سفيرة المغرب بالتشيلي: تتويج “الأشبال” بالمونديال فخر وانتصار للدبلوماسية المغربية الناعمة

برزت كنزة الغالي، سفيرة المملكة المغربية لدى جمهورية تشيلي، بشكل لافت إلى جانب المنتخب الوطني والجماهير المغربية خلال تتويج “أشبال الأطلس” بكأس العالم للشباب، في مشهدٍ عكس بوضوح روح الدبلوماسية المغربية الحديثة التي تمزج بين الالتزام المهني والبعد الإنساني في تمثيل الوطن.
في حوار خاص مع جريدة “مدار21” الإلكترونية، تناولت السفيرة الغالي دلالات هذا الإنجاز من منظور الدبلوماسية الناعمة، مبرزةً كيف تحوّلت الرياضة إلى رافعة لتعزيز صورة المغرب وإشعاعه في أمريكا اللاتينية، وإلى أداة فعّالة لمدّ جسور التواصل الثقافي والإنساني بين الشعوب.
وأكدت أن هذا التتويج يشكل مثالاً حيّاً على التقاطع بين الرؤية المتبصّرة للقيادة المغربية، والقدرة على توظيف القوة الناعمة لخدمة الدبلوماسية وتعميق علاقات الصداقة والتعاون بين الرباط وسانتياغو.
نص الحوار كاملا:
كيف تنظرون إلى تتويج المنتخب المغربي بكأس العالم للشباب من زاوية الدبلوماسية المغربية؟
يأتي تتويج المنتخب المغربي بكأس العالم للشباب تجسيداً للرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، الذي جعل من الرياضة رافعة للتنمية، وأداة لتعزيز إشعاع المملكة قارياً ودولياً. فبفضل التوجيهات الملكية السامية، استثمر المغرب بشكل كبير في تطوير البنيات التحتية الرياضية الحديثة، مما أهّله لاحتضان تظاهرات كبرى، وعلى رأسها كأس العالم 2030، التي سيُنظمها إلى جانب إسبانيا والبرتغال.
ولا تقتصر هذه المقاربة الملكية على البعد الرياضي فحسب، بل تتجاوزه لتخدم أهدافاً دبلوماسية واستراتيجية أعمق، إذ تُعدّ الرياضة اليوم جسراً لتعزيز العلاقات الثقافية والسياسية بين الشعوب، ووسيلة للتعريف بنجاحات المغرب وريادته في القارة الإفريقية وخارجها. كما تسهم هذه الانتصارات في ترسيخ صورة المغرب كبلد الاستقرار والإنجاز، وتدعم في الوقت ذاته القضايا الوطنية العادلة، وفي مقدمتها الدفاع عن وحدته الترابية.
إن هذا التتويج لا يمثل فقط إنجازاً رياضياً، بل هو انتصار للدبلوماسية المغربية الناعمة التي يقودها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، والتي تجمع بين القوة الهادئة، والنجاعة التنموية، والإشعاع الثقافي والإنساني للمملكة.

هل يمكن القول إن هذا الإنجاز الرياضي ساهم في تعزيز صورة المغرب في تشيلي وأمريكا اللاتينية عموماً؟
بطبيعة الحال، يمكن القول إن هذا الإنجاز الرياضي التاريخي ساهم بشكل كبير في تعزيز صورة المغرب في تشيلي وفي عموم أمريكا اللاتينية. فقد أثار تتويج المنتخب المغربي بكأس العالم للشباب إعجاباً واسعاً لدى الرأي العام ووسائل الإعلام في المنطقة، التي رأت فيه نموذجاً لنجاح بلد عربي إفريقي استطاع أن يجمع بين الحداثة والجذور، وبين الطموح الرياضي والرؤية التنموية الشاملة.
هذا النجاح لم يكن مجرد انتصار كروي، بل شكل أيضاً مناسبة لإبراز الإصلاحات العميقة التي يقودها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في مختلف المجالات، ولتعريف الشعوب اللاتينية بالمغرب كدولة منفتحة، متقدمة ومستقرة، تلعب دوراً محورياً في بناء الجسور بين إفريقيا والعالم العربي وأمريكا اللاتينية.
