رأي

المعارضة البرلمانية.. الموقع الاضطراري

المعارضة البرلمانية.. الموقع الاضطراري

لحدود الساعة لم تستوعب النخبة السياسية غاية المشرع الدستوري في إقحام مكانة وحقوق المعارضة البرلمانية في صلب الوثيقة الدستورية، وتفريد الفصل العاشر من الدستور للمعارضة البرلمانية داخل باب الأحكام العامة. ولم تستوعب بعد أن الدولة تسير بجناحين؛ جناح الأغلبية وجناح المعارضة، هذا الأخير ليس بالموقع الاضطراري، بل موقع مبني على قناعة واختيار سابق على مخرجات التفاوض والتحالف الحكومي.

النخبة السياسية لا تنظر لموقع المعارضة بعين الرضى والقبول، وإنما موقعا خاليا من الغنائم الذي قد يُدِرّه التواجد داخل الحكومة والأغلبية البرلمانية، وهو ما يفسر التهافت والطموح من أجل التواجد داخل الائتلاف الحكومي من طرف الأحزاب السياسية.

وعي النخبة السياسية حول موقع المعارضة مؤسّس على أنه موقع عقابي غير مثمر، لذلك منذ البداية ومع ظهور أصوات تؤكد أن المكان الطبيعي حاليا لحزب الأصالة والمعاصرة هو المعارضة، أكد هذا الأخير على أن هذه الأصوات مجانبة للصواب. نفس الأمر على مستوى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي يسعى جاهدا ليضع قدمه في الحكومة. أما حزبا الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري لحدود كتابة هذه الأسطر لم يعلنا اختيارتهما، بالرغم أن رئيس الحكومة المعين لتشكيل الحكومة أعلن عن الائتلاف الحكومي، والمكون من حزب التجمع الوطني للاحرار وحزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال.

لا يكفي وضع مقتضيات دستورية متقدمة تؤسّس لوضعية اعتبارية للمعارضة، بل ينبغي وجود نخبة سياسية قادرة على استيعاب ما يقتضيه ويفرضه الاصطفاف في المعارضة، كموقع اعتباري وكعين يقظة تبسط رقابتها على أعمال الحكومة، ومنبّه للرأي العام في كل مناسبة تخرج فيه الحكومة عن جادة الصواب.

النفور من موقع المعارضة وتمثلات النخبة السياسية حوله، تشي بعدم استيعاب فصول الدستور ومقاصد المشرع الدستوري رغم انصرام العشرية الأولى من دخول الوثيقة الدستورية حيز النفاذ والتطبيق، وتشكيل الحكومة الثالثة.

لربما في ظل غياب التمكين الدستوري للمعارضة البرلمانية من خلال ما خوله لها الدستور من حقوق واليات، قبل سنة 2011، كانت المعارضة أقوى مما عليه الآن وبفضل التموقع في المعارضة وخطابه استطاع حزب العدالة والتنمية تبوّؤ الصدارة على التوالي خلال الاستحقاقات التشريعية لسنتي 2011 و2016 واقناع الناخبين بأحقيته في تدبير الشأن العام. إن المعارضة البرلمانية تظل قطب رحى عمل المؤسسة التشريعية، هذه الأخيرة التي تراجعت في ظل العقلنة البرلمانية وفي ظل التماهي بين الأغلبية البرلمانية والحكومة.

على النخبة السياسية أن تعي أن موقع المعارضة ليس موقعا للترف السياسي وقاعة لانتظار الاستحقاقات التشريعية، بل موقع لتقييم وتقويم ما قد يعتوِر العمل الحكومي من اختلالات، وتنبيه الرأي العام، وجعله مطّلعا على كل القضايا والملفّات.

تظل الوثيقة الدستورية بلا روح في غياب نخبة تبعث في فصولها حركية وحياة عن وعي مسبق وقناعة راسخة وتأويل يرنو لتثبيت دعائم المسار الديمقراطي وتحصين المُنجز.

-باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News