مجتمع

خطاب العرش يُعرِّي وهبي ويتمسك بمرجعية الدولة لمراجعة القانون الجنائي وتعديل المدونة

خطاب العرش يُعرِّي وهبي ويتمسك بمرجعية الدولة لمراجعة القانون الجنائي وتعديل المدونة

حسم الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين بمناسبة عيد العرش، الجدل بشأن التعديلات المرتبقة على منظومة القانون الجنائي ومدونة الأسرة، بتأكيده على التسمك بالقيم الدينية والوطنية، وذلك في سياق المعركة التي يخوضها وزير العدل عبد اللطيف وهبي دفاعا عن الحريات الفردية ورفع التجريم عن العلاقات الرضائية والقطع مع سماه بـ”ظلم الولاية الشرعية” على الأبناء.

ورأى محللون تحدثت إليهم جريدة “مدار21″، أن تمسك الملك محمد السادس ضمن خطاب العرش الأخير، بمرجعية الدولة لمراجعة القانون الجنائي وتعديل المدونة، عرى التوجهات المخالفة لهاته المرجعية والتي يقودها ويتبناها إلى حدّ ما وزير العدل عبد اللطيف وهبي، لاسيما بعض التصريحات والمبادرات الصادرة عنه والمصادمة للمرجعية الإسلامية ولهوية المجتمع، في قضايا المرأة والأسرة.

وأثارت تصريحات وزير العدل عبد اللطيف وهبي، حول قضايا المرأة والأسرة، القلق والتساؤل عن المرجعية الدستورية والسياسية والفكرية التي ينطلق منها، والتي رأى الكثر فيها أنها “لا علاقة لها نهائيا بمرجعية الدولة والمجتمع، ولا بالخطابات المؤطرة للملك أمير المؤمنين”، داعين في المقابل الحكومة إلى الإفصاح عن موقفها من هذه التصريحات المستفزة لدين المغاربة وثقافتهم وتقاليدهم.

الضغط على الدولة

الباحث الأكاديمي والمحلل السياسي ادريس الكنبوري، سجل أن خطاب العرش الأخير قدم توجيهات للمسؤولين الحكوميين وعلى رأسهم وزير العدل، في أعقاب النقاش الذي أثار جدلا واسعا بشأن التعديلات المرتقبة على منظومة القانون الجنائي ومدونة الأسرة، لاسيما تصريحات وزير العدل عبد اللطيف وهبي التي أشعلت فتيل التوتر بين التيارات المحافظة والحداثية.

ولفت الكنبوري ضمن تصريح لـ”مدار21″، أن هناك طرف سعى إلى الضغط عبر استعمال المجتمع المدني والفضاءات الإعلامية والندوات الحوارية من أجل فرض توجهاته واختياراته فيما يتعلق بمجال الحريات، وذلك على الرغم من معاكستها لمرجعية الدولة، مؤكدا أن النقاش الدائر حول التعديلات المنتظر إدخالها على القانون الجنائي المغربي والمراجعة المرتقبة لمدونة الأسرة، عرف “انزلاقات كبيرة” وخروجا عن الخط العام الذي رسمه الملك محمد السادس في إحدى خطبه حينما أكد أنه بصفته أميرا للمؤمنين “فلن يحل حراما ويحرم حلالا”.

ويرى الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية أن البعض شرع في تأويل هذا الكلام كما لو أنه كلام غامض ويحتاج إلى شرح وتفسير في حين كان خطاب الملك على هذ المستوى صريحا وواضحا ولا يحتمل أي تأويل، مبرزا أن “خطاب العرش الأخير كان بمثابة تذكير بهذا الخط وبضرورة الالتزام بالرؤية الملكية في أي تعديل مرتقب على منظومة القانون الجنائي ومدونة الأسرة”.

