حوارات

أوشلح لـ”مدار21″: الخوف المفرط من كورونا يضعف المناعة والدعم النفسي ضروري

أوشلح لـ”مدار21″: الخوف المفرط من كورونا يضعف المناعة والدعم النفسي ضروري

نعيش عصر القلق بجميع أصنافه وأشكاله، قلق فكري وقلق اجتماعي وقلق اقتصادي، لكننا ابتلينا بقلق لم تشهد له البشرية مثيلا “الكورونا”؛ ذلك الوباء الخبيث الذي ترك ندوبه في جميع مجالات الحياة مما سبب قلقا نفسيا انعكس على نفوس الناس، فالخوف من الموت ومن المستقبل يجعل الإنسان يعيش رعبا لا يدري ما نهايته، مولدا حالة من الشرود والانكفاء على الذات.

في حوار أجرته “مدار21” مع أخصائية إكلينيكية وأستاذة في علم النفس المرضي والإكلينيكي بجامعة محمد الخامس بالرباط، مارية أوشلح، تقدم  فيه مختلف الأجوبة المرتبطة بتأثير الوباء على الصحة النفسية أثناء وبعد الإصابة منه، إذ تشرح جوانب الضغط الذي أحدثته جائحة كورونا ابتداء من الحجر وتأثيراته النفسية، وانتهاء بالخوف الشديد من المرض والحذر المبالغ فيه الذي يؤثر على البنية العصبية للشخص وينبئ بوجود هشاشة على مستوى المنظومة النفسية والميكانيزمات الدفاعية النفسية، وهي بذلك تؤثر على المناعة العضوية.

وفيما يلي نصّ الحوار:

ما هي الآثار النفسية والعصبية لفيروس كورونا على المصابين به؟

في الحقيقة الآثار العصبية والنفسية تمس جانب الضغط الذي سببه الحجر ثم الحجر الليلي المستمر، كذلك الإنسان يُحرم من حياته الطبيعية اليومية، أبسط مثال على ذلك عدم السلام، وغياب التجمعات، والخوف من اللقاءات، وهذا النوع من العزل بالفعل يخلق نوعا من الضغوطات لأنه يصاحبه نوع من التخوف على اعتبار أن احتمالية العدوى والإصابة ممكنة، والخوف الأكبر يتجلى في نقل العدوى لأشخاص مقربين من دائرتهم وأقربائهم، فالخوف على النفس أقل درجة من الخوف على الآخرين.

وبالتالي هذا النوع من الضغوطات مع المخاوف يؤثران على الأنساق النفسية من حيث قيمتها الحقيقية في التوازن مرتبط باستخدام المنطق، ولكن المشكل حينما تكون مدة الضغوطات طويلة جدا، وأيضا عامة في حياة الإنسان اليومية يؤثران على العامل الزمني والمنطقي داخل المنظومات الداخلية للجهاز النفسي، فالأنساق لا يمكن أن تقوم بوظيفتها الطبيعية تحت هذا النوع من الضغط الذي يفضي بدوره إلى نوع من الانفعالات، وهذا الأخير يعني تفجير الخوف، والعنف.

حينما تستبدل الأنساق النفسية بالانفعال فهنا المنطق يعود إلى الوراء وبالتالي يسبب ذلك خلق نوع من المشاكل على مستوى البنية الأساس للجهاز النفسي، حتى لو لم تكن هناك مشاكل قبلية قد تفتعل بسبب طول مدة الوباء، وكذا بالترقب دون معرفة متى تنتهي كورونا، فالباب المفتوح للعدو الخارجي المجهول دون أن نراه، ولا نعرف كيفية مقاومته وتجنبه، ومدة انتهائه، كلها عوامل تجتمع لتؤثر على الاقتصاد النفسي وتدمر المنطق النفسي كذلك.

