فن

الدراما المغربية في التلفزيون العمومي.. مرآة تعكس واقع المجتمع أم سلاح يهدد منظومة القيم؟

الدراما المغربية في التلفزيون العمومي.. مرآة تعكس واقع المجتمع أم سلاح يهدد منظومة القيم؟

تثير الأعمال الدرامية المغربية المعروضة على شاشتي القناتين العموميتين الأولى والثانية قلق بعض المغاربة، إذ تبثان مسلسلات تتناول مواضيع “جريئة” في نظرهم، من شأنها أن تزعزع المنظومة القيمية والأخلاقية للمجتمع المغربي.

ويؤكد هؤلاء أن مثل هذه المسلسلات تدعو إلى “التطبيع” مع سلوكات غربية ودخيلة على مجتمعنا، في المقابل، يرى آخرون أن هاته الأعمال مرآة تعكس الواقع المغربي المعاش.

هذا الحديث فرضه الجدل الذي خلقه المسلسلان الدراميان “جوديا” و”بغيت حياتك” على مواقع التواصل الاجتماعي، إثر تداول مشاهد من حلقاتهما وصفت بـ”المستفزة” و”الخادشة” لحياء المغاربة، و”تمس” مشاعرهم وقيمهم و”تسيء” إليها.

غضب وانتقادات

تلقى مسلسل “بغيت حياتك”، الذي انطلق عرضه مطلع شهر نونبر الماضي عبر شاشة القناة الثانية، سيلا من الانتقادات من قبل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، بدعوى أنه يتناول مواضيع “جريئة” لا تجوز مشاهدتها على التلفاز، حسب رأيهم.

ووجهت اتهامات كثيرة إلى صناع المسلسل، من قبيل “التشجيع” على الانحلال الأخلاقي، وعرض لقطات لا تتناسب مع قيم المجتمع المغربي، مما جعل الممثلات سامية أقريو وسلوى زرهان والسعدية لديب، المشاركات في العمل، ينلن النصيب الأكبر من الهجوم، حيث إن دورهن، وفق النشطاء، كان “جريئا”.

وقال أحد المنتقدين للمشاهد: “كونوا متأكدين أن عرض هذه المواضيع سياسة للترويج للعلاقات الشادة، الهدف منها تعود المشاهد على مثل هاته الأمور في الواقع، فنسمع خيانة الأخ لأخيه أو أخت لأختها او البنت لخالتها.. وباقي المحرمات سياسة”.

وعلقت ناشطة: “هذه الأعمال ليست للعائلات، ترديد مصطلحات تحمل إيحاءات جنسية، ومشاهد لا تتناسب مع عرضها في التلفزيون العمومي”.

والمسلسل من إخراج شوقي العوفير، فيما كتبت كل من سامية أقريو ونورا الصقلي وجواد الحلو السيناريو الخاص به، وتكلفت شركة نبيل عيوش بإنتاجه.

ومسلسل “بغيت حياتك” عبارة عن بطولة جماعية تضم مجموعة من الممثلين المغاربة، ويتناول قضايا اجتماعية في قالب درامي، لعدد من الشخصيات التي على الرغم من اختلاف قصصها، إلا أنها تواجه المصير نفسه بأحداث مشتركة.

ويشارك في المسلسل المذكور، ثلة من الممثلين من بينهم ساندية تاج الدين، وعبد الله ديدان، وعزيز الحطاب، ونورة الصقلي، ومريم الزعيمي، وناصر أقباب، وكريمة غيث وهند السعديدي، وسامية أقريو، وسلوى زرهان.

ويأتي هذا المسلسل ضمن باقة الأعمال التي خصصت للعرض خارج السباق الرمضاني، في إطار البرمجة الجديدة التي أصبحت تعتمدها جل القنوات في السنوات الأخيرة.

بدوره مسلسل “جوديا”، الذي يعرض عبر القناة الأولى، واجه انتقادات شرسة من قبل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب ظهور بطلته ابتسام العروسي ترقص في مشهد وصف بـ”الجريئ” و”الخادش” للحياء، عادين أنه لا يتناسب مع الخط الدرامي التلفزيوني، باعتبار أن القناة تشاهدها العائلات المغربية، التي لا تقبل مثل هاته المشاهد.

وتدور قصة الفيلم حول فتاة تسعى إلى الانتقام بعدما تنقلب حياتها رأسا على عقب بسبب وفاة والدتها، التي تبوح لها بسر وتترك لها وصية تطالبها فيها بالانتقام من أشخاص اعتدوا عليها في الماضي، لتقرر بطلة المسلسل خوض هذه الرحلة، مشيرة إلى أن الأحداث ستكون مليئة بالتشويق والإثارة.

وانطلق عرض مسلسل “جوديا”، بعدما تقرر عدم بثه خلال شهر رمضان المنصرم، بناء على البرمجة الجديدة التي أصبحت تعتمدها القناة الأولى.

