وهبي.. “حصيلة الصفر” ترافق “جعجعة” سياسية لوزير العدل دون قوانين

في الوقت الذي قدم فيه رئيس الحكومة عزيز أخنوش حصيلة حكومته المرحلية، بدت حصيلة وزير العدل عبد اللطيف وهبي “صفرية” رغم “جعجعته” التي ملأت الساحة السياسة منذ أول يوم من تعيينه قبل ثلاثين شهرا.
ولم يجد رئيس الحكومة عزبز أخنوش غير عبارة أن الحكومة “تنكب”؛ لتبرير فشل وزير العدل في إخراج أي من القوانين التي كان معول عليه، إذ أكد رئيس الحكومة أنه يتم وضع اللمسات الأخيرة على مشروع قانون المسطرة الجنائية ومشروع القانون الجنائي لعرضهما قريبا على مسطرة المصادقة.
الجدل الذي أثاره تأخير العديد من مشاريع القوانين المعروضة على البرلمان وسحبها، أرجعه الوزير قبل سنة من الآن إلى وجود خلافات بشأنه صيغته النهائية داخل الحكومة، مما أخر إحالته على مسطرة المصادقة، لكنه التزم وقتها بإحالة مشروع القانون الجنائي على أنظار البرلمان في أقرب الآجال، وهو ما لم يتم لحدود الساعة.
ولتبرير فشله في “امتحان” إخراج القوانين التي تعد مهمته الرئيسة والتي لم ينجح لحدود الساعة في أي واحد منها، أوضح وهبي أنه تم إجراء 52 قراءة على مشروع القانون الجنائي ولحد الآن ما تزال هناك خلافات بشأنه، مضيفا “هذا هو الشعب المغربي، فكل شخص لديه وجهة نظره ويتعين أخذها بعين الاعتبار، لأن الوزير لا يقرر لوحده بل يتعين عليه أن يأخذ بعين الاعتبار جميع الآراء ويسعى إلى محاولة اعتمادها”.
وزير الجدل بلا عمل!
الحصيلة التي تكاد تكون “صفرية” لوزير العدل، يرى المحلل السياسي محمد شقير، أنها تعود لجملة من العوامل المتداخلة.
وأرجع شقير التأخر في إخراج بعض القوانين المعروضة على البرلمان إلى عاملين أساسين “الأول يعود إلى غياب التوافق خلال حكومة سعد الدين العثماني، حيث تم عرض مجموعة من القوانين ليتم تجميدها فيما بعد”، مضيفا أنه ‘‘حتى بعد تعيين حكومة أخنوش قام عبد اللطيف وهبي بسحب بعض المشاريع كمشروع القانون الجنائي أو المسطرة المدنية لإعادة النظر فيهما وإدخال تعديلات عليهما قبل إعادة عرضهما على لجنة العدل’’.
الأكاديمي ذاته، أوضح ضمن تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن العامل الآخر يرجع إلى الخلاف حول بعض البنود، خاصة تلك المتعلقة بالإثراء غير المشروع بالنسبة للقانون الجنائي”، مرجحا العامل الأخير إلى شخصية وزير العدل “المثيرة للجدل” والتي كانت حسبه لا تسهل النقاش بشأن بعض البنود، مما يؤدي إلى تجاذبات لا تساهم في الإسراع بالمصادقة حول هذه القوانين.
وشدد الباحث في العلوم السياسية على أن أي تغيير مرتقب لوزير العدل وتعويضه بوزير آخر قد يساهم في التأثير على الحركية التشريعية بشكل جيد.
“حصيلة صفرية” تستدعي رجة
المحلل ذاته، واصل حديثه لـ”مدار21″ على الوزير “المثير للجدل” حسبه، ومؤكدا أنه “منذ تعيين وهبي، أقدم الوزير على سحب عدة مشاريع قوانين عديدة، أهمها مشروع القانون الجنائي الذي أثير الخلاف حول بند يتعلق بالإثراء غير المشروع، ما اعتبرته المعارضة قرارا معطلا للحركية التشريعية التي همت إصدار مشروع المسطرة المدنية وتراجعا في عرض هذه القوانين التي تعتبر مهيكلة”.
