مجتمع

انحرافات “تيك توك” تُهدِّد الأمن الأخلاقي للمغاربة بـ’انحباس قيمي”

انحرافات “تيك توك” تُهدِّد الأمن الأخلاقي للمغاربة بـ’انحباس قيمي”

تعالت الدعوات مجددا لحظر تطبيق “تيك توك” في المغرب، إثر الانتشار المتزايد لـ”المحتوى المسيء لقيم المغاربة”، الذي جرف شبابا ومراهقين وحتى البالغين في حُمّى تنفيذ تحدّيات قد تكون حاطة بالكرامة تارة وفيها إيذاء للنفس تارة أخرى.

وانتشر مؤخرا عبر وسائط التواصل الاجتماعي فيديو بين شابتين تتحديان بعضهما لإرضاء متابعيهما على منصة “تيك توك”، وتعمد فيه إحداهما إلى إجبار الأخرى على فعل تحديات خطيرة من قبيل شرب سوائل خطيرة مزج فيها صابون الأواني بالعطور والبيض، مع رش هذا السائل بعينها.

وأثار المقطع انتقادات العديد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي الذين طالبوا بضرورة مراقبة “السوشيال ميديا”، سيما تطبيق “تيك توك”، وزجر مرتكبي مثل هاته الأفعال التي لا تمت للقيم المغربية بأي صلة.

بهذا الصددا، عدّ سعيد بنيس، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن ظاهرة التحديات على موقع “تيك توك” نوع من “الانحراف المجتمعي الصاعد في العالم الافتراضي، كما هو الحال بالنسبة للأشكال الانحراف الأخرى التقليدية”، مبرزا أن “هذه المواد الافتراضية الجديدة هي قيم خارجة عن المشترك المجتمعي، والخطير أننا ننحو نحو منحى احتباس قيمي”.

ولفت بنيس، في تصريح لجريدة “مدار21″، إلى أننا اليوم “انتقلنا إلى عالم رقمي أصبحت فيه التنشئة الاجتماعية موحشة، خلافا لمحاضن التربية في الماضي على غرار العائلة، الحزب، النقابة، التي تراجعت الآن بل وانسحب بعضها من القيام بهذا الدور”.

ونبّه إلى ضرورة تطوير وعي النشء عبر تجديد مناهج الدراسة والتربية على الميديا والتحسيس بخطورتها، مشددا على ضرورة “الرفع من مستوى مواكبة الشباب عبر تنمية الفكر النقدي في التعامل مع وسائط الميديا للاستفادة من هامش الحرية الرقمية بالشكل الذي يخدم المجتمع”.

ولمعالجة هذه الانحراف الجديد، دعا بنيس أيضا إلى إعمال مقاربة تفاوضية قوامها التثقيف والتحسيس، مؤكدا أن “أبحاث علم الاجتماع يمكنها أن تمدنا بالتوصيفات الصحيحة للظاهرة”.

وفي الوقت الذي تنحو فيه المقاربة السوسيولوجية إلى ضرورة التثقيف والتحسيس للحد من الظاهرة، يرى المحامي محمد ألمو أن المغرب أصبح اليوم في حاجة إلى مدونة خاصة بالجرائم الرقمية لسد الفجوة التي تسهم في خروج وسائط التواصل الاجتماعي عن السيطرة.

وأوضح ألمو في تصريح لـ”مدار21″ أن “التطور السريع لوسائل التواصل الاجتماعي أدى إلى نشر مسلكيات تقوم على نشر التفاهة ونشر السلوكات السلبية والمشينة التي تخالف القيم الأخلاقية والقانونية والأعراف المجتمعية”.

ولاحظ ألمو أن المشرع “مازال مكتوف الأيدي أمام هذا التطور التكنولوجي للجريمة، ولم يبادر إلى إعداد ترسانة قانونية تنسجم وطبيعة هذه الجرائم الإلكترونية”.

ويضيف المحامي “يتعين إيجاد مدونة خاصة بالجرائم الرقمية، لأن التكييف السليم في ظل القانون الجنائي أو حتى قانون الصحافة والنشر يظل أمرا صعبا”.

ويرى المحامي ذاته أن أنماط الجريمة الجديدة لا تتواءم وطبيعة الفكر التشريعي القديم، وتبرز هذه التحولات، وفقه، أثناء التكييف القانوني، إذ يبرز بهذا الصدد أن “الإخلال بالحياء العلني في الفكر القانوني حاليا يقتصر على صور بسيطة، بينما أفرزت السوشيال ميديا أشكالا من الجريمة الرقمية المعقدة وكذلك الأمر بالنسبة للتحرش الإلكتروني”، لافتا إلى أن “المشرع الآن لا يعاقب على إيذاء النفس من قبيل الواقعة مثار الجدل”.

وأكد ألمو أن “منهج مدونة الجرائم الأخلاقية يجب أن يتم وفق منهج دراسي يراعي كافة الأشكال والمسلكيات المنافية للقيم والتنبؤ بما هو قادم، لأن المصلحة العامة تقتضي إيقاف هذا النزيف”، مستدركا “هذا ليس دعاية للحد من حرية التعبير، وإنما حماية للمجتمع من كل ما هو هادم وغير أخلاقي”.

وأشار إلى أن المشرع “لا يعاقب ناشر وسائط رقمية تسيء للناشئة وتعطي قدوة سيئة لهم”، لافتا إلى أن “الملاحظ أن الأطفال معرضون أكثر للاستيلاب والتعامل السلبي مع هذه التكنولوجيا الجديدة، والتي لا تخلو من إيجابيات، لكن وجود المحتوى الجارف يسيطر على المشهد للأسف”.

وأوصى المحامي بضرورة توسيع دائرة التجريم حيال “كل ما يشيد بسلوكات مشينة، ولكل من ساهم أو نشر المحتويات المشينة، كما هو الحال بالنسبة لجرائم الإرهاب”.

وطالب المتحدث ذاته بضرورة تدخل المشرع لضمان الأمن الأخلاقي والقيمي للمجتمع المغربي في ظل الوضع الحالي، من خلال الحرص على سلاسة التكييف القانوني انسجاما وطبيعة الجرائم المرتكبة في وسائل التواصل الاجتماعي بكافة أشكالها.

وبخصوص الحلول التي يراها مناسبة للحد من هذه الظاهرة، أكد محمد ألمو أنه “يمكن أن نتحدث عن حظر بعض المنصات أو حتى التوقيف المؤقت كحل جذري لها، ولما لا وضع دفتر تحملات مع الشركات الحاضنة لهذه المواقع التي تستخدم لنشر هذا المحتوى”.

ودعا ألمو في ختام تصريح لجريدة “مدار21” إلى ضرورة تدخل تشريعي عاجل لحماية القيم المجتمعية المغربية ومتابعة الخارجين عنها بمطرقة القانون الجنائي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News