سياسة

“الموظفون الأشباح”.. ظاهرة تنخر جماعة البيضاء وتضع المجالس المنتخبة على المحك

“الموظفون الأشباح”.. ظاهرة تنخر جماعة البيضاء وتضع المجالس المنتخبة على المحك

في كل مرة تَعقد جماعة الدار البيضاء دوراتها لتنفيذ نقاط تتعلق بالميزانية، أو النقاش حول ميزانية تمويل المشاريع المطروحة على طاولتها، إلا ويثار السجال حول إشكالية “الموظفين الأشباح” داخلها، ممن يتلقون أجورا شهرية تصرف من مالية الجماعة دون الحضور إلى مقر الولاية واجتماعاتها.

نبيلة الرميلي، رئيسة جماعة الدار البيضاء، قالت خلال عقد الدورة الإستثنائية يوم 4 مارس الجاري، إن نسبة أجور الموظفين تأخد من مالية الجماعة مليار و100 مليون درهما، إلى جانب الأحكام القضائية والقروض الأخرى التي تنهك الميزانية واضعة إياها أمام العجز المالي.

من جهتها، طالبت الهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بداية مارس الجاري، بـضرورة فتح بحث عاجل ومعمق بخصوص معطيات تفيد وجود موظفين أشباح بالجماعة الحضرية ومقاطعات مدينة الدار البيضاء، يتقاضون رواتب شهرية ضخمة من الميزانية العمومية دون أداء وظيفتهم.

وعبرت الهيئة، من خلال رسالة موجهة إلى الوكيل العام للملك، تتوفر “مدار21” على نسخة منها، أن قضية “الموظفين الأشباح” تأتي في وقت يعاني فيه الآلاف من الشباب المؤهل من البطالة والظروف الاجتماعية الصعبة، وأكدت على أن هذه الطريقة في التوظيف تعد مساسا بمبدأ تكافؤ الفرص وتبديدا للمال العام.

وكشف محـمد اجبيل، رئيس مجلس مقاطعة مولاي رشيد، في مناسبات عدة، عن وجود 400 موظف بالمقاطعة من أصل 450، يدخلون ضمن قائمة الموظفين الأشباح ولا يقومون بمامهم، واضعين الموارد البشرية بجماعات ومقاطعات البيضاء على المحك.

وفي هذا السياق، نفى مصدر مسؤول، من داخل الجماعة في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، وجود موظفين أشباح داخل مقر الولاية، قائلا؛ “حاليا لاوجود لموظفين أشباح بالحجم التي كانت عليه الجماعة في السابق”.

وأضاف المسؤول بالجماعة الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن الجماعة قبل دخول البيضاء نظام وحدة المدينة في 2003، كانت تشغل نحو 25 ألف موظف، بينما اليوم لا وجود سوى لـ9000 موظف، مفسرا ذلك  بأن ” المشكل الذي كان سنة 2003، أنه توقف التوظيف، وبالتالي أصبحت الجماعة تعاني من شيخوخة هرم الموظفين، بسبب أن أغلبية الأطر أحيلت على التقاعد مما جعل الجماعة تعاني مشكلة في الموارد البشرية”.

وتعليقا على ظاهرة الموظفين الأشباح، قال المحلل السياسي، سعيد بركنان، إن ميزانية التسيير في المجالس المنتخبة في المغرب خاصة منها المجالس الجماعية، غالبا ما شكلت عائقا أمام تفعيل دورها الدستوري الذي أحدثت من أجله.

وأوضح الباحث في العلوم السياسية، في تصريح لجريدة “مدار 21” الإلكترونية، أن عدم التدبير الجيد والفعال، وخلق مصاريف وهمية بالإضافة إلى”الوظيفة الشبح”، كلها من أسباب ضعف التسيير الذي أعاق تفعيل الدور الحقيقي للمجالس المنتخبة .

ووصف المتحدث ذاته، اكتشاف العديد من المجالس الجماعية المنتخبة لموظفين أشباح، بـ”الأمر العادي”، معتبرا أن ”الوظيفة في المجالس الجماعية في المغرب منذ فترات طويلة كانت آلية من الآليات التي تتشكل من خلالها الخريطة الانتخابية في المغرب.

وتابع المحلل السياسي، أن “منح هذه الوظائف والاستفادة من المال العام بوجه ريعي يكون أغلبه محاباة انتخابية ومكافئات للأدوار التي قام بها هؤلاء الموظفين الأشباح في فترة الحملات الانتخابية للحزب الذي يترأس تسيير ذلك المجلس” .

وبخصوص تأثير هذه الظاهرة على المشهد السياسي، خاصة من ناحية فقدان المواطن المغربي الثقة في المؤسسات والمجالس المنتخبة، نبه ركنان، أن المواطن قبل أن يفقد الثقة اتجاه المنتخبين بالجماعات والمقاطعات فقد الثقة أولا في الدولة، مسجلا أن هذه المجالبس، باتت عاجزة على تدبير وحماية المال العام الذي يتم نهبه بهذه الطريقة قبل أن يؤثر ذلك على علاقته بالانتخابات والمشاركة في تشكيل الخريطة السياسية من خلال التصويت، والمشاركة في الانتخابات التي كانت تعكس حجم هذه الثقة التي تربط المواطن المغرب بالمجالس المنتخبة.

و علاقة بثقة المواطن في العمل السياسي وليس فقط بالمجالس المنتخبة، يرى بركنان أن ذلك مرتبط بدور الدولة والمشرع المغربي في إعادة بناء جسر الثقة بين المواطن وهذه المجالس التي في سجلت مرات عديدة نسبا متدنية على مستوى المشاركة في الانتخابات.

وأوضح في السياق ذاته، أن الدولة المغربية أدركت أن تفعيل الدور الدستوري للمجالس المنتخبة في المغرب والمؤسسات العمومية له علاقة بورشين كبيرين لابد أن تشتغل عليهم الإرادة السياسية للدولة، يتجلى الأول في حماية المال العام ومالية الدولة وتقنين تصريفها، و‘‘الضرب بقوة في الأيادي التي تعبث بها’’.

ولفت أن الدولة أظهرت نيتها عبر تقرير المجلس الأعلى للحسابات بأن أموالها هي أموال المواطنين، وبالتالي لابد أن تصرف في الصالح العام، كما فضحت حسبه ناهبي الأموال العاملة في المجالس وكذا في الأحزاب من خلال سوء تدبير الدعم المالي للدولة التي تقدمه للأحزاب لتفعيل دورها الدستوري اتجاه المواطنين.

وبخصوص الورش الثاني يضيف المصدر ذاته، أنه يتجلى في تخليق المجال السياسي وخاصة كل ما له ارتباط بالمجالس المنتخبة، مؤكدا على أن المشرع المغربي أصبح يتحدث عن مدونة الأخلاق بالبرلمان .

وخلص إلى أن ظهور الموظفين الأشباح الآن في عدد من الجماعات مرتبط بهذا السياق العام الذي تتجه فيه الدولة لحماية المال العام وتخليق الحقل السياسي من أجل بناء جسر الثقة الجديد في أفق انتخابات مقبلة يراهن عليها المغرب للتعبير عن الإراد الحقيقية للمواطنين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News