وتابع أنه “في الوقت الذي برر فيه الوزير سحب المشروع بضرورة العمل على تجويد النصوص القانونية قبل عرضها على البرلمان، “يبدو واضحا أن هذه النصوص رغم أهميتها، إلا أنها لم تصدر لحد الآن”، وهو ما أدى، حسب المحلل السياسي، إلى تراكم مشاريع النصوص التشريعية لتنضاف إليها مشاريع أخرى مهيكلة كمشروع مدونة الأسرة.
وخلص شقير إلى أن تغيير الوزير “المثير للجدل” حسب وصفه، خلال أي تعديل حكومي مرتقب، أصبح “ضرورة ملحة قد تساهم في خلق مناخ مناسب يتسم بالسرعة والحركية التشريعية خاصة داخل لجنة العدل المتخصصة في مناقشة هذه المشاريع”.
من مكافحة الفساد لـ”محاربة” حماة المال العام
جرائم الأموال والإثراء غير المشروع التي أوقعت بكبار المنتخبين والساسة والمسؤولين بالبلاد، كانت كفيلة لمعرفة حياة بعض السياسيين التي كانت ظاهرها “العمل”، وباطنها تبديد المال العمومي أو الاتجار وتهريب المخدرات.
صحيح أن غياب الإرادة السياسية لمكافحة الفساد وتجريم الإثراء غير المشروع، حسب المحامي محمد الغلوسي عن هيئة مراكش، هو الذي يؤثث صورة المشهد السياسي الحالي، لكن الواقع يبرز أن المغرب صادق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والتي تتضمن في المادة 20 “دعوة كل الدول إلى تجريم الإثراء غير المشروع”.
وأكد في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن وزير العدل عبد اللطيف وهبي عند سحبه لمشروع القانون الجنائي الذي يتضمن بنودا تتعلق بتجريم الإثراء غير المشروع، قال حينها ”الهدف هو تجويد النص”، موضحا أنه ‘‘مع مرور الوقت والحكومة الحالية قطعت نصف أشواطها، تبين أنه ليست هناك إرادة سياسية حقيقية لمكافحة الفساد’’، وفق الغلوسي.
وتفرغ وهبي، حسب الغلوسي، إلى “خوض حروب أخرى ضد جمعيات حماية المال العام بالمغرب، دون أن يتفرغ لتجريم الإثراء غير المشروع”، موضحا أن الوزير المذكور “تفرغ أيضا لمسائل التضييق على جمعيات حماية المال العام وتهديدها بالسجن، وحرمانها من وصل الإيداع النهائي”.
وأضاف رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام بالمغرب، أن وهبي “لا يستغل وظيفته كوزير للعدل من أجل تمرير قوانين ترمي للقطع مع الفساد وتجريم الإثراء و تبييض الأموال والرشوة وغير ذلك”، مسترسلا بقوله إن ”الجميع يقر بخطورة الفساد والرشوة على الحياة العامة”.
وسجل المتحدث ذاته وجود تقارير صنفت المغرب في مراتب متأخرة، آخرها تقرير منظمة الشفافية الدولية التي صنفت المغرب ضمن المرتبة 97 من أصل 180 على مستوى مؤشرات إدراك الفساد.
وخلص إلى أن الظرفية الراهنة أمام “تغول” الفساد، وتهديده للدولة والمجتمع، باعتباره تداعيات خطيرة على الأوضاع بالمغرب، باتت تقتضي تدخل وزير العدل بالإضافة إلى الحكومة التي تتحمل المسؤولية في هذا الجانب من أجل وضع منظومة تشريعية متلائمة مع القوانين الدولية لمكافحة الفساد، والعمل على تخليق الحياة العامة.
“لعنة فضيحة مباراة المحاماة”
بسبب غياب التوافق حول نقاط خلافية كثيرة، ما زالت العقبة تتشكل أمام إخراج مسودة مشروع القانون المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة. فالموضوع الذي أعيد إلى النقاش اليوم لا يتعلق بتأخر إخراج المشروع، وإنما باتهامات “التلاعبات” الأخيرة التي شابت امتحان المحاماة في دورتيه الماضيتين.
