دولي

تونس.. هل ترسي الانتخابات المحلية ديمقراطية تشاركية؟

تونس.. هل ترسي الانتخابات المحلية ديمقراطية تشاركية؟

انطلقت في تونس السبت، الحملة الدعائية لانتخابات المجالس المحلية المقررة أواخر دجنبر الجاري، والتي ستفضي إلى انتخاب أعضاء المجلس الأعلى للجهات والأقاليم (الغرفة الثانية للبرلمان).

ويسعى المرشحون للتنافس على 2155 مقعدا في المجالس المحلية التي ستنتخب بدورها المجالس الجهوية المكلفة بتشكيل مجالس الأقاليم لإرساء المجلس الأعلى للجهات.

وفي 28 نونبر الماضي، أكد رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر، في مؤتمر صحفي، أن “الحصيلة النهائية لعدد المترشحين للانتخابات المحلية التي ستجري يوم 24 ديسمبر، هو 7205 مترشحين، منهم 6177 سيشاركون في الانتخابات المباشرة، و1028 مترشحا من المعاقين سيخضعون للقرعة للحصول على مقعد في المجالس المحلية”.

وتُجرى الانتخابات في 2085 عمادة (تقسيم ترابي أقل من معتمدية) لتشكيل 279 مجلسا محليا هو نفسه عدد المعتمديات (المناطق) التي تتشكل منها الولايات في تونس وعددها 24.

وأضاف بوعسكر أن “22.1 بالمئة من المترشحين هم من الشباب دون 35 سنة والنساء ممثلات بنسبة 13.3 بالمئة من المترشحين وأن عدد الناخبين التونسيين المعنيين بالانتخابات المحلية هو 9 ملايين و79 ألفا و271 ناخبا، 33.1 بالمئة منهم شباب دون 35 سنة، و51 بالمئة من الناخبين إناث، و49 بالمئة من الذكور”.

وبحسب المرسوم رقم 10 المتعلق بتنظيم انتخابات المجالس المحلية وتركيبة المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم، تُعتبر كل عمادة دائرة انتخابية (المادة 28 من المرسوم). وتنتخب ممثلا واحدا عنها (المادة 29)، كما يتم انتخاب المجلس الجهوي (على مستوى الولاية) عبر القرعة بين أعضاء المجلس المحلي (المادة 21). أما مجلس الإقليم فيتم الترشح له من الأعضاء المنتخبين في المجالس الجهوية الراجعة بالنظر له (المادة 23).

ديمقراطية تشاركية

وقال عبيد البريكي الأمين العام لحركة “تونس إلى الأمام” (يسارية ومؤيدة للرئيس قيس سعيد): “لن نشارك بشكل مباشر، كحركة، في الانتخابات المحلية، لكننا دعونا في المجلس المركزي للحركة، منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أنصارنا إلى المشاركة المكثفة في الانتخابات المحلية المقبلة وممارسة حقهم الانتخابي في اختيار ممثليهم”.

وأضاف للأناضول: “أما فيما يتعلق بالترشحات، فقد تركت الحركة الحرية لمناضليها لتقديم ترشحاتهم من عدمها، وأوصى المجلس المركزي بالتصويت للمترشحين الذين نلتقي معهم في البرامج، في حال غياب ترشحات لمنتسبي حركة تونس الى الامام”.

بدوره، صرح أسامة عويدات عضو المكتب التنفيذي لـ”حركة الشعب” (ناصرية، من أكبر الأحزاب المؤيدة لسعيد): “تركنا الحرية لأبناء الحزب في الترشح من عدمه للانتخابات المحلية، وخاصة أنها تختلف عن الانتخابات التشريعية”.

وذكر عويدات للأناضول: “أبناء الحزب ترشحوا لحوالي 70 بالمئة من المقاعد المطروحة للتنافس”.

وعن أهمية هذه الانتخابات، أوضح البريكي: “من حيث المبدأ، فإن حلقة الانتخابات المحلية تعتبر مهمة جدا في إرساء الديمقراطية بركائزها الثلاث”.

وتابع: “هناك ديمقراطية تمثيلية تتجلى في انتخاب نواب الشعب في البرلمان، وهذه الانتخابات المحلية لم تكن مدرجة في برنامج الرئيس الانتخابي (أكتوبر 2019)، بل كان هناك فقط حديث عن البناء القاعدي”.

وأضاف: “أما الركيزة الثانية فهي إرساء الديمقراطية المباشرة، وتتجلى في الاستفتاء، وهذا ما حدث في يوليو 2022 (الاستفتاء على دستور الرئيس سعيد). ونحن الآن أمام الركيزة الثالثة لبناء الديمقراطية، وهي الديمقراطية التشاركية”.

