صحافة وإعلام

فلسطين تحت “المقصلة الزرقاء”.. دموع مُجَرّمة ورموز تواجه الإعدام مرّتين

فلسطين تحت “المقصلة الزرقاء”.. دموع مُجَرّمة ورموز تواجه الإعدام مرّتين

قد تكون مررت في الآونة الأخيرة بمنشورات على صفحات التواصل الاجتماعي كُتبت بعض عباراتها بأحرف متقطعة على شاكلة “ص.ه.يونية.” أو “الك.ي.ان الإسرا.ء ي لي ل.م.جر م ” أو “الاحت.لال الظ.ا.لم”. هذه التقطّعات البيانية هي حيلة البعض للإفلات من رقابة أكبر مدير نشر في العالم: فايسبوك.

منشورات وصفحات تعبّر عن الصوّت الفلسطيني وجدت نفسها مؤخرا عرضة للتقييد أو الحجب المؤقت أو الحظر بسبب تعاليق ومنشورات تندد باغتيال الاحتلال الإسرائيلي الصحافية شيرين أبو عاقلة صبحية الأربعاء 11 ماي 2022. في واجهة المنع، محاربة خطابات الكراهية والإرهاب، في خلفيته انحياز رقمي وسياسي للسرديّة الإسرائيلية لما يقع بتراب فلسطين.

“المحتوى الفلسطيني يعاني من تقييد شديد ورقابة عالية”، تقول الصحافية الفلسطينية، مجدولين حسونة، مشيرة، في تصريح لمدار 21، إلى أن المَصدَر الأوّل لهذه الرقابة هو “الاحتلال الإسرائيلي الذي ما زال يسن قوانين لمتابعة النشطاء الفلسطينيين وإغلاق صفحاتهم وصفحات النشطاء التي تفضح جرائمه”.

رقابة الاحتلال والسلطة

في حالات، تكون اجتهادات هذا “الناشر الخارق للعادة” في محلّها، وفي حالات أخرى، كما يحصل إزاء أكبر قضيّة لم تزل تقسّم العالم، احتلال فلسطين، قد يتصل الأمر بما يسميّه نشطاء “إعداما رقميّا”.

“خذ مثلا إنستغرام الذي يقيد الوصول إلى المحتوى الفلسطيني وغيره من مواقع التواصل”، تقول الصحافية الفلسطينية، ضاربة مثلا على ذلك بحملة إغلاق كبرى استهدفت “صفحات فلسطينية يتابعها ملايين وكان هذا ضمن سياسة ممنهجة لطمس الرواية الفلسطينية”.

مجدولين حسونة، صحافية فلسطينية

غير أن الرقابة لا تقف فقط عند تلك التي تفرضها سلطات الاحتلال وفقا لحسونة، بل تمتد “للرقابة التي تفرض السلطة الفلسطينية نفسها على محتوى الصفحات المعارضة لسياستها والتي تفضح فسادها”، مثيرة هنا تفعيل السلطة الفلسطينية ل”قانون الجرائم الإلكترونية الذي يحاسب الصحفي أو الناشط حتى على علامات الإعجاب (اللايك) أو على تعليقات تأتي على المنشورات لا علاقة له بها”

أبارتايد رقمي

نبيل عودة، المتخصص في الشؤون الدولية وسياسات الإنترنت، يرى في تصريح لمدار21،  أن “منصات التواصل الاجتماعي بمختلف مشاربها تمارس رقابة على المحتويات الفلسطينية بشكل كبير”، وذلك عبر وضع هذا المحتويات “تحت تصنيفات غير عادلة مثل الإرهاب والحض على الكراهية” .

ويفسر الكاتب الفلسطيني طريقة تعامل هذه المنصات المنحاز  مع وجهة النظر الفلسطينية بكون “هذه المنصات وليدة الثقافة الغربية التي تنظر إلى مقاومة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي من منظور الارهاب وليس من منظور الحق الشرعي في مقاومة الاحتلال”.

نبيل عودة، خبير في الشؤون الدولية وسياسات الإنترنت

في يونيو من العام الماضي، أطلق نشطاء من العالم العربي حملة باسم “فايسبوك يعدمنا” طالبوا عبرها بوقف “الإعدامات الرقمية العشوائية لأصحاب المحتوى العربي الآمن المسالم” أمام حركة تجريف غير مسبوقة لمنشورات مناصرة لفلسطين تزامنت مع عدوان الاحتلال.

“نحن أمام صورة من صور الأبرتايد الرقمي” يقول عودة في تصريحه لمدار21، متأسفا لكون هذا الوضع التمييزي لا “ينبع فقط من تحيزات فكرية وإنما من تحيزات خورزماتية. فقد أصبحت هذه الخوارزميات، بما تملكه من سلطة ترميز ( Coding) تحجب المحتوى الفلسطيني تلقائيا”.

الخبير بسياسات الانترنت يرى أيضا أن “هذه النظرة التميزية فيها تعسف كبير ضد نضالات الشعب الفلسطيني ومساهمة في طمس وتغييب الرواية الفلسطينية في الصراع”، منبها إلى المفارقة القائمة في الجانب المقابل حيث “لا تتعرض الرواية الاسرائيلية لمثل هذا التضيق وذلك نظرا لاعتبار أن إسرائيل تمارس حق الدفاع عن نفسها”.

