اللوجستيات الإنسانية سياسة المغرب في مكافحة حرائق الغابات

أضحت التحديات المناخية في العالم عموما وفي حوض البحر الأبيض المتوسط خصوصا، بسبب موقعه الجغرافي، تحديا دائما نتيجة الارتفاع المهول لدرجة الحرارة، مولدة كوارث بيئية تتكرر سنويا كالحرائق الغابوية، التي تترك وراءها خسائر مادية وبشرية تختلف من دولة لأخرى حسب التدابير الحكومية وغير الحكومية المتخذة في هذا المجال.
فالمغرب على سبيل المثال، يتوفر على غطاء غابوي وحرجي يمثل أكثر من ثلاثة أضعاف الموجودة في الجزائر. إلا أن هذه الأخيرة تعرف حرائق كارثية تخلف عشرات الضحايا من المدنيين والعسكريين وخسائر بالجملة مقارنة بالمغرب، الذي بحسب تصريح لوزير الفلاحة محمد صديقي، يسجل حاليا ما بين 5 و6 حرائق يومياً. فهل طائرات إخماد النيران التي تعاني الجارة الشرقية نقصا حادا فيها هي الفيصل في هذه العملية؟
اللوجستيات الإنسانية.. القلب النابض للسياسة الاستباقية في مكافحة الحرائق
تنص التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، في إطار النموذج التنموي الجديد، على إعطاء أولوية للعنصر البشري. مما استلزم من المؤسسات الوطنية أن تجعل من اللوجستيات الإنسانية أحد الركائز الاستراتيجية للتعامل مع هذه الكوارث بشكل استباقي أو على الأقل الخروج منها بأخف الأضرار. والمقصود هنا باللوجستيات الإنسانية؛ مجموعة من التدابير المتخذة للتنسيق وإدارة المعلومات لدعم عمليات اتخاذ القرارات وتطوير الحس التنبؤي وحسن التوقيت وفعالية الإستجابة الإنسانية في حالات الطوارئ.
ترسانة لوجيستية قوية
يسعى المغرب دائما إلى مجاراة أحدث التكنولوجيات في مجال مكافحة الحرائق مما يدفعه إلى امتلاك بنية لوجستية قوية، كالأقمار الاصطناعية الاستطلاعية التي تمد الجهات المختصة بصور عالية الدقة ومحينة للغطاء الغابوي. طائرات مسيرة (الدرونات) التي تعتمد على التصوير البصري والحراري ومستشعرات الدخان، طائرات إخماد الحرائق كنادير، مروحيات، طائرات هيركوليس C130 المزودة بنظام MAFFS الذي يستخدم مركبات كيماوية في إخماد الحرائق، ناهيك عن عربات الإطفاء، الرافعات، والروبوتات المخصصة للتدخل في المناطق التي يصعب الولوج إليها.
كما يعتمد على تقنيات فعالة في هذا المجال مثل حواجز النيران، التي تعني أن المجال الغابوي يعتمد على منظومة المربعات الغابوية، وذلك بتقسيم الغابة إلى وحدات تمنع انتقال النار من ضفة إلى أخرى.
وأخيرا وليس آخرا، التداريب الميدانية ذات المعايير العالمية التي تستفيد منها الفرق المختصة سواء الطيارين أو الأطقم الأرضية عبر إرسال بعثات إلى أمريكا، كندا والدول الأوروبية.
الذكاء الاصطناعي والأتمتة.. عصب الاستراتيجيات الاستباقية
نظرا لسجل المغرب الكبير في مكافحة الحرائق، أصبح يملك خبرة مهمة في هذا الميدان. فبالإضافة إلى العدة اللوجستية السالفة الذكر التي تمده بالمعلومات الدقيقة والآنية، تتم عملية صهر كل هذه البيانات بواسطة خوارزميات الذكاء الاصطناعي لنمذجة السيناريوهات المعتمدة من أجل رفع الفاعلية وزيادة كفاءة الفرق اللوجستية على أرض الواقع، متجاوزا بذلك العراقيل البيروقراطية المتمثلة في تشكيل لجان مكونة من عدة خبراء وتنظيم اجتماعات مطولة لتصميم هذه النماذج، الأمر الذي يتطلب وقتا وجهدا كبيرين مع نتائج ضعيفة مقارنة بالعملية المؤتمتة والتي تعطي نتائج فعالة في ظرف وجيز.
– أستاذ التعليم الثانوي و باحث في الاقتصاد اللوجيستي