رأي

مشكلة ماكرون في دبلوماسيته

مشكلة ماكرون في دبلوماسيته

للمرة الثانية تستعمل فرنسا ماكرون نفس الأسلوب في التعاطي مع المغرب، وهو أسلوب يعتمد على سياسة محاولة إحراجه علنًا وجره للرضوخ للمطالب الماكرونية في القدوم للمغرب والتقاط صورة بالرباط رفقة الملك محمد السادس.

المرة السابقة خرج ماكرون علنًا وفي الشارع وبدون احترام لأي قواعد دبلوماسية، دون أن يتصرف كرئيس جمهورية عاشت الثورة الفرنسية وقادها رجال صنعوا تاريخها من ديغول إلى ميتران إلى شيراك إلى باقي الرؤساء، الذين حكموا فرنسا طيلة عقود من الزمن، إلى أن وصل ماكرون للإليزيه الذي يبدو أنه اختار سياسة الانقلاب على تاريخ فرنسا وعلى العلاقات التاريخية التي جمعت بلاده بالمغرب، وأراد بأسلوبه الذي لا يمت لرجالات الدولة الفرنسية بصلة أن يعيد للأذهان التاريخ الاستعماري لبلاده ليس فقط في علاقتها بالمغرب بل مع عموم إفريقيا التي تعيش معه وضعًا غير طبيعي بسبب سياسته التي أدت لطرد السفير الفرنسي من النيجر والملحق العسكري الفرنسي من بوركينافاصو، وغيرها من الأزمات، وقد يكون الأسوأ مازال قادمًا إلى فرنسا من باقي الدول الإفريقية بسبب اختياراته الخارجية.

لنعد إلى علاقة المغرب بفرنسا/ماكرون التي تعيش وضعًا غير مسبوق حتى لا نقول أزمة غير مسبوقة، وإن كانت صامتة لكن تجلياتها واضحة انطلقت بمحاولة ماكرون الضغط على المغرب بل وابتزازه بورقة النظام الجزائري، خاصة عند زيارته للجزائر والإعلان الذي كان قد سبق تلك الزيارة من أنها ستشمل قضية الصحراء مما شكل استفزازًا خطيرًا للشعور الوطني العام للمغاربة وللمغرب، تحول هذا المسار من تلك النقطة إلى نقطة أخرى تعكس دبلوماسية ماكرون التي لا ترقى لحجم دولة اسمها فرنسا ولحجم تاريخها، بحيث برزت تصريحات غير دبلوماسية تجاه المغرب بدءًا من تصريح ماكرون وهو بأحد الشوارع بأنه سيزور المغرب في أكتوبر “الماضي”، في خرق لكل الأعراف والقنوات الدبلوماسية التي تنظم العلاقات الدولية، وكأن المغرب «مقاطعة» فرنسية وليس بلدا مستقلا له سيادته ومؤسساته الوطنية.

هذه الواقعة كانت كافية ليتأكد فيها المغاربة بأن سياسة ماكرون الخارجية هي سياسة غير ناضجة، لا تحترم قواعد العلاقات بين الدول والأسس التي يجب أن تُقام عليها، على رأسها احترام سيادة الدولة المغربية، هذه السيادة التي تُعد خطاً أحمر لا يمكن السماح بتجاوزه أو التساهل مع محاولة المس به وبالمغرب، وقد كان الجميع يعتقد أن فرنسا/ماكرون قد فهمت الدرس جيدًا وستعمل على تقييم علاقتها بالمغرب وتعيد ترتيب أولوياتها بالمنطقة وبالقضايا الحيوية للمغرب خاصة منها انتقال فرنسا من موقف تقليدي من قضية الصحراء إلى اعتراف واضح بمغربية الصحراء، لكن كل ذلك لم يحدث، بل على العكس من ذلك أتت واقعة الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز وتارودانت لتعيد العلاقة بين البلدين إلى نقطة الصفر، وليتأكد أن ماكرون يقود فرنسا بمنطق هاو يريد انتهاز الفرص، تمثل ذلك في الكيفية التي تعاطى فيها ماكرون مع فاجعة الزلزال، وهي الواقعة التي أعاد فيها نفس الخطأ، خطأ سوء تقدير الموقف وخطأ في أسلوب التعامل والتخاطب مع المغرب مؤسسات وشعبًا، تجلى ذلك في محاولته فرض تقديم مساعداته على المغرب، بشكل غير طبيعي، محاولًا فرض نفسه “كمنقذ” للمغرب من تداعيات الزلزال مستعملًا أسلوبًا متعاليا ومتعجرفًا أراد به استغلال الفاجعة لتحقيق نصر دبلوماسي فرنسي خارجي يغطي على هزائمه، وعلى حساب الضحايا من الشهداء والجرحى، أسلوب عتيق وبليد اختاره ماكرون بدءًا من الابتزاز الإعلامي الفاشل الذي هاجم المغرب دون مراعاة لحزن المغاربة ولا لحالة الحداد الوطني التي أعلن عنها الملك، منتقلا بعدها بعد فشل هذا التهجم الإعلامي إلى خطوة أسوأ من سابقاتها متمثلة في مخاطبة المغاربة، بشكل مباشر، يتحدث فيه عن إعادة الإعمار، وكأنه “مقاول بناء” وليس رئيس دولة من حجم فرنسا، مخاطبًا المغرب وكأنه بلد بدون تاريخ وبدون مؤسسات، قافزاً على القنوات الدبلوماسية التي كان يجب أن يمر منها لو كان فعلا يريد تقديم المساعدة، فكان الرد الشعبي المغربي العفوي كاف له لتلقين سياسته ومحيطه درسا في احترام السيادة الوطنية للمغرب، ولم تهدأ العاصفة حتى جاء تصريح وزيرة خارجية فرنسا معيدة تكرار نفس أسلوب ماكرون في الإعلان عن زيارة قريبة له إلى المغرب في خطوة غير دبلوماسية وغير مهنية لا تحترم المغرب وفيها الكثير من التجاوز المرفوض مما استدعى هذه المرة أن يكون هناك رد مغربي لتوضيح ما جاء على لسان وزيرة الخارجية الفرنسية، ولتكون مقدمة، وقد نقولها بشكل لا مبالغ فيه، إلى طي صفحة فرنسا ماكرون، وأنه على المغرب انتظار قدوم رئيس جديد يحكم فرنسا ويعيدها لفرنسا أولا، ثم يعيدها ثانيا إلى شركائها.

في الوقائع المذكورة أعلاه يبدو أن ماكرون له سياسته الخارجية التي انتهت بطرد فرنسا من النيجر وبقرار بوركينافاصو طرد الملحق العسكري الفرنسي، وبأزمات متوالية مع عدة دول على رأسها المغرب، ليكون السؤال: إذا كان ماكرون غير قادر على التصرف كرئيس لدولة اسمها فرنسا بما كانت تمثله كشريك استراتيجي وتاريخي للمغرب، ألا يوجد مستشارون ناضجون بمحيطه ينصحونه كيف يتصرف مع دولة يقودها ملك من حجم محمد السادس؟!

في الختام لابد أن يهمس أحدهم في أذن الفرنسيين ليقول لهم: مشكلة المغرب ليست مع الدولة الفرنسية بل مع فرنسا ماكرون وإدارته وسياسته.

ويهمس في أذن ماكرون ليقول له: مشكلتك اليوم مع المغاربة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News