ومن بين الانزلاقات التي سجلها الكنبوري في سياق النقاش الدائر حول التعديلات المنتظرة على القانون الجنائي، التحاق وزير العدل بالدعوات المطالبة برفع التجريم عن العلاقات الرضائية والشذوذ الجنسي والمساواة في الإرث، “وهي خطوة غير قانونية ومخالفة لأحكام الدستور، خاصة أن الحكومة مطوقة بتوجيهات الملك بوصفه الساهر على حسن سير المؤسسات”.

ولفت المحلل السياسي إلى أنه لأول مرة في المغرب يتجرأ وزير بحكومة “صاحب الجلالة”، على ثوابت المملكة ومقدساتها مثلما حدث مع وزير العدل عبد اللطيف وهبي وأشار إلى أن اليسار الجذري والمتطرف في سبعينيات القرن الماضي لم يتجرأ على التشكيك في الثوابت الوطنية رغم الخلاف الذي كان آنذاك بين أحزاب اليسار والملك الراحل الحسن الثاني.

الأخطر من ذلك، يؤكد الكنبوري، أن النقاش الذي انخرط فيه وهبي حاول بطريقة غير مباشرة الضغط على الدولة والتجرؤ عل مؤسسة أمين المؤمنين وعلى الملكية، لافتا إلى أن تصرفات وزير العدل كانت بعيدة عن “أخلاق رجال الدولة”، ومعبرا في السياق ذاته عن استغرابه من “استجداء” وزير العدل لأطراف من خارج الحكومة من أجل الدفاع عن طروحات حول تعديلات القانون الجنائي، “وهذا معناه “محاولة الاستقواء على الدولة بالشارع” على حد قوله.

تماسك الأسرة

وشدد الكنبوري على أن الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لعيد العرش، رسم الإطار العام الذي يتعين أن تسير فيها التعديلات المنتظر إجراؤها على القانون الجنائي خاصة وأن الملك أشار إلى أن العالم يشهد اهتزازات على مستوى منظومة القيم، مُحذرا من مضار هذه التحولات القيمية على تماسك الأسرة المغربية على وجه الخصوص.

وأوضح أن النقاش غير محسوم والدولة لم تقدم رأيها النهائي بعد حول الجدل الدائر بشأن التعديلات المرتقبة على منظومة القانون الجنائي ومدونة الأسرة، “مما يجعل وهبي مغردا خارج السرب وخارج الإجماع الوطني الذي يتعين أن يحصل حول مثل هذه القضايا الاجتماعية الكبرى، لاسيما أن مواقف وهبي جاءت ضد الاتجاه العام للحكومة وهو ما تجلى في النقاش الذي وقع داخل البرلمان حيث أعلن رئيس الحكومة عزيز أخنوش مؤخرا عن انضباط الحكومة لرؤية الملك فيما يتعلق بتعديل المدونة”.

وسجل الكنبوري أن هناك إجماع داخل مكونات الحكومة والبرلمان على أن الإطار العام لتعديل المدونة ينبغي أن ينضبط للمرجعية الإسلامية والهوية المغربية مع احترام مقتضيات إمارة المؤمنين في هذا الإطار، مؤكدا أن الخطاب الملكي تدخل من أجل إعادة القطار إلى سكته الحقيقية وتقويم الانزياح الذي عرفه النقاش الذي يقوده وهبي في سياق التعديلات المزمع إدخالها على منظومة القانون الجنائي.

الرؤية الملكية

وحسم رئيس الحكومة عزيز أخنوش الجدل بشأن الخلاف القائم بين التيارات الحداثية والمحافظة بالمغرب بخصوص التعديلات المرتقبة على مدونة الأسرة في أعقاب دعوة الملك محمد السادس إلى مراجعتها، وقال أخنوش “يجب أن نعترف جميعا بأن الكثير من المكتسبات التي حققتها المرأة المغربية يعود فيها الفضل إلى الملك محمد السادس باعتباره الضامن لتطبيق الإسلام المتشبع بالقيم والمساواة والعدالة الاجتماعية”.

