“العيد الكبير” علينا!
بينما فعل غلاء أضاحي العيد فعلته في المواطنين هذه السنة، أصبح ممكنا الحكم بأن هذه المناسبة تعدّت كونها شعيرة دينية أو طقس اجتماعيا خاليا من الأبعاد الروحية، إلى كونها قهرا اجتماعيا وضغطا لا يُحتمل على فقراء القوم، أما أغنيائه فقد وجدوا سلوتهم في مقاطعة دون صخب لهذه الشعيرة.
طقس العيد الذي كان حفلا للمة الأهل والأحباب، وفرحة الصغار والكبار، ومناسبة لصلة الرحم وتكريس قيم الأخوة والتضامن، تحوّل إلى طقس شواء داخلي بعقول الموظفين والأجراء الذين أرهقتهم حسابات الادخار لتوفير ثمن الأضحية، وشواء بقلوب من لم تسعفهم الظروف المادية لاقتناء الكبش.
العيد الذي كان كبيرا لنا أصبح كبيرا علينا بفعل غلاء لا يطاق، تفاعلت عديد الظروف في رفع سقفه عاليا، حتى بات الهاجس الاقتصادي طاغيا على هذه المناسبة أكثر من غيره، إلى درجة أفسدت طعم هذه اللحظات، وباتت معها الحاجة قائمة إلى من يدعو الناس إلى الإشفاق على أنفسهم.
عوامل الغلاء وارتفاع الأسعار متعددة، ومنها القوة القاهرة لتوالي سنوات من الجفاف وقلة التساقطات المطرية، التي أنهكت الزرع ومعه الثروة الحيوانية، وهو الوضع الذي يبدو أنه يتطلب عملا استراتيجيا كبيرا، إلى جانب ترقب ما ستجود به السماء في قادم السنين.
ويمكن أن يتقبل المواطن باقي مسببات الغلاء التي لا طاقة للحكومة بها بصدر رحب، ومنها غلاء كثير من المواد على المستوى الدولي، غير أنه من الصعب عليه ابتلاع أن من الأسباب البارزة للغلاء مواطن آخر مثله، يحمل بطاقة وطنية أيضا، وله سُحنة مغربية، لكنه يحترف وضع يده بجيوب الناس من خلال المضاربة والتحكم بأسعار السوق دون أن تطاله يد المراقبة، لاعتبارات كثيرة.
مع هذا الوضع بات مطلوبا من الذهنية المغربية أن تتخلص من سلطة العادة، ومن قشور متراكمة من رغبة التباهي الاجتماعي والتظاهر بالقدرة المالية وغيرها من الآليات الدفاعية التي ابتدعها “الإنسان المقهور”، أو على الأقل أن يتخلصوا من نظرة الإشفاق على من اختار أن لا “يُعيّد”.
وعلى المغاربة أن يعلموا أن هذه شعيرة دينية بالأساس ولا علاقة لها بحجم “الحولي” ولا “قرونه”، والأهم من ذلك أن الأصل في الدين يسرٌ وليس عسر، وذلك لكي لا نُفسد على أنفسنا والأجيال القادمة معنى هذه المناسبة.