وهناك فئة من الأشخاص من لديهم سوابق مرضية، فهذه الحالات ظهرت منذ الأسابيع الأولى لظهور الجائحة، فإذا كانت هناك قابلية للانجراف ناتجة عن مشكل قبلي كمرض الوسواس القهري والقلق النفسي، الاكتئاب والفصام بوصفها حالات عقلية وغيرها من الأمراض فقد تفجرت بعد ظهور كورونا بأسابيع قليلة، أما الأشخاص الذين صمدوا هم الذين يخضعون للتذمر البطيء وتظهر لديهم رجّات على مستوى الجهاز النفسي.

ممكن أن يساهم فيروس كورونا في ظهور أمراض وعقلية مثل الفصام وغيرها؟

بعض الأمراض الاكتئابية التابعة للأمراض العقلية مثل الفصام والثنائية القطبية لا يمكن أن تظهر إلا بناء على عوامل وراثية، وأغلب الحالات التي ظهرت كانت تعاني من أمراض نفسية ولديها سوابق في المجال النفسي والاضطرابات النفسية، وهي التي طلبت المساعدة، خصوصا الأمراض المرتبطة بالقلق كالرهاب، والاكتئاب.

أما الحالات المرتبطة بالأمراض العقلية، ونخص بالذكر الفصام، فهناك حالات إلى حد الآن مازالت صامدة، بحسب حدة المرض، وما إذا كان لها سوابق مرضية، وتأثيرات المحيط كذلك.

فالأمراض العقلية جاءت بردات فعل متأخرة على عكس الأمراض النفسية، لأن الذين يعانون من أمراض نفسية حسّاسون جدا وينجذبون مع محيطهم، أما الذي يعاني من أمراض عقلية هناك ميكانيزم نفسي يسمى بالإنكار، وميكانيزم آخر يدعى بالانشطار يفصلان المريض عن الواقع، وهذا ما يحميهم، فهو لا ينجذب بسهولة مع المحيط الخارجي ولا يتقبل المرض في بعض الحالات.

هناك حالات تعاني من الفصام انجرفت لإدمان المخدرات وأغلب الحالات تجدها تدمن على “الحشيش”، فهي في فترة الحجر كانت تعاني من الحرمان وليس من المرض.

هل ثمة أي علاقة بين كورونا وأمراض نفسية كالاكتئاب مثلا إبان فترة الإصابة أو فترة ما بعد التعافي؟

هناك متلازمات في جميع الأمراض، ولا يمكن أن نغفل أن المرض النفسي قد يتسبب فيما هو عضوي والعكس صحيح، وهما بنيتان متداخلتان، فالأولى تعتمد على ميكانزمات أو المناعة العضوية وأخرى تعتمد على الميكانزمات النفسية، ولا توجد قنطرة فاصلة بينهما، وهنا يظهر دور المحيط، فإذا كان هناك دعم من الدائرة المقربة من المريض تمر كورونا مرور السلام، لكننا لا ندرك كأشخاص الواقع الحقيقي لجهازنا النفسي، ويمكن أن نحس بأن هناك رجات نفسية لأننا لا نختار نمط التربية ولا المنظومة الوراثية، فيمكن إن لم تؤثر في بنيتنا النفسية أن تؤثر في منظومتنا الوراثية.

هل المصابين بأمراض نفسية أكثر عرضة لالتقاط الفيروس؟

نعم هناك علاقة، بدليل أن الأشخاص الأكثر حذرا من كورونا هم الذين يصابون رغم الاحتياطات الشديدة التي يسيّجون أنفسهم بها، لأننا عندما نقوم بحذر شديد فإننا نضعف ميكانيزماتنا العضوية البيولوجية والكورتيزون يرتفع، والمعروف عند ارتفاع هذا الأخير يمتص المعادن والفيتامينات وأي فيروس بسيط  يصيب الشخص قد يصيبه بحالة خطيرة، لأن الحذر الشديد يؤثر على بنيته العصبية، فالحذر يعني وجود هشاشة على مستوى المنظومة النفسية والميكانزمات الدفاعية النفسية، وهي بتلك تؤثر على المناعة العضوية وبالتالي لا تكون هناك مقاومة.

