بورتريه

كوثر حفيظي.. فيزيائية مغربية تحدت الصّعاب ببلاد ستيفن هوكينغ

كوثر حفيظي.. فيزيائية مغربية تحدت الصّعاب ببلاد ستيفن هوكينغ

ذاع صيت كوثر حفيظي في المغرب، ونالت تقديرا واسعا، فهي بالإضافة إلى نبوغها، ومكانتها العلمية، قدمت صورة مشرفة للمرأة المغربية، التي تستطيع أن تقتحم جميع المجالات، وتتغلب على واقعها في سبيل بلوغ أحلامها، كما رفعت اسم بلدها عاليا وأثبتت أن المغرب بلد معطاء على صعيد الكفاءات العالية.

جرأة مكتسبة

ولدت عام 1972، ونالت شهادة البكالوريا بثانوية مولاي يوسف بالرباط 1990، شعبة الرياضيات والفيزياء، ثم تابعت دراستها في الخارج، حيث ذهبت إلى فرنسا في عام 1995 وحصلت على الدكتوراه في عام 1999 من جامعة باريس الجنوبية في مجال الطاقة الذرية.

تقول كوثر في إحدى حواراتها الصحفية: “كان حلمي بعد نيلي للبكالوريا أن أصبح عالمة في الرياضيات، والوسيلة الوحيدة بالنسبة لي أن أدرس في كلية العلوم بالرباط، وأردت أن ألحق حلمي.”

تخصصت كوثر في مجال ما تحت الذرة، وهو مجال دقيق جدا وغير متاح للجميع، وبه اكتست طابع التفرد. تحكي العالمة عن تفاصيل تخصصا بقولها: “اشتغلت لسنوات في محاولة فهم الكوارك (quark)، والغلوون (gluon)، اللذان يعدان أصغر العناصر الذرية التي تعطي البروتون (proton)، والنوترون (neutron)، والنوى (nuclei)، والذرة (atom) وكل الجزئيات التي تُرى في الكون، كما قمتُ بقيادة تجارب تحاول فهم التفاعل بين الكوارك والغلوون، وهو أقوى تفاعل يربط بإحكام القوة النووية”.

أواخر عام 1999 نالت شهادة الدكتوراه، وقررت الذهاب إلى الولايات المتحدة وانضمت إلى المختبر الأمريكي للبحث والتطوير، وبعد ثلاث سنوات، شغلت منصب عالمة فيزياء مساعدة، قبل أن تحصل في عام 2006 على درجة فيزيائية، كذلك عملت في وزارة الطاقة في جيرمان تاون بولاية مريلاند في عامي 2013 و2004.

وأصبحت في يناير 2017 أول امرأة مديرة لقسم الفيزياء في مختبر “أرغون” الوطني، وهو أول مختبر وطني في الولايات المتحدة الأمريكية؛ تقول كوثر: “أخذت هذه المسؤولية لأنني مؤمنة أن الاستثمار في الناس هو أحسن وأكبر شيء للنجاح، لذا يجب أن نهتم بالإنسان لأنه أكبر كنز لأية مؤسسة”.

إثبات الذات

انفصل والداها وهي في سن مبكرة، عاشت مع جدتها لأبيها بعد أن نال والدها حضانتها، تقول كوثر حفيظي في تصريح سابق: “والدي كان حزينا عندما ولدت لأنه أراد أن يكون له ولد، حاولت أن أكون الولد له وأثبت له أن البنت قد تكون أحسن من الولد، وبت ألعب مع الأولاد، لكنه ساندني بطريقة مهمة، وشجعني على الدراسة.”

عانت كوثر من نظرة المجتمع إلى الأنثى، في وسط ذكوري يفضل الولد على البنت، بحكم العادة والتقليد، ولكنها استطاعت أن تتمرد على هذا القيد، وتثبت حضورها منذ الصغر، أي منذ أن لعبت مع الأطفال الذكور إلى ما وصلت إليه الآن من ريادة، وعلو قدم في المجال الفيزيائي.