في رأيكم، ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الرياضة في توطيد العلاقات بين الشعوب أكثر من القنوات الدبلوماسية التقليدية؟
بينما تعتمد الدبلوماسية الكلاسيكية على اللقاءات الرسمية والاتفاقيات، تأتي الدبلوماسية الرياضية لتكمل هذا الدور بأسلوب أكثر تأثيراً وعمقاً، لأنها تصل مباشرة إلى قلوب الشعوب، وتُسهم في تغيير الصور النمطية وتعزيز التفاهم المتبادل بعيداً عن الخطابات السياسية.
وفي هذا السياق، تبرز الرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي جعل من الرياضة أداة فعالة للدبلوماسية الناعمة، لما تحققه من تأثير إيجابي في صورة المغرب الدولية، وما تتيحه من فرص للتقارب الإنساني والثقافي بين الأمم. فكل مباراة، وكل إنجاز رياضي مغربي في الخارج، يُترجم إلى رسالة حضارية تعبّر عن قيم الانفتاح والتسامح والتميز التي تميز المملكة.
إن الرياضة تُوحّد الشعوب حول مشاعر الفخر والاحترام المتبادل، وتخلق فضاءات للتواصل المباشر بين الشباب، وهو ما يجعلها وسيلة مستدامة لتعزيز الصداقة بين الدول، ودعامة قوية للدبلوماسية المغربية في بعدها الإنساني والحضاري.
هل لاحظتم تفاعلاً خاصاً من المسؤولين أو الإعلام المحلي بتشيلي بعد هذا التتويج؟
نعم، بالفعل كان التفاعل في تشيلي مميزاً للغاية ومعبّراً عن عمق التعاطف والمحبة التي يكنّها الشعب تشيلي للمغرب، إذ وقف تشيليون صفاً واحداً للاحتفال بهذا التتويج التاريخي، سواء من خلال مسؤوليهم الذين عبّروا عن إعجابهم الكبير بالروح القتالية للمنتخب المغربي وأشادوا بالأداء البطولي لشبابه، أو من خلال وسائل الإعلام المحلية التي خصصت مساحات واسعة لتغطية الحدث وتحدثت بإعجاب عن هذا الإنجاز غير المسبوق.
وعلى منصات التواصل الاجتماعي، عبّر عدد كبير من المواطنين التشليين عن فرحتهم، وشاركوا لحظات الاحتفال وكأنهم جزء من هذا الانتصار. لقد شعرنا فعلاً وكأننا نلعب على أرضنا وبين أهلنا، بفضل الدعم الكبير الذي حظينا به من الجمهور تشيلي سواء في المدرجات أو خارج الملاعب.
كما كانت وسائل الإعلام التشيلية صدى لهذا الدعم الشعبي، إذ نقلت مظاهر الفرح والتشجيع، مبرزة قيم الأخوة، والاحترام المتبادل، وروح التضامن التي جمعت بين الشعبين المغربي والشيلي في لحظة رياضية ستبقى راسخة في الذاكرة الجماعية.
كنتم حاضرين خلال أطوار البطولة منذ بدايتها إلى التتويج، ما الذي ميز هذه التجربة بالنسبة لكم كسفيرة تمثل المغرب؟
بالنسبة لي، كانت هذه التجربة من أروع وأعمق اللحظات التي عشتها خلال مهمتي الدبلوماسية في تشيلي. لقد اعتبرت من البداية أنه من واجبي أن أكون إلى جانب هؤلاء الشباب، لأُظهر لهم أن المغرب يقف وراءهم، يدعمهم ويؤمن بقدراتهم. كنت أرى في حضورهم وتشريفهم لراية الوطن مسؤولية كبيرة، وكنت أحرص على أن أكون معهم في كل مباراة، أشجعهم وأدعو الله أن يوفقهم وينصرهم.
صحيح أنني لست خبيرة في كرة القدم، ولكن في كل لحظة كنت أشعر بنداء داخلي يقول لي: “يجب أن أكون هناك”، يجب أن أشارك هذا الشعور الجماعي بالفخر والدعاء، لأن هؤلاء الشباب ليسوا مجرد لاعبين، بل هم سفراء للمغرب، وسفراء لكرة القدم المغربية، وسفراء للدبلوماسية الرياضية التي تعكس روح بلدنا ووحدته وتلاحمه.
