سياسة

البرلمان يُعيد جدل اكتظاظ السجون للواجهة ونواب يُحذرون من شرعنة الافلات من العقاب

البرلمان يُعيد جدل اكتظاظ السجون للواجهة ونواب يُحذرون من شرعنة الافلات من العقاب

أعادَ البرلمان ملف اكتظاظ السجون الذي أثار في وقت سابق جدلا واسعا في الأوساط السياسية والقضائية إلى واجهة النقاش تزامنا مع دراسة مشروع قانون العقوبات البديلة المحال على مجلس النواب، متسائلين عن مدى ونسبة قدرة هذا المشروع  الجديد الذي أعدته وزارة العدل على التخفيف من وضعية الاكتظاظ التي تعاني منها المؤسسات السجنية والساكنة السجنية.

وحذر نواب برلمانيون من الأغلبية والمعارضة خلال اجتماع لجنة العدل والتشريع بحضور وزير العدل عبد اللطيف وهبي، من تفاقم الوضع داخل المؤسسات السجنية في أعقاب الصرخة التي أطلقها المندوب العام لإدارة السجون بفعل الارتفاع المتزايد لمعدلات الاعتقال الاحتياطي، منهبيهن في المقابل إلى مخاطر استغلال مشروع قانون العقوبات البديلة لشرعنة الافلات من العقاب.

ويرى أعضاء بلجنة العدل والتشريع أن هناك أسئلة كثيرة تدور حول هذا مصير هذا القانون فلكي يطبق على غرار الدول الرائدة في العقوبات البديلة مثل أمريكا والسويد واستراليا، مشددين على ضرورة  الرفع الكبير في عدد أفراد الشرطة وخلق مؤسسات للتتبع ومراقبة تنفيذ العقوبات المحكوم بها سواء لخدمة الصالح العام أو عبر المراقبة الالكترونية أو إعادة التأهيل وإنتاج الأطباء النفسانيين والموظفين بالسجون وكتاب الضبط بمعنى نحتاج إلى ثورة مؤسساتية.

وقال محمد غيات رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس النواب: “لقد ثبت بالملموس من خلال التقارير الدورية الصادرة عن الهيئات والمؤسسات الوطنية، فشل الاعتماد المفرط على عقوبة السجن بالنسبة إلى المخالفات والجنح البسيطة، في القيام بدورها الردعيّ والإصلاحي، لافتا إلى أن التقارير الرسمية تؤكّد أن من يقضون هذه العقوبة الحبسية في قضايا بسيطة لا سيما من الأحداث، قد يكونون أكثر عدوانية تجاه المجتمع بعد خروجهم إلى الحياة العامّة.

ومن هذا المنطلق، قال غيات ” يحق لنا كمشرعين للأمة أن نتساءل ونحن نناقش هذا المشروع،  ما فائدة من هذا القانون إذا لم يطبق؟ ما فائدة اللجوء إلى بدائل جديدة كعقوبات إذا  لم توفر البيئة المناسبة لضمان تنزيله؟ وما فائدة هذا  التشريع إذا ظل حبرا على ورق ولم يوفر له اللوجيستيك والموارد البشرية الكفيلة بجعله سارية المفعول؟ وما الفائدة من هذا القانون إذا ظلت السلطة التقديرية للقاضي واسعة دون تقييد حماية للقاضي الذي يحكم بما نشرع نحن؟

ويرى رئيس الفريق التجمعي أن مشروع العقوبات البديلة يحتاج إلى ثورة حقيقية ليس في النصوص فقط بل في النفوس والعقليات، مضيفا أنه “يحتاج أيضا إلى ثورة حقيقية  في البيئة المؤسساتية ذات الصلة والموارد البشرية والكلفة المالية لجعل هذا القانون يطبق وتظهر آثاره الحقوقية والاجتماعية والنفسية”.

وأوضح غيات أنه إذا كانت السلطات المعنية تراهن على تطبيق هذا المشروع الاستراتيجي بالموارد الأمنية والقضائية والسجنية الحالية فلن يذهب المشروع بعيدا ولن يحقق أهدافه المرجوة،  بل قد يتم استغلاله فقط من أجل الإفلات الشرعي من العقوبة السجنية والقيام ببعض الأعمال لضمان البقاء خارج أسوار السجن، مردفا  “وهنا سنجد أنفسنا أمام مشاكل أخرى فبدل أن يحل هذا القانون مشاكل السياسة الجنائية سينتج مشاكل أخرى إضافية”.

وخلص رئيس فريق “الحمامة” إلى أن الأمر الذي يتطلب منا المصادقة على قانون ذي جودة عالية وله كل ضمانات الاستمرار دون فراغات ودون مجال للتأويل الذي يخل بالعدل والعدالة، ودون أن يستغله ذوو النوايا السيئة للافلات من العقاب، مسجلا أنه أمام البرلمان والحكومة مسؤولية كبيرة في إنتاج قانون يحل مشاكل الجريمة والعقوبة في الحاضر والمستقبل لا أن يخلق المشاكل جديدة.

من جهته، رحّب فريق التقدم و الاشتراكية بمجلس النواب، بإخراج قانون العقوبات البديلة لمواجهة وضعية الاكتظاظ التي تعاني منها المؤسسات السجنية، لاسيما في ظل الأرقام المخيفة للساكنة السجنية وتأثيرها السلبي على أدوار هذه المؤسسات والبرامج التي تشتغل عليهت.

واعتبر أن مبررات الإفراج عن المشروع “موضوعية وجيهة ودقيقة”،بالنظر إلى أن الساكنة السجنية تجاوزت حسب المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، في بلاغٍ لها يوم 07 غشت 2023، مائة ألف سجين وسجينة، بفارق كبير  الطاقة الاستيعابية للمؤسسات السجنية التي لا تتعدى 68600 سجين وسجينة.

وحسب إحصائيات وزارة العدل لسنة 2020، تمثل العقوبات السالبة للحرية، الصادرة بسنتين أو أقل أكثر من 40 في المائة من الساكنة السجنية، ويرى الفريق التقدمي أن “هذه عقوبات غير رادعة”، بل ترفع فقط من نسبة الاكتظاظ في المؤسسات السجنية، مسجلا أن المدد القصيرة ليست متلائمةً مع الاستفادة من البرامج التي تسطرها المؤسسات السجنية، ولا تُمَكِّن من الحد من حالات العود.

وأكد فريق التقدم والاشتراكية أن إيجاد الحلول لهذه الوضعية غير المقبولة لا يتوقف فقط على إقرار العقوبات البديلة، من خلال اعتماد المقاربة القانونية، لأنها وضعية تُساءل السياسات العمومية برمتها، لافتا إلى أن ارتفاع الساكنة السجنية تتحكم فيه عوامل كثيرة ومختلفة، مما يتطلب مراجعة شاملة لمجموع السياسات العمومية، بما فيها السياسة الجنائية.

ويرى الفريق النيابي لرفاق بنعبد الله، أن الأمر يتطلب فتح نقاش واسع وعميق حول السياسة الجنائية برمَّتِها، خاصة فيما يتعلق بحماية الحريات، وتقديم عناصر أجوبة عن الأسئلة المجتمعية الراهنة، معبرا عن تطلعه إلى تجاوز تخلف القانون عن واقع المجتمع، وأن يكون التشريع قاطرة لتأطير وتنظيم سلوكاتٍ وممارساتٍ فردية وجماعية تسيرُ نحو الأفضل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News