اقتصاد

احتياطات الغاز.. هل تُصلح الأرض المغربية “الولُود” ما أفسدته المصالح الجيوسياسية؟

احتياطات الغاز.. هل تُصلح الأرض المغربية “الولُود” ما أفسدته المصالح الجيوسياسية؟

انتعشت آمال المغاربة قبل أشهر عقب الاكتشافات الأخيرة للغاز الطبيعي، خاصة بعدما أصبح تسويق هذه الاكتشافات أكثر إلحاحًا من أيّ وقتٍ مضى، في أعقاب الارتفاع “المُلهب” لأسعار المحروقات نتيجةً للاجتياح الروسي لأوكرانيا المُتزامن مع وقف إمدادات الغاز الجزائري للمملكة منذ بداية شهر نونبر في أعقاب قطع العلاقات السياسية بين البلدين.

آمال كبيرة ولو بعد حين

وكانت شركة “شاريوت” البريطانية أعلنت في العاشر من يناير الماضي عن نتائج إيجابية بعد بدء الحفر في حقل “أنشوا” المغربي، مشددة على أن أعمال التقييم والاستكشاف لبئر أنشوا-2، ضمن ترخيص “ليكسوس” قبالة الساحل، أظهرت زيادة كبيرة في احتياطيات الغاز المغربي.

وتوقعت الشركة المتخصصة في التنقيب عن الغاز، أن يتعدى احتياطي اكتشافات الغاز في المغرب تريليون قدم مكعبة، بما يمثل زيادة قدرها 148 بالمئة مقارنة مع التقدير السابق، وتشمل 361 مليار قدم مكعب من الموارد الطبيعية المؤكدة، و690 مليار قدم مكعبة من الموارد المحتملة.

ومن المقرر أن تجري الشركة تقييمًا لاحتياطيات البئر، التي تمتلك فيها حصة 75 بالمئة، في حين يمتلك المكتب الوطني للهيدروكربونات والمعادن النسبة المتبقية المقدرة بـ25 بالمئة، بعد الانتهاء من عمليات جمع البيانات، والانتقال إلى مرحلة التحليل، لتقييم مستويات الغاز المتوافرة.

وأظهر التقييم الأولي لمعطيات البئر، التي يُتوقع أن تُوضع على خطوط الإنتاج خلال 2024، وجود تراكم للغاز على مستوى بئر “أنشوا-2” بسُمك إجمالي صافٍ قدره 100 متر، موزع على 6 مناطق، يتراوح سمكها بين 8 و30 مترًا لكل منها.

هل الأراضي المغربية عاقر؟

وتضاعفت آمال المغاربة عقب هذه الاكتشافات المتتالية، خاصة أنها تأتي في سياق دولي مشحون يتّسم بارتفاع أسعار المحروقات عقب الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية، وتصاعد المخاوف من حرب عالية ثالثة تلوح في الأفق، ما يجعل من رفع وتيرتها “ضرورة ملحّة” أكثر من أي وقت مضى بحسب عدد من الخبراء ممّن تواصلت معهم “مدار21″، بمن فيهم أمينة بنخضرة، المديرة العامة للمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن في المغرب، التي أكدت في حوار صحافي سابق أن “المغرب يزخر بأحواض برية وبحرية متعددة للغاز، سمحت معطياتها الجيولوجية بنشأة أنظمة نفطية مختلفة يمكن أن تكون مواتية لتراكم حقول للغاز”.

وتقع التراخيص البحرية “ليكسوس” بساحل مدينة العرائش، وتمتد على مساحة 1791 كيلومترا مربعا، حيث مُنِحت هذه التراخيص للمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، وكذا للشركة البريطانية “شاريوت” للنفط والغاز بتاريخ 30 ماي 2019، وتقرر حفر بئر استكشافية اعتمادا على النتائج المشجعة للدراسات الجيولوجية والجيوفيزيائية، ويقع هذا البئر الذي يحمل اسم “أنشوا-2” على بعد 38 كيلومترا من ساحل مدينة العرائش.