المحلل السياسي، محمد شقير، أكد في هذا السياق، أن تعيين وهبي، الذي يدخل في مواجهات مع العديد من الهيئات الحقوقية، وزيرا للعدل كان سببا في تعطيل أهم مشروع وهو قانون المحاماة، الذي جعله سببا للإضرابات من طرف مهنيي القطاع، ما خلق مناخا غير مساعد لطرح هذا المشروع.
وما زالت اللجنة الوطنية لضحايا امتحان المحاماة في هذا الصدد، تتابع “التعاطي السلبي لمجموعة من المؤسسات مع فضيحة فساد امتحان المحاماة دورة دجنبر 2022 وما أعقبه من تكريس ممنهج للفساد في الإمتحان الثاني دورة يوليوز 2023؛ دون فتح تحقيق في الموضوع والوقوف على الخروقات الواضحة وتفنيد الشبهات وترتيب الآثار القانونية اللازمة في حق المتورطين في التلاعب بهذا الإمتحان الذي أشرفت عليه وزارة العدل”.
اللجنة ذاتها طالبت الأربعاء 8 ماي الجاري بضرورة محاسبة جميع المتورطين في التلاعب بامتحان المحاماة، وربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، وحملت وزير العدل واللجنة المشرفة على الامتحانات المسؤولية الرئيسية في كل ما وقع في الإمتحان وانعكاساته، مدينة في الوقت ذاته، كل أشكال المماطلة والالتفاف على الحق والقانون.
كما أعلنت عن تأسفها في بيان تتوفر “مدار21” على نسخة منه، بخصوص غياب ‘‘أي تبرير أو تعليل لبعض المؤسسات التي أحيل عليها الملف في مجالات اختصاصها، رغم الصلاحيات الدستورية المهمة التي تحظى بها’’، معلنة عن تشبتها بالمطالب، وعزمها عن تصعيد النضال للتصدي “للفساد والانتهاكات الجسيمة التي تسبب فيها بعض اللامسؤولين الذين يكرسون المحسوبية والزبونية والوزائع السياسية”، وفق بيانها.
تأخير أم تنويم للرأي العام؟
بعد مرور أكثر من سنتين على سحبه، مايزال مشروع القانون الجنائي قيد المشاورات، بالإضافة إلى باقي مشاريع القوانين الأخرى منها مشروع المسطرة المدنية، والمسطرة الجنائية التي ظلت تراوح مكانها.
سعيد بركنان، أستاذ باحث في العلوم السياسية، أوضح في هذا السياق، أن الفشل في إخراج القوانين ليس مرتبطا بوزير العدل كوزير فقط، وإنما بفشل الحكومة ككل.
وعند الحديث عن مسؤوليته في إخراج مشروع القانون الجنائي، شدد بركنان على أن وزارة وهبي هي المسؤولة عن إعداد هذه المشاريع وطرحها للبرلمان من أجل المصادقة عليها أو تأخيرها.
ولفت المحلل السياسي في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، إلى أن مشاريع قوانين وزير العدل كانت من طينة القوانين التي أحدثت نقاش عموميا لم تكن لصالح الوزير لسبب مرتبط بشخصيته، وشدد بدوره على الحديث على شخصية الوزير “الصدامية” والمثيرة لاهتمام المغاربة في العديد من المرات قبل وبعد فضيحة امتحانات الأهلية لمزاولة المحاماة.
واختصر المحلل السياسي بعض هذه الفضائح في بعض الخرجات الإعلامية للوزير حول التعديلات التي وصفها بـ”الصادمة” للمجتمع المغربي المتعلقة بتنظيم العلاقات خارج إطار العلاقة الزوجية.
وخلص بركنان إلى أن التأخير في إخراج هذه المشاريع يعود بالأساس إلى ضرورة تحقيق إجماع كلي داخل البرلمان وكذلك تنويم النقاش العمومي أو على الأقل عقلنته، كما يتم انتظار إتمام وإخراج مدونة الأسرة وتحقيق التوافق التشريعي حول نصوصها لكي يتم في المقابل إخراج قانون المسطرة المدنية والقانون الجنائي في نسخته المعدلة.
