المختلون عقليا يكتسحون شوارع البيضاء في ظل غياب الرعاية الاجتماعية

في الوقت الذي يسعى فيه المغرب إلى تكثيف مجهوداته لتنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2030، لازالت بعض التحديات ترخي بظلالها على العديد من مدن المملكة، خاصة فيما يتعلق بالمساس بأمن وسلامة المواطنين.
الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية، باتت تشهد في الآونة الأخيرة انتشارا واسعا لـ”المختلين عقليا” الأمر الذي يعده البعض مسيئا إلى المدينة ومن شأنه التأثير على المنظر العام للمدينة التي يقبل عليها السياح.
وفي هذا السياق، قال هشام معروف، دكتور مختص في السياسات الاجتماعية، إن بعض المدن الكبرى باتت تشهد نقصا في عدد المصحات التي تهتم بالمرضى المختلين عقليا.
وبخصوص أسباب انتشار هؤولاء الأشخاص، يضيف المتحدث ذاته أن الوحدات الأمنية تعمل على التقاط هذه الفئة من الشارع وإيداعها بالمصحات النفسية لمدة مؤقتة، بينما يتم طرد البعض في حالة ما إذا تجاوز الأمر الطاقة الاستيعابية لمراكز الإيواء التي تبقى “محدودة” بحسبه، مردفا: “في بعض الأحيان لا يتعرف هؤولاء على مقر سكناهم، ليتم إرجاعهم إلى مدن أخرى”.
واسترسل معروف في تصريحه لجريدة “مدار 21”: “ليست لدينا مستشفيات خاصة لاستقبال “المختلين عقليا” والمتشردين”، مشيرا إلى أن مراكز الإيواء تقتصر فقط على إعطاء بعض المهدئات والعلاجات الاستعجالية وليس الإيواء ليتم إرجاع هؤولاء إلى ذويهم أو إلى الشارع مرة أخرى.
أدوار مراكز الإيواء “محدودة”
وأوضح المتحدث نفسه، أن الأدوار التي تقوم بها مؤسسات محمد الخامس ومحمد السادس أو المراكز المدبرة من طرف مؤسسات التعاون الوطني تبقى جد “محدودة”، مبرزا أن مراكز الإيواء هذه تسير من طرف جمعيات المجتمع المدني وبالتالي فهي ليست مراكز إيواء تابعة للدولة، كما تدبر ماليا من طرف المحسنين.
وأضاف: “عندما نتحدث عن الجمعيات فإننا نتحدث عن إمكانيات جد محدودة ومساعدات مالية غالبيتها تقدم من طرف محسنين في التسيير المالي”.
الدولة تتحمل مسؤولية الحماية
قال المختص الاجتماعي، أن الدولة ملزمة بإخراج مشروع قانون لحماية المختلين، إذ من الضروري أن يتوفر المغرب على قانون يحمي “الشخص المختل عقليا” من نفسه ومن المجتمع، موضحا أنه “في بعض الأحيان يتم استغلال هؤولاء خاصة إذا كانوا نساء أو أطفالا مما يعجل بضرورة إخراج هذا المشروع إلى حيز الوجود قدر الإمكان”.
وأكد رئيس فضاء الحياة للتأهيل الاجتماعي بالرباط، على ضرورة قيام وزارة التضامن والأسرة بإعداد سياسة واضحة في هذا المجال، معتبرا أن الدولة لا تتوفر على سياسة مندمجة واستراتيجية واضحة لتأهيل وإدماج هؤولاء مقارنة بالدول الأخرى.
وشدد على ضرورة تقديم المساعدة “للمختلين عقليا”، إضافة إلى منحهم الحق في الحماية الاجتماعية والرعاية الصحية، وكذا المساعدة الخاصة للأشخاص المسنين المتخلى عنهم في هذه الظرفية التي تتسم بحالات البرد القارس.
وحمل المصرح ذاته الدولة والمجالس المنتخبة، مسؤولية إعداد مرافق وفضاءات خاصة لاستقبال هؤولاء الأشخاص، والاستعانة بالجمعيات من أجل التدبير والتسيير، والمحسنين من أجل التمويل، إلى جانب إلى وزارة الصحة التي تملك المساعدين الطبيين، وتفتقر لتخصصات أخرى كمساعدين متخصصين في الرعاية الاجتماعية الخاصة بالمتشردين والأشخاص المتخلي عنهم، وفق تعبيره.