وعن موعد آخر مستجدات تقييم هذا المكمن الغازي، أوضحت المديرة العامة للمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن: “أن عمليات جمع البيانات في بئر ‘أنشوا-2’ اكتملت خلال العاشر من يناير الجاري، وسيمكن دمج جميع النتائج وتفسيراتها من تقييم المؤهلات الغازية الممكن تطويرها بهذه المنطقة. وفي الوقت الحالي، سينتقل المشروع إلى القيام بدراسات مدققة وفق جدول زمني محدد، بالموازاة مع تقييم موارد الغاز المكتشفة”.

وأبرزت بنخضرة أن عمليات استكشاف واستغلال موارد الغاز، ستتواصل من لدن الشركات البريطانية في العديد من مناطق المملكة طيلة السنوات المقبلة، مضيفة أن “المغرب يزخر بأحواض برية وبحرية متعددة للغاز، سمحت معطياتها الجيولوجية بنشأة أنظمة نفطية مختلفة يمكن أن تكون مواتية لتراكم حقول للغاز، وهو ما يتطلب بذل المزيد من الجهود لجلب المستثمرين الأجانب”

وتابعت: “أذكر أنه بفضل جهود الترويج والتسويق، فقد استثمر الشركاء الأجانب أكثر من 27 مليار درهم في العشرين سنة الأخيرة (2021-2000)”.

مطالب بكسر جحود الأراضي المغربية

وفي هذا الإطار، شدّد الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، على أن المغرب يجب أن يدخل في ما يسمى بالحلول العاجلة والمتوسطة والطويلة المدى.

وأوضح المتخصص في الطاقة، في حديثه لـ”مدار21″، أن الحكومة اليوم مُطالبة بالعودة إلى تشجيع التنقيب والبحث عن البترول الخام بالمغرب، إلى جانب “الرجوع لتحريك محطة تكرير البترول في المحمدية وربما يجب أن نبني واحدة أخرى، لأن المصفاة تشتغل كواقي من ارتفاع الأسعار الدولية” يقول المتحدث، مضيفا، “كمثال، لو أننا اشترينا البترول بأثمنة منخفضة الشهر الماضي لكنا نبيعه الآن بثمن منخفض أيضا، لكن الآن الاقتناء مباشرة من السوق الدولي تكون الآثار مباشرة على المواطن”.

وشدّد المتحدث، على أن الاستكشاف والبحث ثم التكرير ثم التخزين الحقيقي لاحتياطات المغرب يجب أن ترتفع، إضافة إلى إعادة النظر في أرباح الموزعين، ذلك أنه يجب العودة إلى تنظيم أسعار المحروقات كون قرار التحرير كان في غير محله وكان عشوائيا، لأن شروط التنافس على مستوى السوق المغربية غير متوفرة لحدود الساعة.

ونبّه اليماني في سياق حديثه عن خطة التعافي من لهيب المحروقات، إلى أن الدولة يجب أن تعتمد ضريبة متحركة حول المحروقات، بمعنى أنه يمكن فرض الضريبة كاملة في حال كان السعر الدولي منخفضا ويمكن إلغاؤها عندما يرتفع، زيادة على أنه يمكن اعتماد الغازوال المهني بالنسبة للفئة التي تستعمله بشكل كبير في نقل السلع والأشخاص، من أجل المحافظة على توازن المقاولات النقلية وأيضا حماية المواطنين من الزيادات التي تطال المحروقات عالميا.

وزاد المتحدث: “السلم العام كلفته لا تساوي كل ما نتحدث عنه، إذ أردت شراء الطماطم ووجدناها بـ20 درهما في السوق.. بمعنى قرار حكومة ابن كيران الخاص بالتأميم وسحب الدعم جاء في وقت كانت الأزمة متحكم فيها ولا يتجاوز السعر 50 أو 60 دولار، لكن في ظل الظروف الحالية اليوم، يجب على حكومة أخنوش إلغاء قرار التحرير وسحب الدعم وتعود للآليات السالف ذكرها للتخفيف من آثار الأزمة الحالية..”.