جرأة غائبة تحتاج “ولادة قيسرية”
‘‘مشروع تعديل مدونة القانون الجنائي مازال يثير نقاشا كبيرا وقد طالت فترة مخاضه وأصبح يتطلب ولادة قيسرية بعد تعذر ولادته طبيعيا’’. هكذا عبر رشيد لبكر، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، عن رأيه في التأخر المستمر لمشروع القانون الجنائي.
وسبق منذ أكثر من سنة، أن وصل المشروع إلى مراحله النهائية لإخراجه إلى حيز الوجود قبل إحالته على البرلمان من أجل الشروع في مناقشته، حسب الأستاذ ذاته، لكن تم سحبه في آخر لحظة، لأسباب عديدة، أهمها وجود “حذر” كبير من طرحه في هذه الفترة المتسمة بسياق دولي متقلب و غير مناسب، يضيف لبكر.
وأوضح الأستاذ في علوم السياسة، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، بأن هذا الحذر يمليه التخوف من ردة فعل الصالح العام تجاه ما قد يتضمنه من بنود سبق لوزير العدل أن أدلى بتصريحات أو تلميحات بشأنها، ما أدى حسبه إلى نشوب خلافات جوهرية شديدة اللهجة بين مؤيدين ومعارضين، لاسيما أن بعض النقاش مس مسائل تخص المعتقد الديني الذي يشكل ركنا أساسيا في تركيبة الوجدان المغربي العام وفي ضمان السلم المجتمعي.
وتابع المحلل السياسي في تصريح للجريدة، أن هذا الموضوع لا يمكن المجازفة به ولا التسرع فيه، نظرا لكونه يحتاج فعلا إلى التروي وإعادة القراءة ألف مرة، ‘‘لأن المسألة تتعلق بتشريع، يفترض أنه سيؤسس لقواعد قانونية عامة ومجردة، منسجمة مع التزامات المغرب الدولية و لكنها متلائمة أيضا مع الدستور وخصوصيات الحكم بالبلاد’’.
تخوف وتوجس
هكذا وصف لبكر التخوف والحرص والتوجس في إخراج مشروع القانون الجنائي، وأكد أن هذه العوامل كافية وحدها لتفسير تردد أو تريث الحكومة في الإفراج عن مشروع القانون، الذي يبدو حسبه ‘‘ أخذ ما يكفي الوقت وقد حان الأوان للإفراج عنه’’.
ويعتقد المحلل السياسي أن الرؤية بدت واضحة أمام الحكومة بالشكل الكافي التي تشجعها على الإفراج عنه، لاسيما أنه لن يتضمن النصوص المتعلقة بالجانب العقدي فقط، بل هناك نصوص أخرى متعلقة بمجالات لا تقل أهمية، منها تلك التي ستخصص لمحاربة الفساد المالي وجرائم الإثراء غير المشروع، والتي مازلت تعرف بعض التحفظات أو “التخوفات” حول كيفية تنزيلها.
وقال لبكر: ‘‘أعتقد أن الإفراج عن هذا المشروع الآن، سيكون منسجما مع عنوان المرحلة المتعلق بالتخليق ومحاربة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة’’، مضيفا “كيفما كان الحال، ستكون أمامه جولات أخرى من النقاش البرلماني، وهو ما سيوفر، ضمانات أخرى للنأي به عن شتى الانحرافات أو المنزلقات التي ستبدد كل هذه التخوفات التي تبقى على أية حال مفهومة ولها ما يبررها.
وخلص إلى أن عدم التسرع، في حد ذاته، يعبر عن وجود حس مرتفع من الالتزام والمسؤولية والإصرار على ضمان الاستقرار، مؤكدا أن الحكومة وإن كانت واعية بأن ما ستفرجه عنه مجرد مشروع قانون مازال في بداية طريقه قبل التشريع النهائي، فإنها أيضا منتبهة وحريصة على ألا ينسب إليها مشروع قد يثير “حساسيات” متعددة يفتح الباب أمام الكثير من التأويلات، التي ربما ستسيء إليها، وربما يستغله الخصوم للنيل منها.