مجتمع

قلق بمدريد من تقليص المغرب موازين القوى البحرية في المنطقة

قلق بمدريد من تقليص المغرب موازين القوى البحرية في المنطقة

يواصل المغرب سياسته الدفاعية المتوازنة القائمة على تطوير قدراته البحرية وتعزيز حضوره الاستراتيجي في الفضاءين الأطلسي والمتوسطي، في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة وتزايد التحديات الأمنية المرتبطة بالملاحة، والهجرة، واستغلال الموارد البحرية، ما يثير قلق الجارة إسبانيا.

وأشارت صحيفة “إل إنديبندينتي” إلى أن السفينة الجديدة “Avante 1800″، التي تبنيها شركة “نافانتيا” الإسبانية، محطة مهمة في مسار تحديث البحرية الملكية وتقليص الفارق البحري مع الجزائر وإسبانيا.

الباخرة، التي يرتقب تسليمها في منتصف سنة 2026، تعتبر أول سفينة حربية تبنيها إسبانيا للمغرب منذ أكثر من أربعين عاما، ويبلغ طولها حوالي 87 مترا، وتضم طاقما من نحو 60 فردا، وصممت للقيام بمهام متعددة تشمل مراقبة السواحل ومحاربة التهريب والهجرة غير النظامية، وحماية المنشآت الطاقية البحرية، بما في ذلك المنصات المستقبلية للغاز والنفط على الواجهة الأطلسية، كما يمكن تجهيزها بمدافع رئيسية من عيار 57 أو 75 ملم، إضافة إلى أنظمة صواريخ دفاعية مضادة للطائرات والسفن.

وأبرزت الصحيفة الإسبانية أن المكسب الحقيقي للمغرب من الصفقة لا يكمن فقط في امتلاك قطعة بحرية حديثة، بل في نقل الخبرة والتكنولوجيا، إذ يشمل العقد الدعم التقني والتكوين في إسبانيا لأطقم مغربية، ما سيساهم في رفع كفاءة العنصر البشري داخل البحرية الملكية.

وتضيف أن التعاون مع شركة أوروبية عملاقة مثل “نافانتيا” يكرس عودة الثقة الاستراتيجية بين الرباط ومدريد بعد سنوات من الفتور السياسي، ويعزز من صورة المغرب كشريك موثوق ومستقر في الضفة الجنوبية للمتوسط.

من زاوية عسكرية، ترى “إل إنديبندينتي” أنه يتوقع أن تسهم هذه السفينة في تضييق الهوة البحرية بين المغرب وكل من الجزائر وإسبانيا، سيما وأن البحرية الملكية، رغم تطورها النوعي في السنوات الأخيرة باقتناء فرقاطات “محمد السادس” من فئة “FREMM” و”سيغما” الهولندية، ظلت في حاجة إلى تعزيز قدراتها الدورية والميدانية من خلال سفن متوسطة الحجم قادرة على تغطية مساحات بحرية واسعة باستمرار.

ولفتت إلى أن هذا المشروع يأتي في وقت تعرف فيه المنطقة سباقا تسليحيا محتدما بين الرباط والجزائر، مشددة على أن حرص المغرب على تحديث قواته البحرية لا يترجم إرادة مواجهة، بقدر ما يجسد مقاربة دفاعية ردعية هدفها ضمان الأمن البحري الوطني، وحماية المصالح الاقتصادية للمملكة، خاصة في ظل تنامي الأنشطة غير المشروعة في السواحل الإفريقية الأطلسية.

وتضيف أن هذه الخطوة تتماشى مع الطموح المغربي لبناء قوة بحرية إقليمية قادرة على تأمين أكثر من 3500 كيلومتر من السواحل، و38 ميناء، وحوالي مليون كيلومتر مربع من المنطقة الاقتصادية الخالصة، فضلا عن حماية الممرات التجارية الحيوية القريبة من مضيق جبل طارق، الذي يعبره سنويًا أكثر من 150 ألف سفينة، يضيف المصدر ذاته.

وأكد التقرير أن تعزيز قدرات المغرب البحرية لا يشكل تهديدا على المغرب، إذ أن البحرية الملكية المغربية “ما تزال بعيدة عن مستوى نظيرتها الإسبانية”، مشيرة إلى أنه “فحتى مع نمو ترسانتها، سيستغرق الأمر عقودا للوصول إلى مستوى التدريب والجاهزية في حلف الناتو”.

رغم ذلك، لم تخف “إل إنديبندينتي” القلق الإسباني، إذ أكدت أنه حتى الآن لم يكشف عن نوع السلاح الذي اختاره المغرب لتجهيز السفينة، لكن النموذج مصمم ليحمل مدفعا رئيسيا عيار 75 أو 57 ملم، ومدفعين ثانويين من عيار 25 أو 30 ملم، بالإضافة إلى إمكانية تزويده بمنصات صواريخ مضادة للطائرات أو للسفن.

رغم الجدل، شددت الجريدة الإسبانية، استنادا إلى مصادر عسكرية، على أن إسبانيا تربح أكثر مما تخسر، فمن الجانب الصناعي، يضمن العقد عملا مهما لشركة “نافانتيا” ويمنح خبرة إضافية يمكن توظيفها مستقبلا لبناء سفن للبحرية الإسبانية نفسها، ومن الناحية العسكرية، يرى الخبراء أن إسبانيا ستعرف تماما كيف تعمل هذه السفينة التي بنتها بنفسها.

يقول ضابط إسباني متقاعد لـ”إل إنديبندينتي”: “كل ما يصدر يعتبر أمرا جيدا. إن لم نفعل نحن، فسيفعل غيرنا”، ويضيف آخر: “بهذه الطريقة نعرف بالضبط ما لديهم من قدرات ونقاط ضعف… إنها فوائد خالصة”.

ويستشهد بعض العسكريين بسابقة تاريخية حول السفينة “الضابطة إرحماني”، وهي كورفيت من فئة “Descubierta” بنيت للمغرب في الثمانينيات، وكانت نسخة شبه مطابقة لسفن البحرية الإسبانية، مضيفا “كنا نعرف تماما صوتها في أجهزة السونار لأننا نملك سفنا مطابقة، ما منحنا معلومات دقيقة جدًا عنها”.

وأبرز المصدر العسكري أن تلك السفينة المغربية كانت تعود مرارا إلى إسبانيا لأعمال الصيانة، وهو ما يمنح مدريد ورقة ضغط مستقبلية: “لو أردنا، يمكننا قطع سلاسل الإمداد أو الصيانة في أي لحظة، مما يخلق لهم صعوبة كبيرة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News