رأي

الشباب والتاتواج.. محاولة لفهم العلاقة

الشباب والتاتواج.. محاولة لفهم العلاقة

من منا يمكنه نسيان البدايات الأولى لمعاناة دولة الصين مع الوباء اللعين كورونا، كنا نسمع عن ذلك “وبمسافة نفسية بعيدة” عبر التلفاز أو عبر الوسائط الإلكترونية، كنا نشاهد الصينيين وهم بصدد تطبيق الوصفات الاحترازية الأولى لصد الوباء عبر إقرار المسافات، وضع الكمامات وباستعمال أدوات التعقيم، ونحن نشاهد ذلك كنا نعتقد، وباعتبار بعد المسافة التي تفصلنا عن الصين، كما لو أن الأمر يتعلق بمعاناتهم “هم” مع الوباء، وأننا نسبيا في منأى عما يقع لهم.

غير أنه وما إن مرت فترة زمنية قصيرة لم تكمل حتى الشهر تقريبا، حتى بدأنا نحس، وفي وضع أشبه ما يكون “بلعبة الدومينو المتحركة”، بأن الوباء قد اقترب من حوالينا وقرر واثقا طرق بابنا، مما يؤشر من جهة إلى القدر والسفينة المشتركة التي باتت تركب فيها البشرية جمعاء، حيث بدأ يختفي تدريجيا ذلكم التصنيف المتشكل من ثنائية “هم ونحن” ولكون العولمة قد بدأت تسهم ليس فقط في تقريب المسافات ولكن أيضا في تسريع انتقال وانتشار الظواهر الاجتماعية بشكل كبير.

ما نقوله عن كورونا، يمكن قوله عن العديد من المظاهر الاجتماعية التي قد تبتدئ غريبة إن لم نقل شاذة في بعض الأحيان، تم سرعان ما تبدأ في التمطط تدريجيا كنقطة زيت، لتحتل لها المكان والحيز الذي يناسبها من داخل المجتمع، أتذكر الطريقة الاستهزائية التي تم بها “استقبال” سراويل الجينز “المقطعة”، من شبه المؤكد أنه وفي أول لقاء مع الظاهرة في الشارع، يتم التعليق على الوجه التالي: آش هاد لعجب وهل انتفى الجينز من المحلات ولم يتبق غير هاته الخردات المقطعة؟. غير أنه ومع عناد وإصرار الموضة، تبدأ “هذه الصيحة” في احتلال المكان والحيز التي يناسبها عند عالم شبابنا، حتى لكأنك، قد تجد في بعض الأحيان، بعض المستهزئات به في البداية وهن يلبسنه “مذعنات” ومستسلمات لمنطق الوقت وضغط الموضة، نفس الأمر ينطبق على موضوع التاتواج حيث ابتدأ هذا الأخير على شكل كرة ثلج صغيرة غير أنها وبفعل التدحرج ورياح الوقت قد بدأت تكتسح بعض المساحات والمجالات داخل المجتمع.

حين بدأ هذا الأخير “يحكم قبضته” على بعض شبابنا وبناتنا، لم يكن غريبا أن نسمع، وكما هي عادتنا دائما في التفاعل مع الأمور المستجدة، بأن “التاتواج” قد خرج من عندنا ومن رحم هذا البلد، إذ وفي زمن غير بعيد من الآن، كان جزء من آبائنا وجداتنا، يتزين به على مستوى بعض أعضاء الجسد، وبالركون لنفس تقنية حفر الجلد “وصباغته” المعمول بها مع التاتواج حاليا، ولمن فاتها أو فاته رؤية ذلك من الجيل الحالي، فما عليه سوى أن يلقي نظرة على اليوتيب للتأكد من ذلك، بنفس الكيفية التي يتم التعامل بها مع الحناء كأداة وتقنية زينة تستعمل من طرف نسائنا وبناتنا في الوقت الحالي، حيث تعطي هذه الأخيرة جمالية ورونقا خاصا يكمل مأمورية الماكياج وتسعف المرأة أو الفتاة للظهور في أبهى الحلل سيما في الأعياد والأعراس أو في بعض المناسبات الخاصة.

