رأي

أي رهان للأمازيغية على الجهوية الموسعة

أي رهان للأمازيغية على الجهوية الموسعة

شكلت الجهوية الموسعة خيارا استراتيجيا لبلادنا سعت عبرها الانتقال من مغرب المركز إلى مغرب الجهات على إعتبار أن النموذج القائم على اللامركزية وصل إلى حدوده ولم يعد قادرا على مسايرة تحولات المجتمع المتسارعة والتطورات المجالية المقلقة. وتبرز في هذا السياق أسئلة مرتبطة بدور الجهوية في تنمية الثقافة الأمازيغية وصيانة التعبيرات الثقافية المحلية وتدبير التعدد اللغوي والتنوع الثقافي عموما.
إن النموذج التقليدي الذي ورثناه عن فرنسا لم يعط للخصوصيات السوسيو- ثقافية للجهات أهميتها بل على العكس من ذلك أن مشروع الدولة الوطنية المركزية لم يوفر لها شروط بروزها، إذ اعتبر ان عناصر التعدد والتنوع والاختلاف تضعف الدولة عوض تقويتها، وأن قوتها تكمن في التنكر لهذه العناصر، مما جعل الدولة لأسباب متعددة تتجه إلى تبني خيار الجهوية الموسعة كرافعة حقيقية للتنمية في أبعادها الشاملة ومنها أساسا البعد الثقافي الذي يهمنا في هذا الإطار.
كانت الثقافة الامازيغية ضمن ضحايا السياسة الكولونيالية التي عملت على ضرب البنيات السوسيو ثقافية القائمة، وإنتاج بنيات لا تعكس حقيقة الواقع، وبالتالي إبعاد الامازيغية من دواليب الحياة العامة.
لقد جرب المغرب جهوية إدارية لكنها لم تعطي أهدافها التنموية المرجوة خاصة بالنسبة لجهات البلاد التي تعيش تفاوتات مجالية واضحة، علما بأن البعض منها يتوفر على إمكانيات طبيعية وبشرية هامة لم تعد بالنفع على ساكنتها، وظل رهان الجهوية قائما، لكن ستأتي لحظة دستور 2011 الذي جاء كما هو معلوم في سياق إقليمي ووطني متميز، ليتم التتصيص بوضوح على الجهوية الموسعة كخيار استراتيجي. وتم إعطاء الجهة كجماعة ترابية، اختصاصات ذاتية وأخرى مشتركة ومنقولة، وتم منحها موارد ذاتية وموارد مرصودة من طرف الدولة، كما تم التنصيص على إحداث صندوق للتأهيل الاجتماعي لفائدة الجهات، وتم الزام مجالس الجهات على نهج مقاربة تشاركية في إعداد البرامج التنموية، بل واعطي للمواطنات والمواطنين إمكانية تقديم عرائض بادراج نقط في اختصاصاتها ضمن جدوا أعمالها في إطار الديمقراطية التشاركية التي تميز بها دستور 2011… والأهم من ذلك أن هذه الاختصاصات شملت الجانب الثقافي من خلال الاعتناء بتراث الجهة وثقافتها المحلية، وصيانة الآثار ودعم الخصوصيات الجهوية، وإحداث وتدبير المؤسسات الثقافية.
لن ندخل في وضع هذه التجربة تحت مجهر التقييم وما أعطته للجانب الثقافي من نتائج لكونها حديثة العهد وعرفت في بداياتها تعثرات سواء في ما يتعلق بتأخر صدور المراسيم المنظمة للجهة او في ما يهم تنازع الاختصاصات بين المركز ومجالس الجهات…
إن ما يهمنا هنا هو التأكيد ان الجهوية الموسعة ستمثل رهانا كبيرا للثقافة الامازيغية وتوفر لها مناخا ايجابيا للنهوض بها وتنميتها لأن النموذج المبني على المركزية همش كل التعبيرات السوسيو ثقافية للجهات، بل ووأد كل عناصر التعدد والتنوع والاختلاف… ونحن عندما نتحدث عن النهوض بالامازيغية لا نحصرها في الجوانب المتعلقة باللغة والثقافة والهوية بل في تدارك التأخر التنموي وتصحيح التفاوتات المجالية والاعتناء بالإنسان الناطق باللسان الامازيغي الذي يقبع في مناطق تفتقر لبنيات تحتية اساسية، وبتعبير أدق نتحدث عن اقتسام السلطة والثروة والقيم التي ظلت على مر التاريخ محتكرة في مراكز بعيدة عن مغرب الجهات.
لقد فشلت كل المشاريع التنموية التي لم تأخذ بعين الاعتبار العنصر البشري كمنطلق لها، لماذا لأن الإنسان هو ثقافة وهوية وامتداد مجالي … فالثقافة عنصر هام في بلورة الوعي والمعرفة وعامل للتنمية والازدهار وهو الأمر الذي ما فتئت منظمات دولية تدعو إليه، وخصوصا اليونسكو في إعلانها سنة 2001 الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2002 كيوم عالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية، واعتمدته الأمم المتحدة كذلك سنة 2015 في خطة أهداف التنمية المستدامة لعام 2030.
هكذا فالجهوية الموسعة رهان حقيقي لبلورة سياسات عمومية تهم مجال حماية التعدد اللغوي والتنوع الثقافي الذي تزخر به جهات المملكة عبر مؤسسات تسهر على تدبيرها بشكل سليم لأنها ترمز إلى الشخصية المغربية، لاسيما وان دستور 2011 أقر شرعية التعدد كحق دستوري أساسي، وألزم وضع الإمكانيات اللازمة للنهوض بمقومات هذا التعدد والتنوع لدورهما في حفظ الأمن الثقافي واللغوي وتعزيز التماسك الاجتماعي وترسيخ الاستقرار السياسي. ولهذا فرهان الأمازيغية على الجهوية عامل أساسي لنمائها وتطورها لتاخذ مكانتها الطبيعة داخل مؤسسات الدولة والمجتمع بناء على جهوية موسعة حقيقية وفعالة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News