رأي

الشرقاوي: خطاب عيد العرش استشراف للتسوية التاريخية بالمنطقة المغاربية

الشرقاوي: خطاب عيد العرش استشراف للتسوية التاريخية بالمنطقة المغاربية

جاء الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 22 لعيد العرش في  مرحلة دقيقة تعيشها العلاقات المغربية الجزائرية والتي ارتفع فيها منسوب التوترات الإعلامية و الدبلوماسية و الذي يتضمن مجموعة من الجوانب القيمية بالوعي بالواقع الجماعي و يشكل بالتالي تفكيك للواقع الوعي الجماعي من العقيدة المشتركة التي تغديها الآمال، المخاوف، الآلام و التطلعات و المشاعر المختلفة في كلا البلدين . الخطاب الملكي الذي يمكن اعتباره ذا حمولة سياسية بالغة الأهمية  قدم نهج متكامل و متعدد الأبعاد للرفع من محددات قوة الاستقرار و الأمن في المنطقة المغاربية. في نفس الإتجاه، الخطاب الملكي جاء ليعطي اجوبة و حلول واضحة المعالم امام التحولات التي تعرفها المنطقة برمتها و التي تستوجب خلق آليات الاستجابة الأمنية،  الاقتصادية و السياسية بين البلدين على اعتبار التحدي الكبير الذي تعرفه منطقة شمال أفريقيا والساحل الافريقي و جنوب الصحراء و التي تعرف تنامي عوامل و فواعل اللا استقرار.  الخطاب الملكي أعاد التأكيد على وجوب التمسك بالمصير المشترك و بالوحدة المغاربية   و استقرارها خاصة العلاقات الثنائية بين الشعبين المغربي و الجزائري والتي تبقى محورية في بناء هذا الصرح و الحلم المغاربي. هذه الآفاق  تتطلب رسم خارطة طريق واضحة لبناء علاقات متينة وقوية و التي كذلك تتطلب وعي جماعي للقيادة السياسية للبلدين  من أجل مجابهة التحديات الراهنة على اعتبار اهمية تذويب وتجاوز الخلافات القديمة- الجديدة. هذه المبادرة الملكية و التي يمكن اعتبارها ذات أهمية إستراتيجية في التعبير و ترجمة التلاحم، المفترض أن يكون بين بلدين تجمعهما محددات  الجغرافية، التاريخ و البناء المستقبلي للمجال جيوسياسي حيوي، يذكرنا بخطاب جلالة  الملك بمناسبة الذكرى الـ43 لذكرى المسيرة الخضراء سنة 2018 عندما تم اقتراح آلية مشتركة للحوار المباشر بين البلدين، و ان جلالته مستعد لمقترحات الجزائريين لتجاوز الخلافات الظرفية و الموضوعية التي تعيق تقدم البلدين. ما هو مثير للانتباه الاستراتيجي في قراءة هذه الرسائل  أنها اليوم تأتي في سياقات جيوسياسية و جيواستراتيجية  خاصة بعد الاعتراف الأمريكي بسيادة المملكة المغربية على اقاليمها الجنوبية و فتح 23 دولة  لقنصليات عامة في مدينتي الداخلة و العيون و هذه رسائل وإشارات واضحة   جَبَتّ كل محددات موازين القوى في المنطقة  .

في نفس السياق،   الخطاب الملكي تضمن  عدة إشارات بالغة الأهمية لا تخطأها العين أو حتى القراءات الاستراتيجية  بأن محددات القوة الاستراتيجية للمملكة، و التي عرفت تطورا ملحوظا عسكريا و اقتصاديا في الآونة الاخيرة ، تبقى رهنة إشارة الدولة الجزائرية في التقويم المشترك و مواجهة التحديات الأمنية المشتركة التي تعرفها المنطقة برمتها و هو ما أكده الخطاب على أن البلدين جسم واحد و توأم في القوة و استشراف حركية الواقع و المستقبل.

و من تم،  فإن الخطاب الملكي يمكن اعتباره براغماتي- بنائي يروم من جهة  إلى معالجة المشاكل التي تعيق اندماج البلدين في سياسة ثنائية قوامها الصدق و رفع منسوب الثقة و التعاون و التكامل الذي يبقى أساس البناء الجماعي لما فيه مصلحة الشعبين و البلدين و من جهة اخرى تأسيس جديد-قديم للوعي و العمل السياسي المغاربي المشترك. على اعتبار التحديات التي تواجهها الجزائر، اعتبر جلالة الملك أن أمن الجزائر من أمن المغرب و ان استقرار المغرب من استقرار الجزائر و هي رسائل واضحة من أجل إغلاق كل قوس الذي تم فتحه من طرف وسائل الإعلام الجزائرية بالنسبة للوحدة الترابية الجزائرية.

في هذا الصدد، هناك خطوط جديدة رسمها الخطاب الملكي و التي تبقى ذات أهمية كبرى في رسم لوحة استشراف التسوية التاريخية و عائدات  التنمية و الاستقرار ليس  فقط في المغرب  و الجزائر ولكن في المنطقة المغاربية برمتها؛  و من تم فهي  تقتل في المهد كل محاولات بعض الأطراف الخارجية التي تناور و تريد تسميم العلاقات الثنائية بين البلدين .

و بالتالي، فأمام الهزات و الأزمة التي تعرفها العلاقات الثنائية بين البلدين يمكن اعتبار الرسائل المتضمنة في الخطاب الملكي صمام أمان استقرار العلاقات الثنائية ويمكن توقع أن هذه الرسائل سيكون لها صدى إيجابي عند المنتظم الدولي و لا يمكن استثناء وقعها الإيجابي على الشعب الجزائري.  و من تم فإن الكرة الان في ملعب الدولة الجزائرية المطالبة بالمساهمة في فتح صفحة جديدة أساسها  التعاون، التضامن والتكامل في المنطقة المغاربية بدل الانجرار وراء حسابات جيوسياسية فارغة أصبحت دون جدوى عمليا و استراتيجيا.

 

خبير في الدراسات الجيواستراتيجية و الأمنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News