حوارات | فن

فضل الله: فن الإنشاد ما يزال صامدا وغياب الدعم يدفع بعض ممتهنيه لتغيير المسار للشهرة

فضل الله: فن الإنشاد ما يزال صامدا وغياب الدعم يدفع بعض ممتهنيه لتغيير المسار للشهرة

يحضر “فن الإنشاد” في عدد من المناسبات المغربية المهمة، ويجد أيضا مساحته في شاشات التلفزيون الرسمي، خلال الأعياد الوطنية، وكذا في أمسيات رمضان، لكننا مازلنا لا نصنع نجوما فيه كسائر الأنماط الفنية الأخرى، بخلاف بعض الدول العربية، حيث يحظى المنشدون بقاعدة جماهيرية واسعة.

في هذا الحوار مع المنشد المغربي عبد اللطيف فضل الله، تحاول جريدة “مدار21” تسليط الضوء على وضعية هذا الفن، وكذا نظرة الجهات الرسمية إليه، في ظل إخفاق إدماجه في الحياة الفنية، وتغييب الدعم عن ممتهنيه، رغم ما يحمل في طياته من رسائل إيجابية.

بداية، كيف ولجت إلى ميدان الإنشاد؟

بسم الله الرحمن الرحيم. أولا لم ألج المجال اختياريا، بل وجدت نفسي منخرطا في الميدان، ذلك أن الفن هبة من الله يهبه لمن يشاء، فلله الحمد والشكر على منه وفضله، وبالطبع فإن الموهبة وحدها لا تكفي، إذ لابد من صقلها والعمل الدائم على تطويرها.

فقد ولجت فن الإنشاد دون استئذان وأنا في سن صغيرة، حيث إنني ترعرعت وسط عائلة محافظة مولعة بمدارس الإنشاد مشرقية كانت أو مغربية، فتأسس سمعي على سماع فرق إنشاد حلب السورية من الإخوة أبو شعر والمطرب صباح فخري، وفرقة المشاريع اللبنانية والمشايخ من أمثال الشيخ محمد عمران والشيخ المنشاوي والشيخ الفشني، وكنت أكثر استماعا وتأثرا بصوت رشيد غلام المغربي، الذي كان يجمع بين الطابع المغربي الأصيل والمشرقي الطروب.

كنت أنشط صغيرا في الجمعيات الثقافية ودور الشباب، وكنت عضوا في “كورال” إنشادي للبراعم بمكناس. وفي سنتي الثالثة إعدادي أسسنا فرقة إنشادية على مستوى المؤسسة وأحيينا العديد من الأنشطة الفنية من أعياد دينية ووطنية داخل المؤسسة وخارجها، وشاركنا كذلك في مسابقات تهتم بالمجال وفزنا بالعديد منها، وهنا بدأ اسمي يأخذ مساره ويشق طريقه رويدا رويدا. التحقت بعد ذلك بمجموعة السلام التي كان لها صيتا محترما في مكناس ونواحيها، وكانت مرحلة مهمة بالنسبة لي، إذ شكل الاحتكاك المباشر بقدماء الميدان وأساتذة الموسيقى، فتعلمت الكثير على أيديهم، وتدرجت صعودا في المسار الفني.

لماذا اخترت هذا النمط؟

اخترت فن الإنشاد لقوة رسالته وأصالة مضمونه، إذ إن الإنشاد له إطار ورؤية واضحة ومشروعية دينية، وقد أعطى الدين الإسلامي كامل الاهتمام لهذا المجال الذي يعد واجهة مؤثرة وحاضرا في ساحة الحضارة العربية والإسلامية، ومعززا كذلك لثقافته وهويته.

واختيار هذا الفن يجعلك تنشط داخل مساحة واسعة من المباح والحسن والابتعاد عن الشبهات من غناء الكلام الساقط والمائع الذي لا معنى له، أو التغني بقضايا وهمية لا فائدة منها ترجى ولا أثر لها في الواقع، لأن المشتغل في هذا المجال له غاية ينشدها ويسعى لبثها في النّاس مثل نشر مكارم الأخلاق، وكذلك مخاطبة الروح وما فيها من أحاسيس جمالية يعبّر بها عبر الفن، وإلى غير ذلك من المعاني الإيجابية التي تخدم مشروع الرسالة الإسلامية السمحاء.

