افتتاحية

دلالات التعديل المؤسساتي بدل الحكومي

دلالات التعديل المؤسساتي بدل الحكومي

بينما كانت الأعناق تشرئب نحو التعديل الحكومي، وكانت التكهنات تجتهد في تحديد الأسماء التي ستغادر سفينة حكومة أخنوش، جاء المجلس الوزاري، الذي ترأسه الملك محمد السادس، بإقرار تعديلات كبيرة، لكنها عكس ما ذهب إليه “قُرّاء الفنجان” وتوجهت نحو تغيير دفة قيادات مؤسسات عمومية هامة، مع ما يحمله ذلك من دلالات لأسبقية “التعديل المؤسساتي” على التعديل الوزاري في الأجندة المغربية خلال الظرفية الحالية.

وفي وقت كان مسؤولو عدد من المؤسسات العمومية يتوهمون إلى وقت قريب أنهم خالدون في مناصبهم، وأن عبث تدبيرهم أبعد من أن تطاله أيدي المحاسبة، جاءت التعيينات الجديدة داخل مؤسسات استراتيجية مُضمِرةً لهجة الإعفاء والإقالة لبعض الوجوه، وبمثابة جرد حساب لمسار هذه الأسماء التي أغرقت مؤسسات استراتيجية في الديون والاختلالات، أكثر مما أنها مجرد إجراء شكلي.

التعديل الذي جاء به المجلس الوزاري همّ مؤسسات بعينها دلالةً على أهميتها الاستراتيجية، إذ تم التركيز على قطاعات النقل الجوي والبحري والطرقي، إضافة إلى قطاعات الطاقة والماء، ما يختزل أن إرادة أعلى سلطة في البلاد لم تعد تحتمل تهاون بعض المسؤولين في تدبير ملفات ترهن مستقبل المغاربة.

وفي سلم الأولويات، قد يكون التعديل الوزاري إجراء سياسي لضخ نفس جديد في الحكومة، وهو يتوجه بالأساس إلى الشخوص التي تظهر في مسرح الأحداث السياسية، خاصة تلك التي سئم الجمهور المتابع هفواتها، غير أن أسبقية التعديل على مستوى المؤسسات يعكس إرادة النفاذ إلى عمق التدبير الاستراتيجي وأهمية جعله في حجم انتظارات المغاربة؛ من أعلى الهرم إلى أسفله.

ولعل رسالة التعيينات التي جاءت ضمن المجلس الوزاري الأخير بالأساس تنصب على أهمية الإنجاز وتسريع الأوراش في القطاعات الهامة، وذلك استعدادا للقادم من الرهانات الكبرى، إذ إن التركيز على النقل والمطارات والموانئ يؤكد أهمية الارتقاء بالبنية التحتية بما يليق بالمغاربة وزوارهم من مختلف أسقاع العالم، كما أن التعديلات بوكالة “مازن” ومكتب الكهرماء تختزل الرغبة في تأمين السيادة المغربية بقطاعات بارزة.

أيضا فإن التعيينات الجديدة، التي ترقى إلى مقام التعديل -كما تقدم-، تعد رسالة إلى باقي المؤسسات العمومية المغربية، وبمثابة قرصة أذن لرؤساء تأجلت محاسبتهم، كما أنها مقدمة لما يمكن أن يطرأ من تغييرات على عدد من المؤسسات، والتي إما تعيش “شيخوخة” على مستوى التدبير أو أن أداءها بات لا يوازي حجم الطموح المنشود.

من جانب آخر، فإن توقيت التعيينات وسياقها رسالة للمسؤولين الجدد عن هذه المؤسسات، تعكس جسامة المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، وما يُنتظر منهم، أولا للتعامل مع تركة الأعطاب السابقة، ثم أيضا للنهوض بالمؤسسات المذكورة للعب دورها كاملا في التحدي الذي ترفعه المملكة المغربية أمام العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News