افتتاحية

شراكة المغرب والإمارات.. ضربة “معلم”!

شراكة المغرب والإمارات.. ضربة “معلم”!

وضوح الرؤية في قضايا الداخل، والثبات الذي يسير به المغرب في معالجة تحدياته السياسية والاقتصادية والتنموية الداخلية، لم يكن وليدا للصدفة، فها هو اليوم ينعكس بوضوح في مرآة السياسة الخارجية أيضا، التي تسير بالقدر نفسه من الاتزان ورجاحة العقل والحكمة في نسج علاقات البلاد الراسمة لمستقبله.

هذا الكلام أفرزته قاعدة “المناسبة شرط”، ونحن نتابع الزيارة الملكية الأخيرة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تتعدى، باستحضار مختلف تفاصيلها، كونها مجرد زيارة عابرة بين زعماء بلدين، ستوضع كما غيرها في أرشيف العلاقات دون أثر.

أهمية هذه الزيارة تستمد قوتها الاستراتيجية مما عرفته من توقيع لاتفاقيات اقتصادية ضخمة تعزز الشراكة الاستراتيجية التكاملية بين بلدين، فرقت بينهما الجغرافيا وجمعتهما الرؤية الموحدة نحو تشييد مستقبل أفضل، يربط بين شرق وغرب العالم الإسلامي والعربي، وبين قارتين؛ إفريقية وأسيوية.

ومرة أخرى، نعيد هذه الزيارة ليست عادية، ولعل هذا ما يستنتجه المتتبع الحصيف وهو يرى كيف اقتنص المغرب فرصة تعزيز هذه الشراكة، في وقت يتجمع فيه قادة وزعماء من مختلف بلدان العالم بالإمارات ضمن قمة “كوب 28” للمناخ، وهو يبحثون بالموازاة عن لقاءات بهذا الحجم مع القيادة الإماراتية، دون أن يظفروا بها جميعا.

الاجتماع، الذي لا شك جرى التحضير له لأشهر، افتتح بتخصيص استقبال فخم للملك محمد السادس والوفد الرفيع المرافق له، بما يليق بمكانة وقوة المملكة المغربية، وهو استقبال يشكل تعبيرا صادقا عن متانة العلاقة بين البلدين، تلك العلاقات التي لم تفسدها رياح أزمات هبت من قبل.

كما أن توقيع المغرب والإمارات 12 مذكرة تفاهم لإرساء شراكة استثمارية في عدد من القطاعات، منها مشاريع القطار فائق السرعة والماء والطاقة والمطارات والموانئ وقطاعات المال والسياحة والمعلومات وغيرها، جاءت في توقيت مثالي بالنسبة للمغرب الذي يمضي نحو إرساء أوراش مهمة واستضافة أحداث عالمية، أبرزها مونديال 2030، الذي يتطلب جاهزية كبيرة للبنية التحتية.

هذه الشراكة أيضا يمكن القول أنها تضع نقطة النهاية فيما لاكته الألسن سابقا عن فتور العلاقة بين البلدين، وهي تساهم بلا شك في تبديد سوء الفهم وإرجاع المياه لمجاريها في العلاقية بين بلدين لهما مكانتهما البارزة في المحيط الدولي.

ثم لابد وأن هذه الشراكة تقدم تجسيدا حيّا لإيمان المغرب بمنطق العلاقات المتكافئة والمصالح المتبادلة، بعيدا عن منطق الوصاية، وهو ما يجعل هذه الشراكة نموذجا يُحتذى به من لدن بلدان عربية تربطها بالمغرب علاقة متميزة، ولعل أبرزها دولتي قطر والسعودية.

من جهة أخرى، وبالرغم من المواقف الداعمة، التي أعلنتها الإمارات العربية المتحدة ودول أخرى، للمغرب في سيادته على صحرائه، إلا أن المملكة تظهر في كل مرة بأن علاقاتها ليست قائمة على منطق الابتزاز وشراء الولاءات بأموال الغاز، كما يفعل من يعادون وحدتها الترابية، وإنما على قاعدة المصالح التنموية والاقتصادية المشتركة، ذلك أن شراء المواقف يذهب جفاء، لأن ما يشترى بالمال يسهل بيعه ببساطة، لعل العبرة تنفع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News