بورتريه

أمينة الجبلي.. أول أستاذة مغربية في مجال التمريض خلال الاستقلال

أمينة الجبلي.. أول أستاذة مغربية في مجال التمريض خلال الاستقلال

تحتل مهنة التمريض مكانة خاصة لدى الناس، فهي من أقدم المهن منذ التاريخ، كما يعتبرها الكثيرون من أنبل ما يمكن أن يمتهنه إنسان، وراحوا يطلقون على من يشتغل بها أسماء تحمل كل معاني التقدير والامتنان، وسمو مكانتهم ومن بينها “ملائكة الرحمة”، ذلك أن تقديم العلاج والسهر على راحة المرضى والجرحى عمل نبيل يستحق الإشادة، خاصة إذا كان صادرا عن امرأة.

مسار حازم

عادة ما تجذب الفتيات المراهقات أحلام وردية بعيدة عن المسؤولية، خصوصا في فترة كانت المرأة مازالت تهيَّئ للعب دور وحيد بأن تصبح زوجة وفيما بعد أُمّا، شغلها الشاغل أن ترعى بيتها. لكن ابنة مدينة المحمدية اختارت وهي لم يتعد عمرها 16 عامت آنذاك، أن تلج مدرسة التمريض بالرباط، وكان ذلك في أواخر الخمسينيات من القرن المنصرم، وتخرجت بعد سنتين ضمن أول فوج مكون من سبع فتيات مغربيات، نال شرف استقباله من الملك محمد الخامس.

لم تشأ أمينة الجبلي أن تنهي طموح التحدي في هذه المرحلة، بل واصلت دراستها بمدرسة الممرضات التي تأسست أواخر الخمسينيات داخل مستشفى ابن سينا بالرباط، ومنها حصلت على شهادة التمريض، علاوة على شهادة “قابْلة”.

تقول الجبلي في إحدى لقاءاتها الصحفية عن بدايات عملها: “طول هذه الفترة لم أكن أتقاضى إلا نصف الراتب لأنني لم أصل إلى السن القانوني للعمل، وكان يحتفظ لي بالنصف الآخر إلى أن بلغت سن الرشد”.

تجاوزت أمينة كل الصعاب أملا في بلوغ حلمها، وتحملت صرامة قوانين المدرسة التي كانت تقيم بها أيضا رفقة زميلاتها، إذ كان يتم التعامل معهن بنوع من الحزم امتثالا لرغبة آبائهن خوفا عليهن لأنهن فتيات صغيرات في السن، والتعامل معهن بنوع من القسوة قد يخفف من أسباب الخوف حسب اعتبار الأهالي.

وفي سنة 1958 أصبحت أول أستاذة مغربية مكلفة بتدريس الممرضات، وأول ممرضة مسؤولة عن مصلحة طبية بأول مركز استشفائي بالمغرب.

حب المعرفة

رغبتها في الغوص في بحور المعرفة دفعتها للتعمق أكثر في مجالها، وعبرت عن ذلك قائلة: “لم أكتف بالشهادات التي حصلت عليها، فبدأت أسعى للتعمق أكثر في هذا المجال”. إثر ذلك، شرعت في إيجاد منافذ معرفية أخرى، فتوجهت للدراسة بالمراسلة بمدرسة عليا للتمريض بباريس ونالت شهادة عليا، ثم التحقت بمدرسة التمريض بالدار البيضاء بعدما وقع الاختيار عليها ضمن المسابقة، وإثر تخرجها عُيّنت مسؤولة عن مصلحة بمستشفى ابن سينا أواسط الستينيات، لتكون المرأة المغربية الأولى التي حظيت بهذا المنصب ضمن مجموعة من جنسيات أوروبية وأصغرَهن سنا، واستمرت فترة تدريبها في مجال التمريض لأسبوع حظيت خلال هاته المدة برفقة الأميرة “للا مليكة”.

شغفها في حب العلم ظل يراودها من حين لآخر، إلى أن استقر بها الحال لأن تلج مجالا مختلفا، وبموافقة من وزير الصحة آنذاك، اتجهت لدراسة القانون، وحصلت على شهادة الإجازة في بداية الثمانينات، واستأنفت الدراسات العليا، لكنها لم تناقش رسالة التخرج رغم حصولها على شهادة نجاح لسنتين، بسبب اضطرارها للسفر وانضمامها لفريق السلك الدبلوماسي المرافق لأحد السفراء في إحدى الدول العربية.

المرأة المسؤولة

تقلدت أمينة منصبا ضمن وزارة الخارجية عند عودتها إلى المغرب، ومرت سنوات قليلة لتجد نفسها على مشارف التقاعد، وبهذا الخصوص تقول: “رغم أنني بلغت سنا متقدما، إلا أنني مازالت أحتفظ بحيوية وطاقة كبيرين تمكنني من العمل”.

ليس شغف المعرفة وحده ما تملكه أمينة الجبلي، فهي شغوفة بالتطوع كذلك وهي واحدة من المتطوعات في جمعية خاصة بالأطفال المرضى بالسرطان، وتقديرا لجهودها، وعطائها نالت وسام الاستحقاق من الملك الراحل الحسن الثاني.

ظلت أمينة وفية لمهنتها، وأخلصت لها بكل جوارحها، وأبت أن تتزوج بسبب انشغالها الكبير في عملها، كما أنها المُعيل الوحيد لأسرتها، فهي اعتادت على المنح، والسهر على راحة الجميع وإن كان الثمن حرمانها من الأمومة، فهي ترى نفسها أُمّا للجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News