وأبرز المتخصص في شؤون الطاقة أنه في العالم هناك مناطق كثيرة فيها البترول يُستخرج بسهولة، وهناك مناطق يظهر فيها البترول فوق الأرض ولا يحتاج تنقيبا مثل العراق.

وأضاف المصدر ذاته: “ما أقوله لا يمكن للأراضي المغربية أن تكون عاقرة وجاحدة إلى هذا المستوى، وما يلزمنا اليوم في المغرب أن نطور نسبة ودرجة التنقيب والبحث، بمعنى أن هناك أماكن في المغرب يجب أن ننقب فيها لكن لم نصلها بعد.. صحيح أن العملية تحتاج أموالا طائلة لكنها تشجع المستثمرين من أجل التنقيب”، مضيفا “سياسة البلاد يجب أن تكون مشجعة على التنقيب على البترول، ولحدود الساعة المغرب من الدول المتأخرة في التنقيب”.

احتياجات المغرب من الغاز الطبيعي ستتضاعف 3 مرات

من جانبها، قالت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلي بنعلي، أمام البرلمان، إن إنتاج المغرب من الغاز سيصل إلى 110 ملايين متر مكعب في 2022، في الوقت الذي يبلغ استهلاكها السنوي مليار متر مكعب، أي أن الإنتاج لا يتجاوز 11 بالمئة من إجمالي الاحتياجات المحلية نتيجة ضعف كثافة الآبار.

وأشارت المسؤولة الحكومة إلى أن شركات عالمية تعمل حاليًا للتوصل إلى اكتشافات الغاز في المغرب على مساحة تبلغ نحو 283 ألفًا و600 كيلومتر مربع، عبر 9 رخص استغلال، و53 رخصة استكشاف، منها 26 في المجال البحري، باستثمارات تُقدر بنحو 27 مليار درهم (2.98 مليار دولار).

وأكدت وزيرة الطاقة أن الأحواض الرسوبية المغربية غير مستكشفة بما فيه الكفاية، كون أن معدل كثافة الآبار في كل 10 آلاف كيلومتر مربع لا يتجاوز 4 آبار بالمقارنة مع المعدل العالمي الذي يناهز 1000 بئر.

ولفتت بنعلي إلى أن احتياجات المغرب من الغاز الطبيعي ستتضاعف 3 مرات إلى حوالي 3 مليارات متر مكعب بحلول عام 2040، إذ تتطلع البلاد إلى الغاز المسال لتعزيز انتقالها المنخفض الكربون ومعالجة الإمدادات غير المنتظمة من مصادر الطاقة المتجددة.

هل تبيع شركات التنقيب الوهم للمغاربة؟

من جهته، كذّب محمد بوحاميدي، الخبير في الطاقة المعطيات السالفة الذكر، معتبرا أنه ما دامت الحكومة لم تُعلن بشكل رسمي من خلال مكتب الهيدروكاربورات عن هذه الاكتشافات تبقى مجرد “كلام فارغ”.

وأوضح بوحاميدي في تصريح لـ”مدار21″، أن الشركات تريد رفع أسهمها في البورصة لهذا تلجأ إلى التحايل على الرأي العام بهذه الأخبار المجانبة للصواب والتي تبقى مجرد “أقاويل”.

وتابع المتحدث: “ما قيل بخصوص الاكتشافات يمكن أن يكون فيه شيء من الكذب، أو أن كلفة استخراج المخزونات المكتشفة أكثر من ثمن الشراء في السوق”.

وطالب المتخصص في الشؤون الطاقية الحكومة بـ”اللجوء إلى الفحم الحجري مؤقتا بما أن هناك أزمة بترول عالمية”.

ولفت بوحاميدي، إلى أن “الفحم موجود في جرادة، ويستورد بأثمنة بخسة من الصين.. وهناك أيضا الطاقات المتجددة بإمكانها إنقاذ المغرب من هذه الأزمة، خاصة أن بلدنا يمكن أن يُركز على استعمال الطاقة الشمسية في المجال الصناعي ويُخفض قيمة استهلاك الكهرباء”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News