وبلغ التقاطب بين التيارات الإسلامية والحداثية بالمغرب حد الانقسام المجتمعي، وتبادل الطرفان اتهامات باستغلال قضية المرأة المغربية في الصراعات الإيديولوجية والانتخابية التي تحكمها المقاربات النفعية الاختزالية بما لا يسمح باقتراح حلول ناجعة ترتقي بالوضع الاجتماعي للمرأة المغربية.

وأكد رئيس الحكومة أنه “من المفروض علينا جميعا أن نواكب رؤية الملك محمد السادس بشأن تعديل مدونة الأسرة”، موضحا أن دور الحكومة في هذا المجال هو “فتح النقاش حول التعديلات المرتقبة على مدونة الأسرة وليس العمل على احتكار الحوار والنقاش حول هذا الملف”.

ورأت بثينة قروري، رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية، أن الموقف الذي عبرت عنه مكونات الأغلبية الحكومية ورئيس الحكومة بخصوص التعديلات المرتقبة حول مدونة الأسرة، هو “الموقف الطبيعي المنسجم مع القراءة الموضوعية لمنطوق الخطاب الملكي، الداعي لفتح النقاش حول مدونة الأسرة وتعديلها إن اقتضى الحال”.

وأكدت قروري ضمن تصريح لـ”مدار21″، أنه من المعلوم أن موضوع المدونة مرتبط في جزء كبير منه بمقتضيات شرعية تعتبر اختصاصا حصريا للملك بصفته أميرا للمؤمنين، معتبرة أن النقاش المجتمعي حول قضايا المرأة والأسرة معني بمناقشة الإشكالات التي تعترض التطبيق السليم للمدونة، مع ضرورة الانتباه للجوانب الشرعية التي تبقى لأهل الاختصاص ممن يمتلكون أدوات الاجتهاد وآلياته العلمية والمعرفية واقتراح الحلول الشرعية لمختلف القضايا المثارة.

الحسابات السياسية

وتابعت المتحدثة ذاتها قائلة: “لذا لا أتصور أن موضوع مدونة الأسرة هو موضوع يتعلق بالأغلبية والمعارضة فقط بل هو موضوع المجتمع ككل ويسمو على الحسابات السياسية الضيقة التي تحاول بعض الأطراف تسجيلها من خلال بعض المزايدات المتجاوزة”، مسجلة أن القوى الحية للمجتمع راكمت ما يكفي من التجارب التي تجعل الجميع مقتنعا بأن لدينا رصيدا محترما من إدارة الحوار المجتمعي وتدبير الاختلاف.

من جهته، أكد نبيل الأندلوسي، رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، أن إصلاح مدونة الأسرة يجب أن يخضع لنقاش مجتمعي رزين ومسؤول، في إطار ثوابت الأمة المغربية الجامعة، لافتا إلى أن الإشارات الأخيرة لرئيس الحكومة بمجلس النواب “كانت إيجابية في هذه المسألة، وتنحو في هذا الاتجاه، بتأكيده على أن الإصلاح سيكون في إطار الرؤية الملكية، وهي رد غير مباشر على تصريحات وزير العدل بهذا الخصوص”.

وشدد الأندلوسي في تصريح “مدار21″، أن المرجعية الإسلامية أساس التشريع، خاصة في القضايا المرتبطة بالأحوال الشخصية وشؤون الأسرة، وأي تعديل يجب أن يكون بنفس إصلاحي، بعيدا عن المزايدات السياسية، ومنطق الأغلبية والمعارضة، حتى نتمكن من تجاوز الإشكاليات والعيوب التي أفرزها تنزيل نصوص المدونة على مستوى الواقع.

ودعا الحقوقي ذاته إلى تجويد النصوص القانونية بما يخدم مصلحة الأسرة المغربية، في إطار احترام خصوصيات الشعب المغربي الدينية والثقافية والحضارية، مسجلا أن ورش إصلاح المدونة له حساسية كبيرة بالنسبة للمغاربة والحكومة مطالبة باعتماد المنهجية التشاركية وتفعيل آليات التشاور العمومي بشأنها بشكل مسؤول واستيعابي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News