وجاء في تعليق أحد النشطاء: “أرادوا زرع المنكر داخل البيوت بطريقة ذكية لإنتاج جيل جديد يُطبع مع كل ماهو غير أخلاقي، المشكلة هي شريحة كبيرة من الأطفال يشاهدون هذا الخبث مع أمهاتهم وأبائهم وهنا تبدأ الكارثة الطفل ينغمس في هذا العهر، احذروا من جيل قادم راقبوا أطفالكم من أن تصبح مثل هاته المشاهد عادية بالنسبة لهم”.

وقال ناشط آخر: “التشجيع على الانحطاط، ومحاربة قيم المغاربة من خلال هذه الأعمال التي تبث في قنواتنا وتدخل بيوتنا، وتحمل في طياتها العديد من الرسائل التي تدعو إلى الانحلال والتصالح مع قيم الغرب”.

الكنبوري: المسلسلات الدرامية المغربية في التلفزيون العمومي يسيطر عليها اليوم “التيار التغريبي”

تعليقا على هذا الموضوع، قال الباحث الأكاديمي والمتخصص في الفكر الإسلامي إدريس الكنبوري، إن “الدراما المغربية التلفزية، وكذا السينما، يسيطر عليهما الآن ما وصفه بـ”التيار التغريبي”، أي توغل القيم الغربية عن طريق بعض الجهات والتيارات، التي تطمح إلى ترسيخ هذه القيم في المجتمع المغربي من خلال الأعمال الدرامية”.

ويرى الكنبوري، في تصريح لجريدة “مدار21″، أن “الدراما المغربية أصبحت تريد الالتحاق باليوتيوب ومسايرة النزعات الشبابية التي تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي، مردفا في هذا الصدد: “لم نعد نلمس الفرق بينهما، على الرغم من أن التلفزة عبارة عن قناة عمومية توجه إلى عموم المغاربة، وبالتالي تعبر عن الخط الرسمي، وعن الهوية والقيم المغربية المتفق بشأنها، بخلاف مواقع التواصل الاجتماعي التي ليس لها رقيب ولا تخضع للمحاسبة، لذا فهي خارج النطاق الرسمي، وخارج المرجعية الثقافية والقيمية المجمع عليها”.

وأشار الباحث ذاته، إلى أن القائمين على الدراما المغربية “لا يميزون بين القنوات العمومية، ومواقع التواصل الاجتماعي”، مؤكدا أن “هدفهم مسايرة موجات الشباب في المواقع الافتراضية وموقع يوتيوب، بالإضافة إلى تدخل جهات أجنبية كفرنسا، إلى جانب الرغبة في تحقيق أكبر نسبة من الانتشار واستقطاب الشباب بتبني الأسلوب ذاته الذي يطغى في الشارع بدعوى أن هذه الأعمال الدرامية تعكس الواقع”، وفق تصريحه.

وشدد المتحدث ذاته، على أن “الأعمال الدرامية دائما ما كانت تعكس الواقع، حيث إن وظيفة الفن لا تكمن في عكس الواقع فقط، بل إن الفن له أسلوبه وطريقته في مخاطبة الناس، وعليه أن يدافع عن قيمه”.

وعن وقع هذه الأعمال على الشباب، أكد الكنبوري أنه “من شأنها أن تؤثر في المغاربة، بشكل سلبي، من خلال إدخال بعض العبارات الساقطة، والمشاهد المخلة بالحياء إلى البيت، مما أصبح يثير القلق”، مضيفا: “ذلك يؤثر أيضا في الذوق الفني وبينة الأسرة وأخلاقها، ففي الوقت الذي كان الناس يشتكون فيه من هجمة الأعمال المكسيكية والتركية ويرفضونها، اتجهت الدراما المغربية إلى تقليدها ونسخها في التلفزة العمومية”.

نشطاء: مسلسلات تعكس الواقع

في المقابل، دافع فريق آخر عن مسلسل “بغيت حياتك” لكونه أخذ النصيب الأكبر من النقاش داخل مواقع التواصل الاجتماعي، عادين قصصه مستوحاة من الواقع، وأن الفن من شأنه مناقشة جميع المواضيع.

وجاء في تعليق إحدى المتابعات: “فيلم وسيناريو جميل وينطبق على ما نشاهده في الواقع، ومن قال إنه يشاهده رفقة أسرته في المنزل، هذا اسمه مسلسل وليست “الرسالة” كي يكون خاليا من اللقطات غير الخادشة، أما بالنسبة للممثلين هذه أدوارهم وعليهم تجسيد الشخصيات كما هي، ولا يعني أنها تعكس شخصياتهم الحقيقية”.

وعلق متابع آخر بالقول: “مسلسل رائع وينقل الواقع، وما خفي كان أعظم”.

وقال شخص آخر: “لا ترغبون في رؤية وجوهكم في المرآة، المسلسل يحكي قضايا من عمق واقعنا، وينقل صورة حية من قلب منازل العديد من الأسر، التي لا نقبلها في الأعمال التمثيلية ونُطبع معها في الواقع”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News