بورتريه

نوال المتوكل.. كاتبة تاريخ جديد للرياضة المغربية والعربية

نوال المتوكل.. كاتبة تاريخ جديد للرياضة المغربية والعربية

لم يكن الحدث عابرا، فتاة مغربية تنتزع الفوز من بين مئات المشاركات، وعلى أرض غريبة، حملت العلم المغربي خفاقا أمام مرأى ومسمع كل الأوساط الإعلامية الدولية، لم يكن هدفها المشاركة فقط، بل كانت مصمّمة على الفوز، وبهذا الإصرار تمكنت من نيل مرامها، وتكريما لها أصدر الملك حسن الثاني آنذاك قرارا رسميا بأن تسمى كل مولودة في ذلك باسم نوال علّها تُصبح يوما بطلة تكتب اسم بلادها بماء من ذهب.

انطلاقة أمريكية

ولدت نوال المتوكل في 15 أبريل 1962 بالدار البيضاء، كانت أسرتها الداعم الأول لمسيرتها الرياضية، ولم تعرف تمييزا بين أخوتها الشباب فنالت فرصة متساوية معهم بتشجيع من والدها الذي آمن بإمكانياتها.

وفي عام 1983، أثناء بطولة العالم لألعاب القوى بهلسنكي، فنلندا، كانت بداية الانطلاقة بالنسبة لها، إذ سنحت الفرصة بأن تتعرف نوال على زميلة إفريقية تدرس بجامعة ولاية آيوا الأمريكية، وأعربت عن حماسها وإعجابها بها، وأخبرت مدرب الفريق النسائي عنها، وعندما تأكدت جامعة ولاية آيوا من موهبة نوال في سباق الحواجز وافقت على قبولها بمنحة دراسية، لتسافر بعدها وتشق أولى طرق النجاح.

قاهرة الحواجز

هي من أولى الأساطير العربية رياضيا، سلكت طريقا جديدا للبطلات العربيات والإفريقيات، ليس للمشاركة أولمبيا فقط ولكن للفوز بالذهب ودخول التاريخ، إذ سجل التاريخ الأولمبي بأن النجمة المغربية نوال المتوكل هي أول امرأة عربية وإفريقية تحرز ميدالية ذهبية، وأول امرأة عربية تفوز بميدالية أولمبية على الإطلاق، كان ذلك في دورة الألعاب الأولمبية في لوس أنجلس عام 1984 عندما توفقت في السباق 400 متر حواجز الصعب بخطى واثقة، لتفتح المجال أمام المرأة العربية لدخول هذا المجال وسط تشجيع وحماس، فعبّدت الطريق في أقل من دقيقة نحو 14 ميدالية ملونة أولمبية فازت بها نساء عربيات سلكن درب التفوق في دورات ما بعد دورة لوس أنجلس الأولمبية، فأمست نوال قدوة في زمن كان القدوة فيه رجل وليس امرأة.

ورغم قصر قامتها في مقابل نساء من مختلف القارات الخمس تفوقت على نفسها، وتميزت في تخصصها، إذ فازت بذهبية السباق مرتين في دورة ألعاب المتوسط، وكذلك بمركز أول في دورة الألعاب الإفريقية عام 1983.

تقول نوال المتوكل في إحدى لقاءاتها الصحفية: “400 متر حواجز كان سباقا مفتوحا للرجال فقط، ولم يكن للعنصر النسائي الحظ ولا الحق في أن يمارسن سباق 400 متر حواجز، لأن العقلية وقتها كانت ترى أن مكان المرأة ليس في الملعب، أو بالأحرى في سباقات كانت موضع حصار من قبل الرجال.”

كثرت نشاطات نوال المتوكل بعد اعتزالها مضامير ألعاب القوى، ففي عام 1993 كانت لها بصمة كبيرة في تأسيس السباق السنوي للدار البيضاء، إذ بلغت المشاركة فيه إلى رقم غير مسبوق، قدر بحوالي 30.000 ألف مشاركة، ليصبح فيما بعد من أكبر الأحداث الرياضية النسائية، وله باع طويل في جميع أنحاء العالم.

بعد فوزها عام 1984، آثرت نوال مواصلة دراستها الجامعية لمدة أربع سنوات، فازت خلالها بعدة سباقات رياضية وبطولات دولية من أبرزها فوزها بذهبية دورة الألعاب الإفريقية مرتين في عام 1984 وعام 1985، وذهبية دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط في عام 1983 وعام 1987.