ولفت إلى أن المغرب ليس له تخصصات تقنية وطبية، خاصة في مجال المساعدة المتعلقة بالمختلين للتعامل معهم، وبالتالي يتم الاعتماد على المساعدين الطبيين الذين يعتبرون غير كافيين حسب نفس المصدر.
الحكومة تسحب مشروع قانون “المختلين عقليا”
في ظل الانتشار الواسع لأعداد الأشخاص “المختلين عقليا” في مختلف مدن المملكة، أنهت حكومة أخنوش الأشهر الماضية حكاية مشروع القانون رقم 71.13، الذي يتعلق بمكافحة الاضطرابات العقلية وبحماية حقوق الأشخاص المصابين بها بعد سحبه من البرلمان بعدما ظل عالقا لأزيد من 7 سنوات.
وأعلن مجلس النواب، خلال أولى جلساته العامة بعد افتتاح الدورة الخريفية في وقت سابق، أن مكتب المجلس توصل بمراسلة من رئيس الحكومة عزيز أخنوش بشأن سحب مشروع القانون دون ذكر الأسباب.
ويتضمن مشروع القانون المذكور مجموعة من المقتضيات، حيث ينص على ضرورة حماية الحقوق الأساسية والحريات الفردية للأشخاص المصابين باضطرابات عقلية، محددا المبادئ العامة التي يجب أن يخضع لها التكفل بهؤلاء الأشخاص في مستشفيات المملكة.
ويؤكد مشروع القانون على ضرورة احترام الكرامة الإنسانية لهؤلاء الأشخاص، وحياتهم الخاصة وسرية المعلومات المتعلقة بهم، داعيا إلى أخذ الموافقة المسبقة والصريحة والحرة لهؤلاء الأشخاص على العلاج، أو إذا تعذر ذلك موافقة أحد أقاربهم.
كما يشدد المشروع على أن علاج هؤلاء الأشخاص يجب أن يكون في بيئة أقل تقييدا لتمتعهم بحقوقهم وحرياتهم الأساسية، مشيرا إلى ضرورة تحديد المؤسسات الصحية التي تعنى بالوقاية من الاضطرابات العقلية وبعلاج الأشخاص المصابين بها.
وبعدما دعا مشروع القانون إلى إعادة تأهيل وإدماج هؤلاء المرضى اجتماعيا، أكد على ضرورة التنصيص على وجوب توفر الفضاءات المذكورة على نظام داخلي، وعلى بنايات وتجهيزات وموارد بشرية ستصدر بشأنها نصوص تنظيمية.
سنة 2015.. نهاية حكاية “بويا عمر”
يذكر أنه في سنة 2015، أنهت حكومة بنكيران، حكاية “بويا عمر” للمختلين عقليا بضواحي قلعة السراغنة عبر إغلاقه، لكنها فشلت في سبع سنوات اللاحقة، في توفير مراكز بالعدد الكافي.
وفي السنة نفسها، أعلنت وزارة الصحة، التي كان الحسين الوردي وزيرا فيها، في بلاغ رسمي، عن انتهاء عملية “بويا عمر” لإجلاء المرضى نفسيا الذين كانوا محتجزين بمحيط الضريح، بعد خضوعهم للفحوصات الطبية، كمرحلة أولى لمبادرة “كرامة”، ستليها مرحلة ثانية تهدف إلى إعادة إدماج هؤلاء المرضى في المجتمع.
وأحاطت وزارة الصحة، في ذلك الوقت، العملية بكل الضمانات، مؤكدة أن المستشفيات استقبلت 795 مريضا، من بينهم 5 في المئة نساء، كما استعادت العائلات والأسر27 مريضا بطلب منها.
وعقب توالي السنوات، خلف ذلك انتشارا واسعا للمرضى المختلين عقليا، حيث باتت تغزو شوارع وأزقة مدن المملكة في الآونة الأخيرة ظاهرة تسكع المختلين عقليا و الأشخاص الذين تظهر عليهم اضطرابات نفسية، حيث يتجولون بكل حرية في الشوارع مما يشكل خطرا على الغير بسبب الجرائم التي يرتكبونها.
وتجدر الإشارة إلى أن المغرب لا يتوفر على إحصائيات رسمية ومعطيات دقيقة حول عدد المختلين العقليين الذين يجوبون الشوارع المغربية، وبالتالي فإن أعدادهم تتزايد باستمرار، رغم النداءات والتنبيهات والتقارير التي ما فتئت تصدرها الجمعيات الحقوقية لحث السلطات المختصة على التدخل لتطويق هذه الظاهرة من خلال ضمان رعاية وحماية كافيتين لهم.