سياسة

“مدونة للأخلاقيات”.. الملك يطوق عُنق ممثلي الأمة لتحصين البرلمان من الفساد

“مدونة للأخلاقيات”.. الملك يطوق عُنق ممثلي الأمة لتحصين البرلمان من الفساد

تشكل الدعوة الملكية إلى إقرار مدونة للأخلاقيات البرلمانية تطويقا لعنق ممثلي الأمة في تحصين المؤسسة التشريعية من الفساد، وهي الدعوة التي تأتي تزامنا مع متابعة برلمانيين أمام القضاء بتهم فساد، في وقت جرى فيه تجريد عدد غير يسير منهم من عضوية البرلمان بعد إدانتهم بأحكام قضائية إثر تورطهم في قضايا تبديد واختلاس أموال عمومية.

ودعا الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس البرلمان المغربي، إلى إقرار مدونة للأخلاقيات للمؤسسة التشريعية بمجلسيها تكون ذات طابع قانوني ملزم وتحقيق الانسجام بين ممارسة الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية، مطالبا بالعمل على الرفع من جودة النخب البرلمانية والمنتخبة وتعزيز ولوج النساء والشباب بشكل أكبر إلى المؤسسة التمثيلية.

جرعة قانونية

عبد الحافظ ادمينو، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، أكد أن الملك محمد السادس أعطى جرعة أخرى لتوجيه البرلمان إلى اعتماد مدونة للسلوك ترقى إلى درجة قانون، بمعنى أن تكتسب القوة القانونية التي يمكن من خلالها اتخاذ العقوبات التأديبية في حق النواب باستحضار المقتضيات القانونية سواء ما يتعلق بمنظومة القانون الجنائي أو المسطرة الجنائية.

ويرى ادمينو، في تصريح لـ”مدار21″، أن فضاء تخليق المسؤوليات الانتدابية، خاصة التمثيلية، هي مداخل مهمة لتقوية الثقة في المؤسسات، حيث ربط الملك محمد السادس إقرار مدونة الأخلاقيات بالمصداقية والثقة في المؤسسات، معتبرا أن هذه المدونة يمكن أن تساهم حتى في عملية تجديد النخب لفتح الإمكانية أمام نخب جديدة شبابا ونساء للولوج إلى المسؤوليات الانتدابية.

وسجل الأستاذ الجامعي أن إعادة الثقة في العمل البرلماني مرتبطة بهذا المسار كله، خاصة ما يتعلق بأدوار الأحزاب السياسية وتخليق العملية الانتخابية ووضع ضوابط لعدم الخلط ما بين المسؤوليات السياسية والمهام الشخصية التي يمكن أن يضطلع بها أي مرشح لولوج المؤسسة التشريعية.

وشدد الملك محمد السادس على الدور الحاسم الذي ينبغي أن يضطلع به البرلمان في نشر قيم الديمقراطية وترسيخ دولة القانون وتكريس ثقافة المشاركة والحوار وتعزيز الثقة في المؤسسات المنتخبة، معتبرا أن هذه رهانات “ينبغي العمل على كسبها خاصة في سياق ما ينجزه المغرب من أوراش إصلاحية كبرى ومشاريع مهيكلة سيكون لها بالغ الآثر لا محالة في تحقيق ما نتطلع إليه من مزيد التقدم والرخاء لشعبنا العزيز”.

عبد الله بووانو، رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، أكد أن الرسالة الملكية تحدثت عن خمسة تحديات تواجه العمل البرلماني، يتعلق الأول منها بجعل المصلحة العليا للوطن والمواطنين فوق الاعتبارات الحزبية، لاسيما أن “هناك حالات كثيرة يتم فيها الدفاع باستماتة عن الحزب، ونحن في مؤسسة برلمانية تتطلب الترافع عن قضايا المواطنين من خلال الآليات الرقابية والتشريعية المتاحة للمثلي الأمة”.

وأضاف بووانو، ضمن تصريح لـ”مدار21″، أن الجانب الثاني الذي تحدث عنه الملك هو المتعلق بالتخليق وكأن الملك يتابع النقاشات الجارية داخل البرلمان بمناسبة تعديل النظام الداخلي من خلال دعوته إلى إقرار مدونة للأخلاقيات البرلمانية على شكل قانون ملزم لمجلسي البرلمان، مشيرا إلى أن مجلس النواب كان قد وضع مدونة للسلوك في سنة 2013، لكن اليوم بهذا الخطاب وبعد هذه الرسالة الملكية يتعين على البرلمان أن يعتمد قانونا خاصا بمدونة السلوك والأخلاقيات.

وسجل البرلماني ذاته أن الملك تحدث في ارتباط بقضية التخليق عن النخب السياسية والمنتخبة التي دعا إلى تطويرها، خاصة أن النقاش السياسي الموجود في البرلمان الحالي محدود و”على قدّ الحال” وأن النقاش السياسي بالبرلمان اندحر إلى الوراء بفعل عدة عوامل من ضمنها هيمنة الحكومة على البرلمان، لافتا في السياق ذاته إلى دعوة الملك إلى تحقيق الانسجام بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية لتحقيق مزيد من الانفتاح على المجتمع من خلال ملتماسات العرائض والتشريع.

تحصين البرلمان

نبيلة منيب، البرلمانية عن الحزب الاشتراكي الموحد، قالت في تصريح مماثل إن البرلمان المغربي من المفروض فيه أن يكون مؤسسة مهمة تلعب دورا في إطار البناء الديمقراطي، مضيفة “نحن في أمس الحاجة إلى تخليق الحياة السياسية في بلادنا عموما وداخل البرلمان بشكل خاص، وذلك نتاجا لهذا المشهد السياسي البئيس”.

