليركام”؟

ومنذ بداية العمل بدستور 2011، لم ينقطع النقاش بين الفعاليات الأمازيغية حول مستقبل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في ظل الحديث عن مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، والذي سيضطلع بمهمة اقتراح التوجهات الاستراتيجية للدولة في مجال السياسة اللغوية والثقافية، والسهر على انسجامها وتكامله، ولاسيما ما يتعلق منها بحماية وتنمية اللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية.

وعلاقة بالموضوع، لم يبد إدريس أيتلحو قبوله فكرة “التهديد”، معتبرا أن “المجلس الوطني للغات هو مؤسسة دستورية، في حين أن المعهد هو معهد ملكي لا يخضع للحكومة وإنما للملك”.

وزاد موضحا أن “المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية تأسس بظهير ملكي ولن يحلّ إلا بظهير ملكي”، لافتا إلى أن “مشكلة المجلس الوطني أنه ينطلق من نفس منطق سابقه، أي ما هو وطني وليس ما هو ترابي، وبالتالي أرى أنه لن يأتي بجديد وإنما سيعيد إنتاج نفس السياسات الخاطئة التي قام عليها المعهد مادام غير قائم على ما هو ترابي”.

وذهب الباحث في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أحمد عصيد، إلى نفس ما ذهب إليه سابقه مشددا على أن “المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية هو مؤسسة دستورية على الرغم من غيابها حتى بعد مرور 13 سنة على دستور 2011″، مضيفا أن “القانون التنظيمي لهذا المجلس ينصّ على وجود المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بنفس الإسم ضمن مكونات المجلس، كما ترك للمعهد نفس الصلاحيات الموجودة في ظهيره المؤسس”.

“لا يجب وضع المعهد في موقع صراع أو مواجهة مع المجلس الوطني للغات و الثقافة المغربية”، يؤكد الفاعل المدني في الشأن الأمازيغي، محيي الدين حجاج، ويردف نافيا تهديد مجلس اللغات لوجود (ليركام) قائلا: “إن المجلس هو مؤسسة جامعة للثقافة الوطنية دون نفي لإحداها، و كذلك المؤسسات المنضوية تحته و منها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية”، مستنتجا أن “المجلس الوطني للغات و الثقافة المغربية سيكون بمثابة مؤسسة جامعة تثمن عمل المؤسسات التابعة له و يعمل على خلق نوع من الإلتقائية في عملها حتى لا تكون سياستنا اللغوية و الثقافية عبارة عن جزر متفرقة لا رابط بينها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News