الاقتراع اللائحي.. هل تقتحم مذكرات الأحزاب السياسية أنماط التصويت بالمغرب؟

أعاد دنو موعد الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2026 النقاش، القديم والجديد، حول نمط الاقتراع المعتمد في المغرب ودوره في رسم الخريطة السياسية المقبلة داخل مؤسسة البرلمان، معيدًا انقسام الآراء بين من يدافع عن نمط الاقتراع اللائحي بمبرر ضمانه لتمثيلية سياسية أوسع داخل المؤسسات، وبين من يؤكد ضرورة العودة إلى الاقتراع الأحادي الإسمي لإعطاء المعنى للمارسة السياسية وتشجيع الرقابة الشعبية على المنتخبين عبر آليات التصويت المباشر.
وإلى حدود اللحظة، ظلت المعطيات القليلة المسربة من داخل جلسات الأحزاب السياسية بخصوص مذكراتها لتعديل القوانين الانتخابية، حبيسة الرهانات على آليات توسيع مشاركة الشباب والنساء ومغاربة العالم، بالإضافة إلى تعديلات تقنية كالمطالبة بمراجعة القاسم الانتخابي أو تحديث الدوائر الانتخابية، دون الغوص في العمق ومناقشة أنماط الاقتراع وتأثيرها على التشكيلة السياسية التي ستنبثق عن الانتخابات.
وتشير كرونولوجيا تطور قوانين الانتخابات وأنماط الاقتراع بالمغرب إلى الاعتماد على الاقتراع الأحادي الإسمي منذ أول تجربة انتخابية سنة 1963، ليظل النمط ذاته معتمدًا حتى سنة 2002، حيث تم تبني الاقتراع اللائحي بالنسبة للانتخابات المباشرة لأعضاء مجلس النواب، وبذلك تم التخلي عن الاقتراع الأحادي الإسمي.
عبد العزيز قراقي، نائب عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط، قال إن “سبب المشاكل المرتبطة بالانتخابات بشكل عام هو نمط الاقتراع المعتمد في النظام الانتخابي المغربي”، مشيرًا إلى أن “الأصل في العلوم السياسية هو أن نمط الاقتراع يعكس بالضرورة عقلية المجتمع”.
وأوضح قراقي، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن “نمط الاقتراع في المغرب المبني على التصويت على اللائحة بالتمثيل النسبي هو نظام انتخابي لا يعكس العقلية السائدة في المجتمع المغربي”، مسجلاً أن “هذا النظام لا يفرز فائزا أو منهزمًا في الانتخابات التشريعية وحتى الجماعية، بل الكل فيه له حصته الانتخابية”.
وتابع الأستاذ الجامعي في العلوم السياسية أن “هذا النمط الانتخابي لا يغري المشاركة السياسية أو تحفيز التصويت، بحيث أن عددًا من المواطنين يشعرون، حين التوجه لمكاتب التصويت، أنهم لا يحاسبون المنتخب الذي وضعوا فيه ثقتهم بشكل مباشر، بحكم أنه مندرج ضمن لائحة أو قائمة حزبية وليس مترشحًا بشكل أحادي أو فردي”.
وبالرجوع إلى التجارب المقارنة في هذا الباب، استحضر المحلل السياسي عينه التجربة الفرنسية، مؤكدًا أن فرنسا اعتمدت هذا النمط في الاقتراع في فترة معينة، وحينما تبين لها أنه لا يغري الناخبين سياسيًا، تراجعت عنه وأقرت نمط الاقتراع الأحادي الإسمي.
وتابع المتحدث ذاته أن السياق السياسي الذي يعيشه المغرب اليوم يفرض الرجوع إلى نمط الاقتراع الأحادي الإسمي، إما بجولة أو جولتين، مبرزًا أن هذا النمط يعطي للمواطنين الصلاحية والإمكانية المباشرة في معاقبة الفاعل السياسي الذي لم يرقَ إلى مستوى تطلعاتهم عبر آلية التصويت العقابي.
وأوضح الأكاديمي ذاته أن تشجيع المواطن على متابعة الشأن السياسي والتدبير الترابي وحرصه على متابعة التزام المنتخبين بوعودهم السياسية لا يمكن أن يتم إلا بالرجوع إلى نمط الاقتراع الأحادي الإسمي، الذي يرسخ علاقة الناخب بالمنتخب ويزيح لبس الفهم السياسي لدى المواطنين الناتج عن توزيع المقاعد على أساس ترتيب اللوائح أو القوائم الحزبية.
وسجل قراقي أن “الوعي السياسي للمواطنين يزكي هو الآخر ضرورة العودة إلى نمط الاقتراع الأحادي الإسمي، بحكم عدم الفهم لدى عدد من الناخبين للميكانيزمات الانتخابية المرتبطة بتوزيع المقاعد على الفائزين عبر آلية اللوائح الحزبية بالتمثيل النسبي”، مورّدًا أن “المواطن، في الغالب، لا يطلع على أعضاء اللائحة أو الحزب بقدر ما يهتم بالناخب الذي يصوت عليه”.