سياسة

تقرير برلماني: الإدارة المغربية تعرقل الاستثمار وتعاني التضخم وتقاوم مكافحة الفساد

تقرير برلماني: الإدارة المغربية تعرقل الاستثمار وتعاني التضخم وتقاوم مكافحة الفساد

كشف تقرير مجموعة العمل الموضوعاتية المكلفة بتقييم الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة، التي شكلها مجلس النواب، عن الاختلالات والأعطاب التي تعاني منها الإدارة العمومية، وفي مقدتها استمرار عرقلة الاستثمار ومقاومة جهود مكافحة الفساد.

وجاء في التقرير النيابي الذي حصلت “مدار21” على نسخة منه، أنه “على الرغم من الإجراءات المتعددة والإصلاحات المتعاقبة التي همت الإدارة العمومية طيلة السنوات الماضية، إلا أن هذه الأخيرة عانت من العديد من الأعطاب البنيوية التي لم تستطع كافة الإجراءات والتدخلات التي تم اعتمادها التغلب عليها”.

تقرير مجموعة العمل الموضوعاتية، والذي اعتمد في إعداده على زيارات ميدانية ولقاءات مع مختلف القطاعات، حاول واضعوه البحث عن إجابات لخمسة أسئلة محورية، أبرزها ما مدى ملاءمة الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة لحاجيات المرتفقين والمقاولة، وهل تم تفعيل مشاريع الخطة على أرض الواقع؟ وماهي نسب الإنجاز؟ وهل كانت مشاريع الخطة فعالة في تحقيق أهدافها؟

تفاوت توزيع الموظفين

وأوضح التقرير البرلماني، أن  أحد هذه الأعطاب، يتمثل في التفاوت الكبير بين مختلف جهات المملكة من حيث نسبة توزيع الموظفين، حيث أشارت الوثيقة البرلمانية إلى أن العدد الأكبر من الموظفين يتركز “في المصالح المركزية المتواجدة في الرباط والمصالح الخارجية في نفس الجهة، تليها جهات الدار البيضاء سطات، وفاس مكناس، ومراكش آسفي”، منبهة إلى أن هذا التفاوت في توزيع الموظفين يؤثر على تقديم الخدمات الإدارية للمرتفقين.

ونبه التقرير إلى أن عدد الموظفين في هذه الجهات الأربع فضلا عن موظفي المصالح المركزية أكثر من نصف العدد الإجمالي للموظفين في كافة جهات المملكة، الأمر الذي يكرس نفس التفاوت المسجل في تقديم الخدمات.

وتوقف التقرير عند ما اسماه بـ”نظام وظيفة عمومية كلاسيكي”، موضحا أن هذا النظام عانى من عدة نقائص تزداد حجما وكلفة مع مرور الزمن، حيث اتسم بالضعف في الاعتماد على مبادئ الكفاءة والاستحقاق وتكافؤ الفرص في الولوج إلى الوظيفة العمومية، فضلا عن قصوره في الجانب المتعلق بمنظومة تنقيط الموظف.

وكشف المصدر ذاته، أن عددا كبيرا من الموظفين يعتبرون الوظيفة العمومية وسيلة تضمن لهم أجرا قارا دون الأخذ بعين الاعتبار مردوديتهم وإنتاجيتهم، على أساس غياب روح المسؤولية لدى الموظفين مما يؤثر سلبا على أداء الإدارة العمومية ويضعف العلاقة بين الإدارة والمواطن”.

علاوة على ذلك، سجل التقرير أن هناك هوة أجرية بين موظفي الإدارات العمومية وضعف التحفيزات المخصصة لهم، منبها إلى هذه الهوة تؤثر سلبا على تحديث الإدارة وتجويد أدائها.

عراقيل الاستثمار

من جهة أخرىـى نبه التقرير البرلماني إلى  أن العديد من الخطب الملكية شكلت فرصة للتذكير بارتباط الإدارة بالاستثمار وأبرز الاختلالات التي جعلت من ضعف الأولى عائقا أمام الثانية ثم البدائل والآليات التي قد تساهم في تجاوز الوضعية الراهنة، مبرزا أنه بالرغم من مضي العديد من السنوات على التوجيهات الملكية إلا أن الملك كرر في خطابه سنة 2016 خلال افتتاح البرلمان تأكيده على عرقلة الإدارة للاستثمار.

وتعددت الأعطاب التي واجهها موضوع الاستثمار بعلاقته مع الإدارة، بحسب المصدر ذاته،  لاسيما المتعلقة منها بالتأخر في معالجة ملفات مشاريع الاستثمار، وغياب التفاعل مع الاستفسارات والشكايات والمشاكل التي تعترض المستثمرين، فضلا عن تعقد المساطر الإدارية التي شكلت عائقا حقيقيا للاستثمار.

ووفق الوثيقة ذاتها، فإن المنظومة الإدارية تعاني من تضخم  في عدد القطاعات الوزارية ومصالحها الخارجية، وحتى المؤسسات العمومية.ويرى التقرير بأن هذا التضخم يؤدي إلى زيادة في عدد الموظفين وارتفاع حجم الموارد غير الموظفة بشكل يتلاءم مع تكويناتهم أو تجربتهم، “مما يجعلهم في غالب الأحيان عبئا على الإدارة بدلا من أن يكونوا آلية من آليات التدبير، وذلك بسبب اعتماد التعيينات على دوافع غير مهنية، ولاسيما الدوافع السياسية والتي تقصي معيار الكفاءة والأهلية المهنية”.