مفاجآت 2016

هذه القيود المفروضة على الرواية الفلسطينية، سواء جاءت من خورازميّات فايسبوك أو استجابة لضغوط إسرائيلية، اشتدّت بدءا من 2016 في سياق متغيرات أخرى. ففي 2016، ستبرز خيارات سياسية ستربك حسابات العالم عنواناها دونالد ترامب في رئاسة أمريكا وبريطانيا خارج مقاعد الاتحاد الأوربي.

وجدت شبكة فايسبوك نفسها تحمل وزر تمزيق لحمة أوربا ودفع أمريكا لشبح حرب أهلية جديدة. تنبه العالم بشكل متأخر ساعتها أن هذه الشبكات توفر تربة خصيبة للتضليل ونشر الأكاذيب وبث الشك في النفوس.

سنتان بعد ذلك، سينشر فايسبوك دليل سياسة الرقابة المعتمدة في مواجهة “الأخبار الزائفة” والتلاعب بعقول ساكنة إمبراطوريته العتيدة ومن ضمنها الإعلان عن تشكيل “مجلس إشراف”، وهو هيئة شبه قضائية، تتولّى تلقي الطعون في المنشورات المحظورة أو تلك التي تستوجب الحظر.

وفي 6 ماي 2020، سيتم تنصيب عشرين عضوا، هم الأعضاء  الأوائل من ضمن تشكيلة تضم 40 عضوا يفترض أن يكتمل بهم نصاب مجلس الإشراف.

إسرائيل في بيت العنكبوت

بين هؤلاء إيمي بالمور، التي تقدمها شركة “ميتا” على أنها محامية إسرائيلية وباحثة جامعية، غير أن اسم بالمور ارتبط ب”الوحدة السيبرانية الإسرائيلية”، وهي وحدة رقابة رقمية أنشأتها الحكومة الإسرائيلية لمصادرة المحتوى الفلسطيني بمنصات التواصل.

حضور إيمي بمجلس الإشراف أثار استياء الفلسطينيين علما أنه جاء على الأرجح باقتراح من وزيرة العدل الإسرائيلية السابقة آيلات شاكيد عقب اجتماعات متواصلة مع فريق مارك زاكربورغ لتجميد ما تعتبره إسرائيل محتويات “إرهابية”.

ورغم عرائض وجهت لفايسبوك لإسقاط اسم بالمور التي تولت بين 2014 و2019 منصب مديرة عامة بوزارة العدل الإسرائيلية لم يزل اسم بالمور حاضرا ب”مجلس الإشراف”.

إيمي بالمور ، مسؤولة إسرائيلية سابقة وعضو بمجلس إشراف فايسبوك

وفي يونيو من العام 2021، تزامنا مع حملة “فايسبوك يعدمنا”، وجه 200 موظف بفايسبوك رسالة داخلية، كشفت عنها حينها “فاينانشال تايمز”، إلى رئاسة الشبكة يطالبون فيها بوقف “التحيز الآلي والبشري” الذي يؤدي إلى حظر المحتوى الفلسطيني والإسلامي من الشبكة.

أشهرا قليلة بعد هذا التاريخ ستوثّق “هيومن رايتس ووتش”،  عمليات إزاحة للمحتوى الفلسطيني، كاشفة في بيان عدة أمثلة لذلك من بينها إزالة “رسم كاريكاتوري سياسي كانت رسالته أن الفلسطينيين مظلومون ولا يخوضون حربا دينية مع إسرائيل”.

تسميم الصفحات: شكل آخر للرقابة

غيوم جوبان، الكاتب والصحافي الفرنسي ورئيس المدرسة العليا للصحافة بباريس، يقول إنه لم يرصد آثار رقابة رقمية صلة بقضية شيرين أبو عاقلة مثلا، غير أنه ينبه إلى شكل مختلف من أشكال الرقابة يتمثل في إغراق أنصار القضية بالتعاليق المسيئة والإهانات.

“تجري الرقابة بتوظيف الشبكات الاجتماعية في تسميم  (صفحات)  أنصار هذه القضية بشكل شبيه بما يحصل مثلا في قضية الحرب الأوكرانية”، يقول جوبان، في تصريح لمدار21.

غيوم جوبان، رئيس المدرسة العليا للصحافة بباريس

ويضيف “أتعرّض على “لينكدين” مثلا للشتم ليس من طرف إسرائيليين ولكن من حسابات فرنسية على الأرجح، ينعتونني ب”العمالة للعرب” و”معاداة السامية” و”الجهل بالقضية”.

فوفقا لهؤلاء أبو عاقلة “لقيت حتفها على يد الفلسطينيين أو اغتالتها السلطة الفلسطينية” يواصل الكاتب الفرنسي، معتبرا ، بالمقابل، أن ما يثلج الصدر هو أن الاتجاه العام في التعاليق يبقى هو إدانة مثل هذه التهجمات والإساءات للأشخاص بسبب دفاعهم عن قضايا معينة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News