ما قدوتك في الميدان؟

الميدان غني بفنانين من طراز رفيع وأصوات ستبقى خالدة مهما طال الزمن، من هذه الأصوات من انتقل إلى جوار ربه، وماتزال ذكراه تخلد في الأذهان بما تركوه من فن جميل، وقدوتي فيهم الشيخ محمد عمران رحمه الله، ومنهم كذلك من ينتظر أطال الله في عمرهم جميعا، وقدوتي فيهم الفنان القدير رشيد غلام حفظه الله وبارك فيه.

هل هناك إقبال على الإنشاد في الحفلات والمناسبات المغربية؟

الحمد لله. ثمة شريحة واسعة من المجتمع تقدر الإنشاد وأهله، وهناك طلبات كثيرة على المجموعات الإنشادية لإحياء المناسبات الخاصة من أعراس، وعقيقة، وأفراح، وغيرها. لكن وجب أن يخرج هذا الاهتمام من إطار اجتهاد الأفراد إلى اهتمام المؤسسات الرسمية، حيث لوحظ في الآونة الأخيرة تهميش هذا الفن، وإنزال محله فنون أخرى تتماشى مع متطلبات السوق، اللهم في بعض المناسبات الدينية هنا وهناك. الفن لم يكن يوما سلعة تعرض في الأسواق ليلبي حاجيات المستهلك، وإنما له ضوابط وأصول ترفع من مستوى الذائقة الفنية لدى الأفراد وليس العكس، لأنه ببساطة ليس بضاعة، بل إبداعا.

هل ترى أن فن الإنشاد الديني وجد لنفسه موطئ قدم في الساحة الفنية؟

منذ زمن والساحة الفنية تعج بتقلبات وتضاربات ودخول أشكال وأنواع من الفنون وخروج أخرى، واكتساح هذه وضعف تلك، وسط كل هذا الصراع ظل فن الإنشاد صامدا محافظا على وجوده، وإن تنوّع وتجدّد في بعض تشكيلاته وأساليبه، فإنه لم يبق حبيس قوالبه القديمة، ولم ينجر نحو التخلي عن لبه وروحه تماشيا مع ما تفرضه الساحة.

هل تتلقون الدعم من القطاع الوصي؟

ليست لدي أدنى فكرة عن دعم الإنشاد من جهة رسمية، وشخصيا لم أتلق أي دعم منذ بدايتي إلى حدود اليوم.

هل ترى الحاجة إلى تنظيم مهرجانات خاصة بهذا النمط خارج المناسبات الدينية على غرار باقي المهرجانات التي تنظم بشكل مستمر؟

سيكون من المفيد جدا الإكثار من تنظيم مهرجانات الإنشاد، فهذا سيزيد من فرصة تعارف الناس عليه، واكتشاف جماله وأسراره، وسيساعد أيضا على اكتشاف أصوات جميلة وطاقات رائدة لم تسنح لها فرصة الظهور من قبل. إن الكثير من الأصوات الجميلة تبدأ مسارها في الإنشاد وتصطدم بواقعه المر، حيث لا دعم ولا تشجيع وتضطر إلى تغيير المسار بحثا عن الدعم والشهرة. وهذا من مخلفات تهميش فن الإنشاد في مقابل دعم أنماط أخرى.

تشارك مقطوعات لك على موقع “إنستغرام”. كيف هي الأصداء التي تصلك؟

إن موقع “إنستغرام” خصوصا، ومواقع التواصل الاجتماعي عموما، من بين الفلتات التي خرجت عن سيطرة الرسمية وأعطت للفرد حق الاختيار عن قناعة. ففي غياب الاهتمام والدعم الرسمي يبقى لنا المجال مفتوحا في هذه المواقع للتواصل مع شرائح مجتمعية مهمة، وعند كل مقطع ينشر أجد من الردود الإيجابية والتعليقات الجميلة ما يدفعني للأمام ويشجع على المضي قدما في هذا الطريق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News