هل تنجح المقاربة القانونية في تقليص شغب الملاعب المتزايد؟

يبدو أن شغب الملاعب ما زال يحاصر الحكومة أمام التزايد المستمر لأعمال العنف داخل وخارج الملاعب الرياضية، كانت آخرها أحداث العنف التي شهدتها منطقة البرنوصي بالدار البيضاء نتيجة صراع فصائل “الإلتراس” والتي استدعت تدخلا أمنيا واسعا للسلطات الأمنية، أسفر عن إيقاف العديد من المتورطين غالبيتهم من القاصرين.
وصادق مجلس الحكومة، يوم الخميس 1 فبراير الجاري، على مشروع المرسوم رقم 2.23.155 الذي يتعلق بإحداث لجان محلية لمكافحة العنف بالملاعب الرياضية، قدمه وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى.
هذا المشروع، حسب الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، يندرج في إطار تفعيل أحكام الفصل 19-308 من القانون رقم 09.09 المتعلق بتتميم مجموعة القانون الجنائي، الذي ينص على أن يعهد إلى السلطة الحكومية المكلفة بالرياضة والجامعات والأندية الرياضية واللجنة المحلية لمكافحة العنف بالملاعب الرياضية المحدثة بنص خاص والسلطات والقوات العمومية وضباط الشرطة القضائية-كل في ما يخصه- بتنفيذ المقررات الصادرة عن المحكمة بالمنع من حضور المباريات أو التظاهرات الرياضية.
كما يهدف إلى ضمان التنسيق بين مختلف الفاعلين في مجال مكافحة العنف بالملاعب الرياضية على المستوى الترابي؛ وتحديد تركيبة اللجنة المحلية لمكافحة العنف بالملاعب الرياضية، التي تضم الممثلين الإقليميين للسلطات الحكومية المعنية والجهات المتدخلة في عملية مكافحة العنف بالملاعب الرياضية؛ مع التنصيص على الاختصاصات المسندة للجنة المذكورة.
ويتضمن مقتضيات تحدد كيفيات عقد اجتماعات اللجنة المحلية وسير أشغالها واتخاذ قراراتها؛ مع إسناد كتابة اللجنة المحلية إلى السلطة الحكومية المكلفة بالرياضة، وتحديد المهام التي ستتولى القيام بها.
المصادقة على مشروع مرسوم يقضي بإحداث لجان لمكافحة الشغب والعنف بالملاعب الرياضية، تقودنا إلى إعادة طرح التساؤل حول ما مدى نجاعة المقاربة القانونية والقضائية في التعامل مع حالات الشغب والعنف الذي يحدث داخل وخارج الملاعب الرياضية.
خالد الدان، محامي بهيئة الدارالبيضاء، أوضح في هذا السياق أن العقوبات المتخدة في جرائم شغب الملاعب تُكيّف على أساس مدى تلاؤمها وخطورة الفعل المرتكب، مشيرا إلى أن العقوبات تبقى رادعة من جهة، ومشددة من جهة ثانية.
وأكد في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن الساحة القانونية في المجال الرياضي تعيش فراغا قانونيا، موضحا أن فرض العقوبات الرياضية أصبح يعتمد على تطبيق مقتضيات المادة 507 من القانون الجنائي، والتي تعاقب بالأساس على السرقة الموصوفة، إذ يتم اللجوء إلى مقتضيات هذه المادة، في الحالات التي لا تسعف تطبيق مقتضيات القانون رقم 09/09 الذي يعاقب على الشغب داخل الملاعب.
وشدد المتحدث ذاته على أنه في ظل غياب قانون خاص يعاقب على الشغب خارج الملاعب، يتم تطبيق مقتضيات القانون الجنائي الذي هو قانون عام، وذلك من أجل تكييف أعمال العنف التي تبقى العقوبات مشددة فيها نظرا لخطورة الفعل المرتكب.
