مجتمع

دراسة لمجلس “بوعياش”: تزويج القاصرات تحول إلى قاعدة والمحاكم تراه حلا للفقر والهشاشة

دراسة لمجلس “بوعياش”: تزويج القاصرات تحول إلى قاعدة والمحاكم تراه حلا للفقر والهشاشة

أكدت خلاصات دراسة، أنجزها المجلس الوطني لحقوق الإنسان مع صندوق الأمم المتحدة للسكان بالمغرب، حول تزويج الطفلات، في سياق الاحتفاء بالأيام العالمية لمناهضة العنف، أن “تزويج الطفلات تحول مـن استثناء إلى قاعدة بسـبب ارتفاع نسـب الاسـتجابة إلى الطلبات المقدمة إلى المحاكم”، مشيرة إلى أن المبررات التـي “تعتمد عليهـا المحاكـم تركـز بشـكل كبيـر علـى الظـروف الاجتماعيـة والاقتصاديـة بحيـث يبـدو وكأن الهـدف مـن تزويـج الطفلـة هـو إيجاد حل آنـي لمشـاكل الفقـر والهشاشـة والتسـرب المدرسـي”.

وقالت الدراسة نفسها إن “مدونة الأسرة لم تحط تزويج الأطفال أو القاصرين بضمانات قوية”، مشيرة إلى ثغرات، من قبيل “عدم التنصيص على سن أدنى للزواج، وعدم التنصيص على الزامية الجمع بين البحت الاجتماعي والخبرة الطبية، واغفال الطرف الراشد الراغب في الارتباط بطفلة قاصر حيث يبدو أجنبيا على مسطرة الاذن بزواج قاصر”.

إضافة إلى ذلك يوجد من بين الثغرات كذلك “عدم التنصيص على الاستماع للطفل (ة)، وعدم تحديد مفهوم المصلحة، وعـدم الزاميـة احتـرام مقتضيـات المـواد 20 و21 مـن مدونـة الأسـرة، بإمكانيـة الالتفـاف عليهـا مـن خـلال مسـطرة ثبـوت الزوجيـة (المادة 16) والتـي تـم تمديـد نطاقهـا رغـم انتهـاء الأجـل القانونـي مـن خـلال قـرار محكمـة النقـض اعتمـادا علـى الفقـه المالكـي.

وفي تقديمها لهذه الدراسة، أفادت أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الدراسة، أن الدراسة تقدم اعتبارات قانونية لظاهرة تزويج الطفلات، من خلال مجموعة من المستويات الأول معياري مفاهيمي، والثاني ترافعي، والثالث يهم إذكاء الوعـي الحقوقـي وفي إعادة النظر في المعاييـر الاجتماعية الحمائية للطفولة.

وتسائلت بوعياش عن مستوى ووثيرة إنجاز السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة (2015-2025) وبشكل خاص الهدف الاستراتيجي الرابع المتعلق بالنهوض بالمعايير الاجتماعية لحماية الأطفال الذي يتشكل من ستة أهداف فرعية تسير كلها في اتجاه النهوض بهذه المعايير الاجتماعية وبتشبع كل المتدخلين بثقافة حقوق الطفل.

ولاحـظت الدراسة غيـاب المعطيـات المتعلقـة بالصحـة الإنجابيـة فـي معالجـة طلبـات تزويـج الأطفـال، فالأسـئلة التـي توجـه الـى الطفـلات غالبـا مـا تركـز علـى تاريـخ صيـام رمضـان كمؤشـر لمعرفـة تاريـخ وصـول الطفلـة الى سـن البلـوغ، فـي المقابـل يلاحـظ عـدم إعطـاء أي معلومـات للطفلـة حـول مخاطـر الـزواج المبكـر ومخاطـر الحمـل المبكـر سـواء مـن طـرف القضـاء أو المسـاعدين الاجتماعييـن.

وكشفت الدراسة أن بعض الأذون القضائية تركز على معياري السن والمظهر الخارجي للبت في الطلبات المقدمة الى المحاكم، ملاحظة فـي عـدة حالات الاسـتغناء عـن اجـراء الخبـرة الطبيـة لتجنيب الأطـراف مصاريـف إضافيـة خاصة إذا كانـوا ينتمـون الى فئات هشـة، وعـدم اعمـال مسـطرة المسـاعدة القضائيـة سـواء بالنسـبة للاعفـاء مـن مصاريـف الدعـوى أو تعييـن محام.

