سياسة

بعد المزايدات الحزبية.. هل تم تسييس مدونة الأسرة أكثر مما ينبغي؟

بعد المزايدات الحزبية.. هل تم تسييس مدونة الأسرة أكثر مما ينبغي؟

على بعد أيام من تسليم اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة تقريرها إثر انتهاء مهلة الستة أشهر المحددة، ورغم انخفاض حدة السجال في الأسبوع الأخير، إلا أن الملاحظ هو خوض الأحزاب السياسية لمعركة ضارية في ما بينها أدت إلى أخذ موضوع المدونة مساحة كبيرة في النقاش العمومي.

الاختلاف الواضح بين الأحزاب المحسوبة على الحداثة والأخرى المحسوبة على المحافظة لم يبق مرتهنا فقط بالمذكرات التي تم تقديمها، بل تم تعديها إلى مزيدات حزبية وتراشق سياسي وتبادل للاتهامات بين قيادات الأحزاب، مما أفقد نقاش المدونة الجو الصحي للتدافع والترافع بين الأطاريح المختلفة.

وبهذا الخصوص يرى عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة بجامعة القاضي عياض بمراكش، في حديث لجريدة “مدار21″، أن نقاش مدونة الأسرة تم تضخيمه على حساب قضايا أخرى، مستحضرا كثرة المزايدات الحزبية حوله.

طغيان الحزبية والمزايدات

وأكد العلام أن “مسألة التسييس لا تطرح إشكالا، لأن الموضوع مسيس من الأصل، والقانون هو محصلة سياسية لأن ما هو اجتماعي هو سياسي بالضرورة، والقاعدة القانونية ليست محايدة بما فيها القاعدة الدستورية نفسها لأنها خاضعة دائما لموازين القوى داخل المجتمع، وهذه القوى هي بالضرورة سياسية، مما يجعل النقاش السياسي حول المدونة أمرا طبيعيا”.

وتابع أستاذ علم السياسة “رغم أن النقاش حول المدونة قد يبدو خارجيا أنه لا يحتمل السياسية، لكن داخل المجتمع هناك توجهات تقدمية وأخرى محافظة، والصراع اليوم ليس بين الأحزاب السياسية فقط، بل أيضا بين مكونات المجتمع المدني وداخل الجسم القضائي والحقل الديني الرسمي، وداخل الأسرة نفسها توجد اختلافات”.

ما يمكن قوله، يضيف العلام، إن النقاش “ذهب أكثر في اتجاه الحزبية وليس التسييس، إذ تم تحزيب النقاش وصارت حوله مزايدات، وهذا أمر بدوره طبيعي لأن السياسية تحتمل الصراع وهي امتداد للحرب بطريقة سلمية، وهذا ليس جديدا على الحالة المغربية لأنها ليست استثناء في العالم”.

وأشار العلام إلى أن النقاش حول مدونة الأسرة يخص نقاش بين توجهات فكرية وإيديولوجية، متابعا بأن “أي مجال يحتمل النسبية سيكون مرتعا للاختلاف وقد يتطور إلى خلاف”، مشددا على أنه في المغرب لم يسبق أن كانت إصلاحات مدونة الأسرة تتم في ظل إجماع المجتمع، هذا الأخير الذي في الغالب لا يتقبل الإصلاحات بسهولة، لأن القاعدة القانونية ليست بالضرورة صدى للمجتمع إذ ممكن أن تكون أيضا جرا للمجتمع نحو التطور.

تضخيم نقاش المدونة

وتابع المتحدث نفسه أنه عندما لا تكون القاعدة القانونية صدى للمجتمع فأكيد سيُختلف حولها بين مؤيد ومعارض، مضيفا أن السجال حول مدونة الأسرة من الممكن القول إنه “أُعطي أكثر من حجمه مقابل تناسي قضايا مهمة وكبرى يعايشه المواطن المغربي”، موضحا أن “هذا النقاش يمكن أن يكون ضمن النقاشات العادية حول قضايا مختلفة، وإلا سنترك الأهم ونهتم بغير المهم، علما أن هذه الفكرة أيضا نسبية إذ يمكن أن يذهب البعض إلى أن هذا النقاش أولوية مقارنة بباقي المواضيع”.

واسترسل “عموما هناك رغبة في تضخيم نقاش إصلاح المدونة أكثر من الرغبة في عدم تأطيره سياسيا لأنه يغطي على نقاشات أخرى، وعندما ينشغل المجتمع بهذا النقاش فأكيد أنه يريح الدولة في قضايا أخرى، خاصة عندما تكثر النداوات والسجالات حول الموضوع”.

من جانب آخر، يرى أن تضخيم هذا النقاش يؤدي إلى تخاصم الحلفاء، موضحا أن بعض اليساريين والإسلاميين هم في تحالف لكن هذه القضية ستشتتهم، مستحضرا قول عبد الإله ابن كيران لبنعبد الله إنه عزيز عليه رغم بغض الخلافات بينهما والتي يبدو أنها ستتسع في قادم الأيام وذلك في إشارة إلى السجال حول موضوع مدونة الأسرة.

واستحضر العلام تأثير هذا النقاش أيضا في ما يتعلق بطرح المعارضة البرلمانية لملتمس الرقابة لإسقاط الحكومة، موضحا أن تضخيم هذا النقاش سيؤثر على المعارضة وعلى مبادرات المجتمع المدني، مفيدا أنه في جميع الدول يكون لكل من المعارضة والأغلبية آليات واستراتيجيات للرد على بعضها البعض.

وتساءل العلام حول ما إن كانت الأحزاب السياسية واعية بالانجرار إلى هذه “الفخاخ”، وإذا لم تكن واعية فهي لا تختلف عن الناس العاديين، ذلك أن مواقع التواصل الاجتماعي تشهد كل أسبوع قضية دون أن تثبت حول موضوع معين أو الخلوص لخلاصات حولها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News