حوارات | فن

القاديري: “حرير الصابرة” تنبش في تاريخ مهنة عريقة وعلى صناع الفن إبراز تراث المملكة للعالم

القاديري: “حرير الصابرة” تنبش في تاريخ مهنة عريقة وعلى صناع الفن إبراز تراث المملكة للعالم

انتهى طاقم سلسلة “حرير الصابرة”، قبل أيام من تصوير حلقاتها بمدينة فاس، حيث تجري أحداثها في القرن الـ13، وتسلط الضوء على مهن تقليدية.

وفي هذا الحوار مع جريدة “مدار21″، يتحدث سيناريست العمل محمد منصف القاديري عن تفاصيل سلسلته التي أشرف يازيد القادري على إخراجها، ويشير إلى المصادر التاريخية والدراسات التي استند إليها في إعداد نص السلسلة، خاصة وأن وقائعها تعود إلى فترة زمنية ماضية.

ويبرز القاديري أهمية النبش في التاريخ لإظهار المعالم الحضارية المشرقة التي شهدها المغرب حتى يتعرف المشاهد المغربي والعربي والدولي على حلقة متوهجة من تاريخ المملكة، عادا أنه من واجب صناع الفن إظهار ما يميزها، والافتخار بتاريخ أمة لها أمجاد.

بداية، ما تفاصيل هاته السلسلة؟ وما القضايا التي تعالجها؟

“حرير الصابرة” سلسلة تاريخية من أربع حلقات مدتها 42 دقيقة، تدور أحداثها بمدينة فاس في أوج ازدهارها الاقتصادي والعمراني والعلمي الذي شهدته خلال القرن الرابع عشر، أيام حكم السلطان فارس أبو عنان المريني 1357 م.

وتحكي لنا السلسلة قصة أسرة المعلم بن براهيم الممتهنة صناعة الحرير، والتي هاجرت من الأندلس لتستقر بـ”جْنَان” رحب آوت فيه فتيات يتيمات ليتعلمن حرفة تربية دود القز وغزل الحرير وصنع السفائف والقفاطن. تواجه أسرة بن براهيم منافسة شديدة من طرف أحد صناع الحرير من أجل الظفر بتزويد بلاط السلطان ترتبت عنها أحداث مأساوية. إضافة إلى إتقانه حياكة الحرير يتابع يوسف، بطل السلسلة وهو ابن المعلم بن براهيم دراسته في علوم الميقات والآلات واختير ضمن فريق العلماء المكلفين من طرف السلطان أبي عنان بصناعة الساعة المائية الشهيرة.

وتتخلل السلسلة أيضا قصة حب رئيسة بين مريم بطلة السلسلة، وهي إحدى الفتيات اليتيمات المقيمات في الجنان، ويوسف الذي لم ينتبه لما تكنه له من مودة، لكنها صبرت وثابرت وساعدته في محنته إلى أن تمّ الوصال.

وتتيح لنا أحداث المسلسل معايشة فترة الطفرة العلمية والفكرية والتقنية والاقتصادية التي شهدتها مدينة فاس في العصر الذهبي المريني والتي تميزت بالعديد من الوقائع التاريخية والمظاهر الحضارية نذكر منها على الخصوص؛ صناعة الحرير بفاس من تربية دودة القز إلى حياكة الأثواب وصنع السفائف وخياطة القفطان، واكتشاف الحرير النباتي المستخرج من نبتة الصابرة وهو منتوج فاسي مغربي الأصل، وتتبع مراحل صناعة الساعة المائية للمدرسة البوعنانية، ناهيك عن علاج حوَلِ الأطفال عن طريق تتبع السمك في الماء بجامع الحوت، والعلاج النفسي المنزلي بالموسيقى الأندلسية الذي كان يستخدم آنذاك بالمارستان، والتداوي بالأعشاب وصناعة العديد من مواد التجميل كالعكر الفاسي من شقائق النعمان (بلعمان) وصناعة العطور والمراهم من نبتات العرصة ومن بينها زيت نبتة الصابرة، إلى جانب وجود ابن بطوطة بمدينة فاس في أثناء تدوين رحلته من طرف الكاتب ابن جزي في حضرة السلطان فارس أبوعنان.