كما لاحـظت الدراسة وجـود تفـاوت كبيـر بيـن المحاكـم فـي تقديـر المبـررات المعتمـدة لقبـول طلبـات تزويـج الطفـلات خاصـة مـا يتعلـق بحالة الفتيات اللواتي تعرضن الى حمل خارج إطار مؤسسـة الـزواج، أو تعرضن للاغتصاب، ومـا يسـهم فـي طـرح هـذا الاشـكال هـو عـدم الاعتـراف القانونـي بالأطفـال المزداديـن نتيجـة اغتصـاب أو تغريـر بقاصـر واسـتمرار تجريم الإيقـاف الارادي للحمـل وتضييق إمكانيـة اللجوء الى الإجهـاض الآمن في الحالـة التـي يشـكل فيها خطـرا على صحـة الفتاة؟

وأبرزت الدراسة أن تعـارض المقتضيـات القانونية بين مدونة الأسـرة والقانـون الجنائـي فـي عـدة حـالات أدى إلـى افـلات المغتصبيـن مـن العقاب، ملاحظة ضعـف إعمـال مقاربـة النوع الاجتماعـي في أقسـام قضاء الأسـرة، فغالبية القضـاة المكلفيـن بالزواج هم ذكور، كما أن الحضور المتزايد للقاضيات على مسـتوى محاكم الموضوع وخاصة أقسـام قضاء الأسـرة، لا ينعكـس علـى مسـتوى غرفة الأحوال الشـخصية والميراث فـي محكمة النقض.

ولاحـظت الدراسة ضعـف الاسـتدلال بالاتفاقيـات الدوليـة فـي صياغـة الأذون المتعلقـة بتزويـج القاصـرات، وقـد وقفـت المقابـلات التـي تـم اجراؤهـا علـى عـدم وجـود تخصـص داخـل المعهـد العالـي للقضـاء لتكويـن قضـاة أقسـام قضـاء الأسـرة (رغـم تدريـس مدونـة الأسـرة) علـى خـلاف التكويـن التخصصـي الـذي يتيحـه المعهـد لفائـدة قضـاة المحاكـم الإداريـة والتجاريـة.

ويوجـد، وفق الدراسة، خصـاص علـى مسـتوى المـوارد البشـرية العاملـة فـي أقسـام قضـاء الأسـرة، وهـو مـا ينعكـس بشـكل كبيـر علـى عـدد الإجـراءات التـي يتـم إنجازهـا وعلـى أمـد البـت في هـذه الملفـات والتـي لا تتجـاوز في كثيـر مـن الأحيـان يومـا واحـدا.

وأكدت الدراسة أنه كلمـا تشـددت المحاكـم فـي الاسـتجابة الـى طلبـات تزويـج الأطفـال بإضافة شـروط جديـدة أو في تدقيـق الإجـراءات للتأكـد مـن جديـة الطلبـات المقدمـة اليهـا، إلا وانعكـس ذلـك سـلبا علـى وضعيـة الطفـلات حيـث يلجـأ عدد مـن أولياء الأمور الى الاحجام عن تتبع المسـطرة القضائية، والاكتفاء بإبـرام زواج الفاتحة، وهـو زواج لا يمنعـه القانـون، بـل يلاحـظ وجود اتجاه للتسـاهل معـه حماية لمصلحـة الفتيات بعـد الانجاب.

وأشارت الدراسة إلى أن اسـتمرار تمييـز المشـرع بين البنوة الشـرعية والبنوة غير الشـرعية وتضييق أعمال الخبـرة الجينية بضرورة اثبـات «الـزواج» أو «الشـبهة» يعتبـر مـن بيـن العوامـل غيـر المباشـرة التـي تـؤدي الـى تسـاهل القضـاء فـي الاعتـراف بتزويـج الأطفـال الـذي يتـم بشـكل غيـر قانونـي عـن طريـق زواج الفاتحـة.

ورغـم تجريـم المشـرع للإكـراه علـى الـزواج فـي قانون محاربـة العنف ضـد النسـاء، إلا أن هـذا المقتضـى، وحسب الدراسة، يبقى معطـلا، حيـث تؤكـد احصائيـات رئاسـة النيابـة العامـة نـدرة اعمالـه علـى أرض الواقع، علمـا بأن القانـون يقيد تحريـك المتابعـة في قضايا الاكراه على الزواج بضرورة تقديم شـكاية، ويجعل سـحبها سـببا لسـقوط الدعوى العموميـة حتـى وان تعلـق الامـر بضحيـة قاصـر، وهـو مـا يعرضهـا لشـتى أنـواع الضغوطـات المعنويـة لعـدم التبليـغ أو التراجـع فـي حالـة التبليغ.

ومـا تزال العديـد من المقـررات القضائيـة، وفق الدراسة، تعتمـد علـى الأعـراف المحليـة لتبريـر الأذون المتعلقـة بتزويـج الطفـلات، وهـو مـا يفرض ضرورة اسـتحضار العوامـل القانونية والعوامل السوسـيوثقافية فـي مواجهة هذه الظاهـرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News