مجتمع

أسعار المحروقات تُنذِر بأزمة جديدة بالمغرب ومطالب لتخفيف العبء الضريبي وضبط هوامش الأرباح

أسعار المحروقات تُنذِر بأزمة جديدة بالمغرب ومطالب لتخفيف العبء الضريبي وضبط هوامش الأرباح

بعد فترة من استقرار أسعار المحروقات بالمغرب، عادت محطات الوقود من جديد منذ مطلع غشت الجاري إلى الرفع من أثمنة البيع للعموم بمقدار 49 سنتيما بالنسبة للبنزين و27 سنتيما بالنسبة لأسعار الغازوال، وهي الزيادة المرشحة للارتفاع حسب أرباب مسيري محطات الوقود بالمغرب بفعل التقلبات العالمية الناجمة عن خفض إنتاج النفط.

يأتي ذلك في وقت أكدت فيه اللجنة الوزارية المشتركة لمراقبة الإنتاج في مجموعة “أوبك+”، التزام الدول الأعضاء باتفاق خفض إنتاج النفط الممتد حتى نهاية عام 2024. ورفعت المملكة العربية السعودية -وهي أكبر مُصدِّر للنفط في العالم- معظم أسعار نفطها الخام لآسيا للشهر المقبل بعد إعلانها تمديد الخفض الطوعي لإنتاجها لمدة شهر آخر.

ومن شأن عودة أسعار المحروقات بالمغرب إلى منحاها التصاعدي أن يثير قلق مهنيي النقل خاصة بعد تعليق الحكومة الدعم الاستثنائي الذي أقرته في وقت سابق لتطويق أزمة الغلاء ومواجهة تكاليف المواد البترولية، مما ينذر بأزمة جديدة مرشحة للاندلاع بين الحكومة والمهنيين بفعل أسعار المحروقات، وسط مطالب بتفعيل الدور الدركي لمجلس المنافسة، سيما بعد إقراره مؤخرا بوجود ممارسات منافية للمنافسة بسوق المحروقات بالمغرب.

الحسين اليماني، الخبير في المجال الطاقي والكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، أوضح أن الإشكال يرتبط أساسا بتركيبة أسعار المحروقات التي تحتاج إلى مراجعة جذرية ومستعجلة لضبط أثمنة بيع الوقود في السوق المغربية، خاصة بالنسبة لسعر الغازوال الذي يمثل 90 بالمئة من المحروقات المستهلكة بالسوق الوطنية والذي يصل إلى 7 مليارات لتر في السنة.

تركيبة الأسعار

وأكد اليماني ضمن تصريح لـ”مدار21″، أنه باحتساب تركيبة الغازوال التي تصل اليوم بمعظم محطات بيع الوقود بالمغرب إلى 12.20 درهما، ونجد أن أرباح الفاعلين في القطاع  تقدر بدرهمين بينما تصل قيمة الضريبة على القيمة المضافة وعلى الاستهلاك الداخلي إلى 3.5 دراهم وتكاليف النقل والمصاريف المينائية و0.40 سنتيما، في حين يقدر شراء الغازوال المصفى من الخارج بـ6.53 دراهم.

وكشف الخبير الطاقي أن نسبة أرباح شركات المحروقات بالمغرب تصل إلى 15 بالمئة في حين لا تتعدى هذه النسبة 2 إلى 5 بالمئة في عدد من الدول الأوروبية على سبيل المثال، مشددا على أن الدولة المغربية مطالبة بأن تتحمل مسؤولية تحرير الأسعار، وذلك عبر تقليص الضريبة على المحروقات التي تصل إلى 3.5 دراهم في اللتر الواحد أو تتنازل عنها بشكل مؤقت لمواجهة ارتفاع أسعار المحروقات في السوق الوطنية.

وسجل الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، أنه لو تم اللجوء إلى تقليص هوامش أرباح الفاعلين وحذف الضريبة على المحروقات فلن تتعدى أثمنة الغازوال بالمغرب حاليا 6 دراهم، وأوضح أن عملية تكرار البترول تصل تكلفتها بالمغرب أكثر من درهمين في اللتر الواحد بفعل استيراد النفط المكرر، وبالتالي لو كنا نكرر النفط داخليا لكانت هذه المبالغ ستذهب إلى خزينة الدولة بدل الشركات بغض النظر عما إذا كانت شركة التكرير تابعة للقطاع العام أو الخاص.

اقتصاد الأزمة

ولفت اليماني إلى أنه في ظل “اقتصاد الأزمة” من الطبيعي ألا ينعكس انخفاض أسعار النفط في السوق الدولية على أثمنة بيع المحروقات بالسوق المغربية، حيث عادة ما يلجأ الفاعلون في القطاع إلى تبرير ذلك بدعوى أن مخزون المحروقات الذي يسوق في محطات الوقود تم شراؤه قبل انخفاض الأسعار، بينما يسارعون إلى تطبيق الزيادة بمجرد ارتفاع أسعار برميل النفط في السوق الدولية.

وعاد اليماني للحديث عن تحرير المحروقات الذي أقرته حكومة بنكيران السابقة في أواخر 2015، وقال إن أسعار البترول حينها لم تكن تتعدى 60 دولارا للبرميل، بحيث لم يكن هناك فرق كبير في أسعار البيع في السوق الوطنية قبل قرار التحرير، إذ لم يكن يتجاوز سعر الغازوال 9 دراهم، مضيفا “لكن كلما ارتفعت أسعار النفط إلى أكثر من 80 دولارا فإن الأسعار تقفز إلى أكثر من 12 درهما على غرار ما تم تسجيله في مطلع سنة 2023 حيث تجاوزت عتبة 16 درهما”.

وظلّت أسعار بيع المحروقات في المغرب مدعومة من الدولة لسنوات، قبل أن تصبح خاضعة لقانون السوق ابتداء من أواخر 2015. وأثيرت، منذ ذلك الحين، شبهة وجود تواطؤ بين الموزعين لتحديد أسعار تضمن هامش ربح كبير على حساب المستهلكين.

ويرى عدد من المتتبعين لملف الطاقة بالمغرب أنه منذ اتخاذ قرار تحرير أسعار المحروقات في السوق الوطنية، أضحى الفاعلون في قطاع المحروقات محررين نسبيا في تحديد هذه الأسعار، بما يتماشى مع سعر البرميل في السوق الدولية.

واعتبر اليماني أن ارتفاع أسعار المحروقات بعد حذف الدعم والتحرير من الأسباب الرئيسية للتضخم وغلاء المعيشة بالمغرب، مطالبا بالحد من تداعيات ارتفاع أسعار المحروقات على المعيش اليومي للمواطنين وعلى القدرة التنافسية للمقاولة المغربية، من خلال العودة لتقنين أسعار المحروقات عبر تسقيف أرباح الفاعلين المتحكمين في السوق المغربية.

ولمواجهة أزمة جديدة للمحروقات تلوح في الأفق، اقترح الخبير الطاقي إلغاء أو تخفيف الضغط الضريبي وخصوصا الضريبة المتزايدة على القيمة المضافة، ومن خلال إحياء تكرير البترول في المصفاة المغربية لاسامير عبر تفويت أصولها بمقاصة الديون لفائدة الدولة المغربية والكف عن التفرج يوما بعد آخر في ضياع الثروة الوطنية التي تمثلها شركة سامير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News