ما دلالة العنوان؟ وهل له علاقة بصناعة الحرير وحياكة الألبسة؟

حرير الصابرة حرير نباتي مستخرج من نبتة الصابرة (من فصيلة الصبار) التي تنمو بكثافة عند أسوار وفي ضاحية مدينة فاس، والذي عوّض حرير دودة القز بعد أن اكتشفه يوسف بطل القصة. وما تزال مدينة فاس إلى حد الآن مشهورة بحرير الصابرة الذي ينسج بكثرة في المدينة، وهو أرخص بكثير من حرير دودة القز ولا يقل عنه كثيرا جودة من حيث اللمعان والمتانة.

كيف جاءت فكرة اختيار مواضيع تاريخية لتكون محور السلسلة؟

حرير الصابرة توليف درامي لإحدى الحكايات التاريخية التي نشرت للكاتب والسيناريست منصف القادري أواخر التسعينات تحت عنوان “الناسك المجهول”، والتي تتضمن مجموعة من الحكايات التاريخية التي تبرز العديد من المظاهر الحضارية والعمرانية وتسلط الضوء على ثلة من المؤسسات الاجتماعية والفكرية والعلمية لمدينة فاس ما بين القرنين الـ13 والـ16، فكان جديرا أن تحول هذه الحكايات إلى إنتاجات درامية تغني المشهد السمعي البصري المغربي.

على ماذا استندتم في إعداد سيناريو السلسلة؟

في إطار تحويل الحكاية إلى سيناريو كان لابد من البحث المستفيض في المصادر التاريخية والدراسات التي تتناول هذه الحقبة التاريخية، وذلك من أجل التدقيق في بعض الأحداث الموازية للقصة، إضافة إلى البحث في كل ما يتعلق بالديكورات والإكسسوارات والملابس من أجل تقديم عمل يكون أكثر قربا ومصداقية من الفترة التاريخية المقصودة.

ما أهمية نبش صناع الفن في التاريخ ونقله إلى الشاشة الصغيرة؟

إلى جانب خلق الفرجة والمتعة البصرية من خلال الديكور والإكسسوارات والملابس، يهدف النبش في التاريخ عموما إلى إبراز المعالم الحضارية المشرقة التي شهدها المغرب حتى يتعرف المشاهد المغربي والعربي والدولي على حلقة متوهجة من تاريخنا، لاسيما وأن هناك شبه قطيعة بين تاريخنا والمعلومات التي يتوفر عليها المشاهدون عامة والشباب على وجه الخصوص، إذ كثيرا ما نسمع أو نقرأ عن تاريخنا الحافل بالتميز في الكتب والمقررات الدراسية، ولكن نادرا ما تتاح لنا الفرصة كي نعاين ذلك على مستوى الإنتاج السمعي البصري.

هل ترون أنه من واجب صناع الفن توثيق تراثنا وثقافتنا في أعمال تلفزية وسينمائية؟

في سياق عدم إطلاع أو إغفال عدد كبير من المغاربة لتاريخنا والمظاهر الحضارية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والعلمية والعمرانية، فمن واجب صناع الفن أن يبرزوا هذه المميزات لكي نفتخر بتاريخنا ونشعر بأننا أمة لها أمجاد، ومن واجبنا استعادتها، لأننا لسنا مجرد مستهلكين لإنتاجات الحضارات الأخرى، حيث إن بعض الشباب يعتقدون أن التحضر والتقدم مسألة لا تخصنا، وأننا قاصرون على الابتكار والإبداع والتميز، وكلما شعر هؤلاء الشباب أننا أمة لها تاريخ مجيد افتخرنا بأنفسنا وعملنا على تطوير أنفسنا وابتعدنا عن مركب النقص الذي صار يستشري أكثر فأكثر في مجتمعنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News