من جانب آخر، وبخصوص المقاربة الرياضية للشغب، وما كانت عليه سابقا مقارنة بما أصبحت عليه اليوم، قال رشيد الحمداوي، عضو سابق لعصبة الشرق لكرة القدم، أنها تغيرت، “فسابقا كانت الملاعب تشهد ارتيادا واسعا من طرف العائلات والأطفال في العديد من المقابلات القديمة، خاصة منها مرحلة الثمانينات، والتي كانت تعطي حسبه انطباعا جيدا على نوع السلوكيات في ذلك الوقت”.
وقارن في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، ذلك بالوضع الحالي الذي آلت إليه المباريات الرياضية، من فوضى وعنف وحيازة الشهب النارية، إضافة إلى السهولة في التعاطي للمخدرات والكحوليات، الشيء الذي يجعل من الصعب سد كل الثغرات التي يعاني منها القطاع الرياضي حسبه.
وأضاف الدكتور في الحقوق أن المقاربة القانونية تغيرت في ظل تغير الظروف، وذلك أن القواعد القانونية تصلح لزمن ومكان معين، وقابلة للتطور مع تطور الأحداث والوقائع.
وأوضح في نفس السياق أن القضاء يلجأ إلى تطبيق القواعد القانونية المتعلقة بالعنف منها قانون شغب الملاعب 09.00، معتبرا أنها جاءت لتتميم مقتضيات القانون الجنائي بالقانون المذكور، لمنح الاهتمام بالجرائم الرياضية والأفعال الناجمة عنها.
وشدد الحقوقي، أن تدخل الاجتهاد القضائي في مجال عنف الملاعب يكون “ضيقا” و”محدودا”خاصة عندما يتعلق الأمر بجناية، مقارنة مع النيابة العامة التي لها صلاحيات واسعة في النشاط الرياضي، إذ تحاول التوسع في هذه الصلاحيات عبر إخلاء سراح الأشخاص الذين يقدمون لوكيل الملك خاصة منهم القاصرين والتلاميذ، مردفا: “متابعة هؤولاء القاصرين جنائيا يترتب عنه تبعات اجتماعية وكوارث أسرية”.
وبخصوص عقوبات القانون الجنائي في مجال كرة القدم، قال الحمداوي إن “القانون يطبق بصفة عامة على الفعل الجرمي، ولا يهمه أين وقع”، وأضاف أن مواكبة المشرع المغربي لعنف الملاعب عبر التشديد في العقوبات لن يمحي الشغب عن الوجود بصفة نهائية، نظرا لاستمراريته في صفوف الشباب في الآونة الأخيرة.
وخلص إلى أن العنف في كرة القدم يستمد أولا من العنف داخل المباريات، قائلا: “إن الكلمات المستعملة في المباريات من قبيل؛ “الخصم، تصدي، هجوم، دفاع، ضربة مقصية، محاولة خطيرة، ضربات جزاء ضائعة، القوة الهجومي للاعب… جلها مصطلحات قاسية”، وتابع “هذه الرياضة هي حرب بدون سلاح في مدة معينة”.
وتجدر الإشارة إلى أنه بسبب عنف “الإلتراس”، عاشت ساكنة حي البرنوصي، بالدار البيضاء، الأشهر الماضية، حالة من الرعب والهلع، بسبب اشتباكات أعضاء الإلتراس، هذه الأخيرة جعلت المديرية العامة للأمن الوطني تصدر بلاغها من أجل استتباب الأمن وتطويق المكان، بتعزيزات من عناصر فرقة مكافحة العصابات، لعدم انتشار أعمال الشغب إلى أحياء أخرى.
وتدخلت دورية للشرطة حسب بلاغ سابق لمديرية الأمن الوطني، لمنع اصطدام عنيف بين مجموعتين متنافستين من فصائل إلترات المشجعين بالمنطقة، وهو الأمر الذي اضطر معه ضابط أمن لاستعمال سلاحه الوظيفي وإطلاق عدة عيارات نارية مكنت من إعادة فرض النظام بعين المكان.
وقد مكن هذا الاستعمال الاضطراري للسلاح الوظيفي من تحييد الخطر الناتج عن المشتبه فيهم وتوقيف تسعة من بينهم، كما أسفر عن إصابة اثنين من المشتبه فيهم ومقدم شرطة من عناصر الدورية بشظايا عيارات نارية على مستوى أطرافهما العليا.