تقول بهذا الصدد في تصريح صحفي: “صعب أن تكبر كفتاة في بلد عربي على اعتبار أنها محاطة بالكثير من القيود، لكن عماتي لهن شخصية قوية، وجريئات وتأثرت بهن”.

وتحمل كوثر على عاتقها مسؤولية توجيه الشابات والشباب، وتقديم يد المساعدة، واحتواء طلاب العلم ومدهم بخبراتها وتجاربها للوصول إلى ما يبتغيه كل طالب علم مجتهد، إذ تقول “من بين المسائل هي أنني أنا قبل كل شيء امرأة وعالمة فيزيائية، والنساء في العلم أقلية، وكنت في قسم الفيزياء في مختبر “أرغون” المرأة الوحيدة العاملة لمدة 15 سنة، وأصبحت أول امرأة مديرة لقسم الفيزياء في السبعين سنة الماضية، وأصغرهن سنا، وكعالمة أقوم بواجبي بأن أكون قدوة للفتيات في جميع مراحلهم الدراسية الأولى لتحقيق ذواتهن في العلم.”

ورغم حداثة سنها لكنها كانت تسأل دوما عن أسرار الكون، وكان يدفعها الفضول لسبر أغواره، إذ كانت تسأل والدها باستمرار عن الله، وكان يجيبها أنه عليها الدراسة والاجتهاد لتتمكن من معرفة الإجابة، فتقول كوثر: “أنا معجبة بالكون، وأتساءل من أين أتينا ولماذا تسير الأمور على هذا المنوال، وبالتالي فالعلوم، وبالخصوص الفيزياء النووية، قريبة جدا من الكون، فكلما درستَ ما خلقه الله، كلما اكتشفتَ كم هو عظيم هذا الإله، لذلك فأجمل ما يمكن أن تقوم به، وهو ما يعدّ كذلك نوعا من العبادة، هو البحث العلمي في ما خلقه الله، مستشهدة بآية قرآنية: إنما يخشى الله من عباده العلماء”.

مغادرة المغرب

في 8 يوليوز 1999 ألقى الملك الحسن الثاني خطاب الشباب وجاء فيه: “كيف يمكننا أن نشغل نحن في المغرب شخصا حائزا على شهادة الفيزياء النووية، فبصراحة هذه علوم تقتضي في الواقع من المربين والمدرسين والموجهين أن يحاولوا إبعاد أكثر ما يمكن من الناس عنها، لأنه لن يجدوا مكانا للشغل.”

وقعت هذه الكلمات الصادمة على عقل هذه العالمة وقوع الصاعقة، وهي ترى أن حلمها فيما تطمح إلية بأن تصبح عالمة فيزيائية بعيد المنال في وطنها المغرب، لذا شدت الرحال إلى الديار الأمريكية لتحقيق حلمها الذي عاشت ودرست من أجله.

لكوثر حفيظي إسهامات شخصية عديدة منها قيامها بتطوير مجالات جديدة لدراسة الذرة، وقامت بمجالات بحثية جديدة في المختبر الذي تديره، ومن أهمّها إنتاج النظائر الطبية التي تساعد في علاج السرطان تستعمل فيها تقنيات مسرع الفيزياء، والفيزياء النووية، والكيمياء الإشعاعية.

إن طموحات كوثر حفيظي في الوصول إلى القمة، تدفعها قوى داخلية من حيث العزيمة والإصرار وهمة المكافح في الليل والنهار، درسا وتعلما، هو ما دفعها إلى أن تقول: “شريعتي في الحياة أن الإنسان يجب أن يحدد حلمه، ويراه بعينيه، ويتابعه ليحققه، فالحياة مليئة بالصعوبات، والإنسان تُعرف قيمته بعدد الصعوبات التي يتخطاها”.

كوثر هي اليوم مديرة قسم الفيزياء بمختبر “أرغون” الوطني في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أول امرأة من شمال إفريقيا تصل إلى هذا المنصب.

تعليقات الزوار ( 1 )

  1. مقالة رااااائعة هكذا تكون المقالات وإلا فلا لقد اعطيتموها حقها فهي فخر المغرب والعرب فخر افريقيا ….
    شكرا لكم انرتم الرصيد بمعلوماتكم هاته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News