ويؤدي التضخم على مستوى الموظفين حسب التقرير البرلماني إلى آثار غير محمودة على مستوى الإنتاج الإداري”، موردين أن تكدس الموظفين في الإدارات والمكاتب من أجل مهمة واحدة ينتج سلوكات سلبية مثل تداخل الاختصاصات وعدم وضوحها والاتكالية بين الموظفين.

ممارسات غير أخلاقية

من جانب آخر، سجلت خلاصات التقرير عدم فعالية استراتيجية مكافحة الفساد بالإدارة العمومية خاصة البرامج الأساسية كالحصول على المعلومة وتبسيط المساطر ومحاربة تضارب المصالح، مشيرة إلى أن الواقع يكشف ويوضح ترسيخ ممارسات غير أخلاقية على مستوى بعض الإدارات العمومية.

وبخصوص التناسق الداخلي للخطة الوطنية لإصلاح الإدارة، أكد التقرير وجود تباين في أولويات الخطة. وزاد مفسرا أن “هناك مشاريع ذات أولوية ومشاريع ثانوية لم تنل القدر الكافي من الاهتمام، كما تشتمل الخطة على مشاريع لم يتم تفعيلها من الأساس أو تم إلغاؤها وتغييرها”.

وعلى مستوى المشاريع الخاصة بالوظيفة العمومية، يرى أعضاء المجموعة الموضوعاتية المنتمين للأغلبية والمعارضة، أنه “لم يتم إنجازها كما هو مخطط لها، بحيث تم الاكتفاء ببعض الإجراءات والدراسات التي لا تمس جوهر الإصلاح، بينما ما يتعلق بالإطار التشريعي والتدبيري فانه لم ينل نصيبه من الإصلاح بحيث لم تتم إعادة النظر في قانون الوظيفة العمومية ليلائم المستجدات التدبيرية والاقتصادية والاجتماعية التي تطبع الفترة الحالية رغم ارتباط الوظيفة العمومية بإصلاح الإدارة بشكل كبير”.

وعابت مجموعة العمل الموضوعاتية على واضعي الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة، عدم اعتمادهم على المقاربة التشاركية بشكل واسع أثناء بلورتها لهذه الخطة، منتقدة في الوقت ذاته عدم إشراكهم لبعض المؤسسات الدستورية وهيئات الحكامة.

وعلى الرغم، من المشاركة الجزئية لبعض المؤسسات الدستورية وهيئات المجتمع المدني في وضع الخطة، إلا أن ذلك اقتصر على بعض المشاريع فقط، يوضح التقرير، الذي انتقد أيضا عدم كفاية الآجال الزمنية المبرمجة لتفعيل هذه الخطة الوطنية ، “خصوصا وأنها تزامنت مع فترة جائحة كورونا، ما أبان عن غياب مقاربة للتدبير التوقعي للمخاطر”.

وانتقدت المجموعة البرلمانية  على الخطة عدم تطرقها إلى مسألة تبسيط التشريعات وتجاوز ما يمكن أن يشوبها من غموض وتعقيد، والاكتفاء بالإشارة إلى تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، ووجود إشارات غير كافية فيما يخص حاجة تأهيل الموظفين وتكوينهم المستمر، وتشجيعهم على الابتكار وكذا عدم تطرقها إلى موضوع إصلاح منظومة الأجور وتفعيل العدالة الأجرية، وإغفال جانب تنفيذ الأحكام في مواجهة الإدارة العمومية، وتغييب مسألة إدماج اللغة الأمازيغية في منظومة الوظيفة العمومية.

اختلالات مالية

وفيما يتعلق بالنجاعة الميزانياتية، نبه التقرير إلى “غياب الميزانية التوقعية للتفعيل الإجمالي لمشاريع الخطة قطاعيا جعل الصورة غير واضحة بخصوص أوجه ونجاعة الإنفاق وهو ما تأكد من خلال تعذر موافاة مجموعة العمل الموضوعاتية بالاعتمادات المالية المخصصة حسب التحولات والمشاريع لكل قطاع باستثناء القطاع المكلف بإصلاح الإدارة”.

وسجل التقرير كذلك ّعدم تخصيص القطاعات الوزارية لاعتمادات خاصة في ميزانياتها الفرعية لتمويل مشاريع الخطة بشكل مباشر”، لافتا إلى أنه تم تمويل مشاريع تهم الإصلاح الإداري “دون ربطه مباشرة بالخطة”.

من جانب آخر، لاحظت المجموعة البرلمانية عدم نشر التقارير الخاصة بالمفتشيات العامة للمالية أو الوزارية للاطلاع على مصير الاعتمادات المرصودة وترسيخ ثقافة الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.

وتطرق التقرير البرلماني إلى محدودية مساهمة صندوق تحديث الإدارة في تمويل العديد من المشاريع الأفقية والقطاعية والتي تتقاطع مع مشاريع الخطة بالإضافة إلى التأخر في إنجاز بعض المشاريع الأخرى.

كمأ أشار التقرير أيضا إلى غياب قاعدة بيانات شاملة حول موظفي الإدارات العمومية، وهو الأمر الذي عرقل من مهمة حصر الموظفين ومهامهم، بالإضافة إلى عدم تأثير الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة على عدد المناصب المالية الممنوحة للقطاعات الوزارية، حيث استقر عدد المناصب المتوفرة باستثناء قطاع إصلاح الإدارة الذي عانى من غياب تخصيص أي منصب مالي خلال سنوات 2019 – 2020 – 2021 .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News