ونبهت منيب إلى أن الانتخابات في المغرب “غير مضبوطة بما يجعلها تترجم الإرادة الشعبية الحقيقية، وهو ما يستدعي ضرورة مراجعة القوانين الانتخابية من أجل ضمان إفراز مرشحين نزهاء وشرفاء ولا تحوم حولهم أي شبهات فساد، ويدركون جيدا أن الانخراط في السياسة هو لخدمة الناس وليس للدفاع عن المصالح الشخصية والحزبية”.

وشددت الأمينة السابقة لحزب الاشتراكي الموحد على ضرورة مراجعة قانون الأحزاب في اتجاه تشكيل مجالس منتخبة في المستوى الذي يعبر بالفعل عن المشهد السياسي وعن الإرادة الشعبية، معتبرة أنه في “غياب هذه الضمانات لم تعد السياسية رديفة للشرف والأخلاق بل تحولت إلى حقل للفساد والريع”.

وترى منيب أن ما يُعاب على مؤسسة البرلمان، التي يتعين عليها أن تكون عمودا فقريا في البناء الديمقراطي ووضع المغرب على سكة دولة الحق والقانون، هو أنها قبلت بولوج عدد من الأشخاص المتابعين أمام القضاء بملفات فساد وتبديد أموال عمومية، فضلا عن ترشيح متورطين في قضايا فساد لتولي مهام المسؤولية داخل المؤسسة التشريعية.

وسجلت أن المفروض أن يدافع البرلمان عن قضايا الوطن والمواطنين وتطلعاتهم وأن يحمي السيادة الوطنية وأن يقدم تصورا واضحا لتحيقيق التنمية وتقليص الفوراق وبناء مجتمع العدالة بمفهومها الشامل، مشددا على ضرورة اعتماد الإصلاحات القانونية والسياسية لتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة وإصلاح نظام العدالة من أجل منع المتورطين في جرائم اقتصادية أو اجتماعية من ولوج البرلمان.

ونبهت منيب إلى أن مؤسسة البرلمان تعج اليوم بأشخاص فاسدين ويسعون إلى تسخير مؤسسات الدولة لقضاء مآربهم الشخصية والاختباء داخلها للإفلات من المحاسبة والعقاب معربة عن الأمل في ألا تكون حملة متابعة برلمانيين في قضايا فساد بمناسبة تحريك ملف “إسكوبار الصحراء” مجرد مبادرة معزولة وأن تكون بداية لتخطيط استراتيجي لمحاربة الفساد وتجفيف منابعه.

 “التطبيع مع الفساد”

العياشي الفرفار، عضو الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب، سجل أن الرسالة الملكية الموجهة اليوم إلى البرلمان المغربي بغرفيته، بمناسبة الذكرى الستين لتأسيسه، تضمنت مجموعة من التوجيهات الرسائل المهمة والبالغة الآثر، منها تخليق الحياة البرلمانية والدعوة إلى إقرار مدونة لأخلاقيات العمل التشريعي.

وأبرز الفرفار، في تصريح لـ”مدار21″، أنها دعودة تكتسي أهميتها من كونها ترمي إلى ترسيخ القيم الأخلاقية والسياسية داخل البرلمان وجعل المصلحة الوطنية فوق أي اعتبار شخصي أو حزبي أو انتخابي، من خلال ترسيخ مدونة للأخلاقيات تكون ذات طابع قانون وملزم.

واعتبر البرلماني الاستقلالي أن الدعوة الملكية لإقرار مدونة للأخلاقيات تأتي لتحذر من التطبيع مع الفساد داخل البرلمان ومع الشبهات، وأن يلج المؤسسة التشريعية من يستحق من خلال ترسيخ منطق الكفاءة والاستحقاق والنزاهة ومن ينتصر لقضايا الوطن وليس لحسابات حزبية ضيقة.

من جانبه، قال محمد ملال، عضو الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية، إن الملك محمد السادس ما فتئ يدعو إلى تجويد العمل البرلماني وتخليقه وجعله في مستوى تطلعات الشعب المغربي، معتبرا أن الدعوة الملكية إلى إقرار مدونة للأخلاقيات هي رسالة تأكيدية على المبادرات الملكية في هذا الاتجاه، من خلال التركيز على إبراز أهمية المؤسسة التشريعية والتمثيلية والأخلاقية، لأن ممثلي الأمة يتعين أن تتوفر فيهم مجموعة من شروط  الكفاءة والجدية للقيام بمهامهم على أكمل وجه.

وسجل ملال في تصريح لـ”مدار21″ أن هذه الدعوة الملكية جاءت في وقتها لأنها هناك مجموعة من الظواهر التي باتت تسيء إلى سمعة المؤسسة البرلمانية، هذا توجيه ملكي نثمنه ولا يسعنا إلا أن ننخرط في هذا التوجه لتخليق العمل البرلماني وتحصين المؤسسة التشريعية من الفساد.

وأكد البرلماني الاتحادي أن الأحزاب السياسية مطالبة بالتقاط الرسالة الملكية من أجل العمل على تجويد واختيار النخب التي تستحق الولوج إلى المؤسسة التشريعية، رغم الإكراهات التي تواجهها الأحزاب في هذا الإطار، خاصة ما يتعلق بمعيقات ولوج الشباب والنساء إلى المؤسسات المنتخبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News