وعلى عكس “أغراض التزين التكميلية” التي كان ُيلتجئ فيها إلى الحناء أو التاتواج، أصبح اللجوء إلى “خدمات” “التاتواج” في وقتنا الحاضر يأخذ أكثر من معنى، إذ بالإضافة إلى بعده التجميلي كما سلف الذكر، أصبح هذا الأخير ُيستعمل كوسيلة إبداعية ُيستعان بها إما لتصريف موقف من المواقف كالحب والشغف تجاه شيء معين، أو تصريف موقف “احتجاج أو رفض” تجاه قضية من القضايا المجتمعية أو السياسية الراهنة، بنفس الكيفية التي كان يتم التعامل بها مع  ما يسمى “بالكرافيتي”، حيث الجدران هي مساحة التعبير المستعملة بخصوص هذا “الفن” على عكس “التاتواج” الذي وجد ضالته التعبيرية من خلال الرسومات والحفر الذي يتم على مستوى جسد وجلد ” المبدع”.

ومع تفهمنا لهاته الطرق الإبداعية الجديدة المعتمدة لدى الشباب في التعبير عما يخالج أنفسهم، وبالركون إلى استعمال أدوات تعبيرية شخصية متمثلة في جلد الشاب أو الشابة، إلا أنه في تقديرنا وبحكم أن “الجسد” هو مسرح الإبداع، فيتعين أن يتم التعامل مع “هكذا إبداع” بنوع من الاحتراز والتروي، فكم من موضوع فقد أو يفقد راهنيته بين الفينة والأخرى، وقد يجد الشاب نفسه مع الأسف، سجين رسم أو خطاطة اختطها في “جلد لحمه” وقد يجد صعوبة في إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، بحكم أن النحت كان غائرا والتخلص منه ليست بالسهولة التي تصورها من قبل.. “نازلة التاتواج” قد تفيدنا وتذكرنا بالأهمية البالغة التي يكتسيها “عنصر المصالحة” بين الشاب وجسده، حيث يعتبر “الرضى عن الجسد” أحد المداخل الهامة لتحقيق الراحة النفسية، ولذلكم وعند التفكير في مباشرة “الفعل والإبداع التاتواجي” ُيستحسن الخروج من منطق الانفعال وإعمال نفس مقاربة الخياط في التعامل مع المقص، الإكثار من “الّتخمام” لا يمكن إلا أن يكون مفيدا في هذا الموضوع.

من جهة أخرى، من شبه المؤكد أن زجاج العولمة قد أتاح إمكانية التفاعل الكوني بين عوالم وبشر المنظومة الكونية، في خضم هذا التفاعل، مؤكد أننا كنا السبب في العديد من التغيرات الحاصلة عندهم (الغرب تحديدا)، اكتشاف رمضان ومزايا الصيام مثلا، التعريف ببعض التقاليد الموجودة عندنا، نفس الأمر ينطبق علينا من خلال ما يمكن أن نكون قد تحصلنا عليه منهم بفعل تلاقح الأفكار والعادات والتقاليد، الظاهر ربما يدفع في اتجاه أن من يتحكم  في العالم ويقوده، يُسوّق قيمه أكثر، من له النقد المرجعي الذي هو “الدولار” له سينما اسمها هوليود ومن يتحكم في حوالي 30 في المائة من الناتج الداخلي العالمي الخام، هو من له إمكانية تصريف قيمه أكثر، لأن المياه بطبيعتها تنحدر من المناطق العلوية نحو المناطق السفلية.

بحكم قوتهم، كم من أشياء قد تكون عندهم (الغرب) من دون طعم ولا رائحة، إلا أن استقبالها عندنا يكون بصدر رحب، بالمقابل، كم من أشياء ومظاهر وقيم قد تكون عندنا في منتهى الجمالية والروعة، إلا أن تخلفنا يجعلها تفقد معناها وحقيقتها. أفلم نسمع بالمقولة المعبرة “في الواقع المتخلف تنقلب أوضاع القيم”، المؤسف أنه وبذل أن نفهم هذا المدخل ونحاول جاهدين الاشتغال عليه من خلال تحسين أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لضمان تموقعنا في العالم وضمان إشعاعنا وقيمنا، تجدنا للأسف مصرين على البقاء في موقف “المتحسر النفسي” وفي تصريف نوع من “الخطاب الأخلاقي الشفهي” نتحسر به على “الوقت وما جاءت به” وعلى الأرض كيف يعاد حرثها من تحت أرجل بناتنا وشبابنا، علما بأنه إن كان علينا أن نتحسر على شيء، فلنتحسر على أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وعلى تعطيل عقولنا، لأنه السبب المركزي فيما نحن عليه من أحوال، فهل نتدارك الأمر؟ ذلكم هو السؤال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News