مخاطر العزوف

من جانب آخر، اعتبر عويدات أنه كان من الأفضل “تأجيل الانتخابات المحلية لأنها انتخابات قرب (تشاركية) والمواطن لا بد أن يشعر بأن حياته تتغير (نحو الأفضل)، وهذا لم يحدث حتى الآن، ما يجعل نسبة العزوف ترتفع بين الناخبين، وهذا قد يضر بالانتخابات وبالمسار (في إشارة لتدابير الرئيس سعيد)”.

إلا أن البريكي قلل من مخاطر عزوف الناخبين، معتبرا أن “المشاركة الضعيفة في الانتخابات البرلمانية لا تتعلق أساسا بدعوات المقاطعة لدى المعارضة التونسية”.

وبيّن بقوله: “المسألة تتعلق بحالة من العزوف العالمي عن السياسة، وفي تونس العزوف ناتج عن رؤية ما حصل في البرلمان السابق (في إشارة للخلافات الكثيرة التي شلّت عمل المجلس السابق). وقد تكون نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية مرتفعة عن السابق لان ديمقراطية القرب تسمح للمواطن العادي بتحديد أولويات منطقته (وانتخابات ممثليه بناء على ذلك)”.

مجالس مختصة بالتنمية

وشدد البريكي على أهمية المجالس التي ستفرزها الانتخابات المحلية، لأن “القرارات الدستورية في مسائل متعلقة بالتنمية لا تصبح قانونية إلا بالمصادقة عليها محليا وجهويا وفي الأقاليم”.

وأكمل: “كل إقليم له تصور لاحتياجاته سيدافع عنها، وهذا النظام المجالسي (الديمقراطية القاعدية التي يتبناها الرئيس سعيد) سيسد ثغرة في دستور 2014، وخاصة الفصل 14 الذي تحدث عن التمييز الإيجابي بين الجهات، دون أن يوضّح كيف سيتم ذلك”.

ورأى أن “الحل هو المشاركة المباشرة، فالعمادات تحدد حاجاتها ثم تقوم المعتمدية بتوليفة أولى ثم تقوم الولاية بتوليفة أخرى لتدافع عن مصالحها في صياغة قانون المالية (الموازنة)”.

ومتفقا مع البريكي، أكد عويدات أهمية المجالس التي ستنبثق عن الانتخابات المحلية بالقول: “المهم في المجالس هو الغرفة الثانية (المجلس الأعلى للجهات والأقاليم) التي لها صيغة تقريرية واستشارية، وهذا سينسحب على المستوى الإقليمي والجهوي والمحلي”.

وزاد عويدات: “المجالس مهمة جدا في تحديد عملية التخطيط والتنسيق (بالنسبة للمشاريع المحلية) ومهمة جدا في تقرير الميزانيات على المستوى الوطني. وعندما نرى أن تحديد الميزانيات يتم داخل هذه المجالس، فسيكون مهما المشاركة في الانتخابات المحلية”.

أحزاب مقاطعة

وكانت أحزاب المعارضة، على غرار حركة النهضة الإسلامية وحزب العمال (يساري) والحزب الجمهوري (وسط)، دعت إلى مقاطعة الانتخابات المحلية.

وفي 20 نوفمبر الماضي، أعلنت “جبهة الخلاص الوطني” المعارضة (تضم حركة النهضة وقوى أخرى)، مقاطعتها للانتخابات المحلية المقررة في 24 ديسمبر، معللة قرارها بما اعتبرته “محاصرة حرية التعبير في البلاد وفقدان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات صفتها المستقلة”.

وقال رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي، في مؤتمر صحفي حينها، إن “المشاركة في الانتخابات غير ممكنة بالنظر إلى المناخ السياسي في البلاد، من سجن للسياسيين والمدونين ومحاصرة حرية التعبير، فضلا عن فقدان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات صفتها المستقلة”، بحسب قوله.

ومنذ 25 يوليوز 2021، تشهد تونس أزمة سياسية حين بدأ الرئيس سعيد فرض إجراءات استثنائية، من بينها حل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية وإقرار دستور جديد عبر استفتاء في يوليو 2022 وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في ديسمبر من العام ذاته.

وتعتبر قوى تونسية، في مقدمتها “جبهة الخلاص الوطني”، هذه الإجراءات “تكريسا لحكم فردي مطلق”، بينما تراها قوى أخرى “تصحيحا لمسار ثورة 2011” التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011).

أما سعيد، الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تستمر 5 سنوات، فقال إن إجراءاته “ضرورية وقانونية” لإنقاذ الدولة التونسية من “انهيار شامل”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News