كيف تتم طرق العلاج لتخفيف آثار كورونا النفسية؟

دائما ما أقول أن الوقاية خير من العلاج، وكان يجب أن نتصدى لهذه الحالة المنتشرة عبر العالم بخلق خلايا يعمل داخلها أخصائيون إكلينيكيون إلى جانب أطباء نفسيين. برأيي الإخصائي الإكلينيكي يجب أن يتصدر المقدمة لأن لديه دراسة كافية لعمق الجهاز النفسي وللمنظومة النفسية بكل مقوماتها، فهذه الخلية يتجلى دورها في المصاحبة النفسية، أو الدعم النفسي على الأقل مرة في الشهر، يقوم من خلالها المريض بفحص إكلينيكي شامل ليظهر سلامة المنظومة النفسية لديه أو يخبره بوجود خلل وجب الحذر منه، وهذا ما قصدت بالوقاية في البداية.

وحتى إذا بدأت تشعر ببعض التغيرات العضوية، فالمشكل أحيانا أن بعض الحالات تبدأ على شكل هلع نفسي يظهر على شكل قلق كأن الأنا يتوقف عن النبض الطبيعي، وهنا يتم التعبير عن وجود خطأ في الجهاز النفسي عن طريق كل ما هو عضوي كالشعور بالغثيان والدوار وارتشاح في المعدة والصداع النصفي وغيرها من الآلام، وحينما تذهب عند طبيب عام ويقول بأنك لا تعاني من شيء لا تحاول أن تضيع المزيد من الوقت ولا داعي للإكثار من الفحوصات لأن المشكل قد يرتبط بقلق نفسي.

ما هي نصائحكم للمصابين والمتعافين من كورونا؟

أقول للمتعافين أنه من الضروري أن يجروا فحصا إكلينيكيا حتى قبل ظهور الأعراض.

أما بالنسبة للمصابين بفيروس كورونا، بعد العلاج مباشرة وحتى بالنسبة للحالات الصعبة، يجب أن تكون هناك مصاحبة وعلاج نفسي تساير هذه الحالات التي نجدها في العناية المركزة، إذ تقع حالات اختناق ونلقي كل الأسباب على كورونا، ولكن حينما يكون هناك دعم نفسي فهذا يساعد الشخص على التنفس بشكل طبيعي كما أنه سيؤثر حتى بالنسبة لما هو عضوي، وأنا عايشت حالات من هذا النوع وتغلبنا بفضل الدعم النفسي على هذه المشاكل.

والأمر نفسه بالنسبة لمرضى السرطان، فحينما يتلقون دعما نفسيا فهذا يساعد على تحصين المناعة النفسية التي بدورها تقوي مناعته العضوية ونكون بذلك مساهمين برفع جودة حياة المريض.

هل هناك إقبال على المراكز النفسية؟ وهل تم كسر الصورة النمطية عنها؟

نعم هناك إقبال، ولكن نحن ننتظر تغييرا على المستوى القانوني، إذ هناك مراكز يشتغل ضمنها من لم يحصل على الإجازة. أن تكون أخصائيا يعني أن تحمل شهادة الماستر، كما أن الوعي بالجانب الأكاديمي في التكوين بهذا المجال لا يوجد في بعض المراكز، مازال لدينا خلط بين دور الأخصائي النفسي والطبيب النفسي والأخصائي الإكلينيكي في مجالات أخرى، وهنا العيب لأنه لا يوجد تأطير قانوني يحمي التكوين ويحمي الآخرين ويخول من الناحية الصحية ضمانات صحية للأشخاص، وحتى عند غياب التأطير القانوني تكون المستحقات غير محددة من قبل الأخصائيين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News