وحصلت في العام 1988 على درجة البكالوريوس في التربية الرياضية من جامعة ولاية آيوا، نجاحها في عالم الرياضة سيؤهلها لولوج عالم السياسة، وذلك بمشاركتها في المناصب السياسية والمؤسسات الدولية خدمة للرياضة والمرأة في المغرب.

عاد نوال إلى بلدها الأم في عام 1989، لتتقلد منصب مفتشة بوزارة الشباب والرياضة، وقدَّر المغرب بصماتها الطيبة فتولت منصب وزيرة الدولة في وزارة الشباب والرياضة في عام 1997، كما أسست سنة 2002 المنظمة غير الحكومية والتي تعرف باسم الجمعية المغربية للرياضة والتنمية.

وعلى الصعيد الدولي، انضمت نوال لعضوية الاتحاد الدولي لألعاب القوى “IAAF” في عام 1995. ثم انضمَّت في عام 1998 لعضوية اللجنة الأولمبية الدولية “CIO” وتدرجت في المناصب المهمة باللجنة التنفيذية إلى أن وصلت لدرجة نائب رئيس اللجنة في عام 2012. كما وقع الاختيار عليها لتكون سفيرة للنوايا الحسنة لمنظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة “اليونيسيف” في عام 1999، وللأهداف الإنمائية للألفية التابعة للأمم المتحدة سنة 2011.

وبناء على ما أحرزته رياضيا وسياسيا جرى تصنيفها ضمن أكثر 50 شخصية مؤثرة في العالم، طبقا لمجلة “Young Africa Magazine”.

في عام 2015، منحها الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، وسام الشرف باعتبارها شخصية مغربية وإفريقية مؤثرة، وبعدها بسنة أشرفت على الأعمال التحضيرية لدورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في ريو دي جانيرو بالبرازيل، كما شاركت في لجنة تقييم ملفات احتضان دورة الألعاب الأولمبية لعام 2024، التي وقع الاختيار فيها على باريس.

مفاجأة عالمية

في أولمبياد لوس أنجلس عام 1984 لم تضم البعثة المغربية سوى امرأة واحدة، وهذه المرأة الوحيدة حققت الفوز، وكانت أفضل ممثل عن بلدها.

جاء في خطاب الملك الراحل، الحسن الثاني، في إحدى المناسبات: “لأول مرة في الألعاب الأولمبية الراية المغربية ظهرت مع عويطة ونوال، وأصبح الناس يعرف المغرب من خلال نوال وعويطة عوضا عن ملكهم.”

تقول نوال المتوكل في هذا السياق: “وأنا في وسط المضمار في لوس أنجلس، تلقيت هاتفا من الملك الحسن الثاني لتهنئتي، وقال لي بأن دولة المغرب في غاية السعادة والفخر بإنجازي، لم أصدق وقتها أنهم شاهدوني لأن الساعة كانت متأخرة بالمغرب وقت نقل السباق.”

فاجأت نوال العالم وهي التي ترى في سباق الحواجز مسار الحياة المليء بالعقبات، فكل حاجز جديد هو عقبة أخرى تحول دون النجاح، لكن بمجرد تجاوزه، تحط قدماها في أولى خطوات التميز.

وعند وقوف العداءات خلف خط الانطلاق في السباق النهائي، لم تكن الأنظار متجهة نحو الفتاة المغربية، بل كانت الأصوات تهتف باسم الأمريكية جودي براون، ومما زاد في التوتر عندما أعلن الحكام انطلاقة خاطئة، اعتقدت منذ الوهلة الأولى أنها هي المتسببة فيها، ولكن استقر تركيزها بعدئذ، ثم انطلقت كالسهم.

تقول نوال المتوكل في تصريح صحفي: “قلت في نفسي، أين العداءات الأخريات، لماذا أجري وحدي، لكن الواقع أنني كنت متقدمة عنهن كثيرا، وبدأت أنظر خلفي قبل بلوغ خط النهاية، لأتأكد من أنني لا أركض لوحدي من البداية إلى النهاية، ولكن وجدتهن خلفي”.

لم يؤثر تخفيف السرعة في الأمتار الأخيرة على تفوق نوال التي حطمت رقمها الشخصي بدقيقة أقل إذ بلغ 54.61 ثانية متفوقة على الأمريكية جودي بروان بوقت 55.20 ثانية.

جسدت نوال أول ملحمة نسائية عربية أولمبية، تفوقت في زمن يصعب فيه مشاركة النساء، فأحدثت النقلة وأصبحت بطلة بالجملة، بطلة، نائبة رئيس، وزيرة وأم، كلها صفات جعلت منها مثالا للمرأة المغربية والتي يأمل الجميع أن تتكرر في أوطاننا العربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News