ما ميز هذه التجربة حقاً هو تلك الروح الجماعية التي جمعت الجميع؛ المنتخب الوطني، الطاقم التقني، أعضاء الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، الجالية المغربية المقيمة في تشيلي، فريق السفارة، وحتى الصحافيين المغاربة الذين قدموا لتغطية الحدث.. كنا جميعاً جسداً واحداً وروحاً واحدة نتقاسم الحلم ذاته ونتطلع إلى النصر الكبير.
وما زاد هذه التجربة تميزاً هو أن الشعب التشيلي انضم إلينا في هذه اللحظة التاريخية، فتقاسم معنا الفرح والدعم بكل صدق وعفوية. لقد شعرنا جميعاً بأننا أسرة واحدة.
ما هي أبرز التحديات التي واجهتموها في مواكبة المنتخب والجماهير المغربية على امتداد البطولة؟
في الحقيقة، أنا لا أحب الحديث عن التحديات، لأنني أؤمن بأن كل صعوبة تحمل في طياتها فرصة، وبأن الإرادة الصادقة والعمل الجماعي كفيلان بتحويل أي عقبة إلى نجاح.
منذ البداية، كان هدفنا واضحاً: أن نُوفّر للمنتخب الوطني ولجماهيرنا الكريمة أفضل الظروف الممكنة، وأن نجعل من مشاركة المغرب في هذه البطولة نموذجاً في التنظيم والانضباط والصورة المشرفة للوطن.
لقد تجندنا جميعاً، بكل ما نملك من طاقة وإيمان، جسداً وروحاً، من أجل إنجاح هذه المهمة ولم نكن نرى الصعوبات، بل كنا نرى فقط الهدف أمامنا، ونتقاسم شعوراً واحداً: خدمة المغرب ورفع رايته عالياً.
سواء في تنقلات الفريق، أو في مرافقة الجماهير المغربية، أو في تنسيق الجهود بين السفارة والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والسلطات الشيلية، كان هناك انسجام وتكامل تام بين الجميع. هذه الروح الجماعية هي التي صنعت الفارق، وجعلت كل تحدٍّ يتحول إلى تجربة جميلة ومليئة بالتعاون والمحبة.
وفي النهاية، ما يبقى في الذاكرة ليس التعب أو الصعوبات، بل تلك اللحظات التي شعرنا فيها بأننا أسرة مغربية واحدة، نعمل من أجل الوطن ونحمل جميعاً نفس الرسالة: أن نُظهر للعالم أجمل ما في المغرب من قيم، من انتماء، ومن روح جماعية لا تعرف المستحيل.
كيف تم التنسيق بين السفارة والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم لضمان الدعم اللوجستي والمعنوي للمنتخب؟
تمّ التنسيق بين السفارة والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بشكل طبيعي وسلس للغاية، فقد كنا دائماً على تواصل واستماع متبادل، ونتفاعل بسرعة مع كل ما يحتاجه المنتخب من دعم لوجستي أو معنوي. كانت العلاقة مبنية على الثقة والتكامل، حيث حرصنا منذ اللحظة الأولى، حتى قبل وصول البعثة إلى تشيلي، إلى غاية نهاية البطولة، على أن نكون إلى جانبهم في كل التفاصيل، صغيرها وكبيرها.
كما ذكرت سابقاً، لم تكن هناك “فريق سفارة” و”فريق جامعة”، بل كنا فريقاً واحداً، بروح واحدة وهدف واحد، وهو تمكين المنتخب الوطني من التركيز الكامل على مهمته الرياضية في أفضل الظروف الممكنة. هذا الانسجام والتلاحم بيننا كان أحد مفاتيح النجاح، سواء على مستوى التنظيم أو النتائج.
ولا يمكن أن نغفل الدور الكبير للسلطات التشيلية التي كانت شريكاً حقيقياً في هذا المسار، حيث رافقتنا بكل مهنية واحترام، وساهمت في تيسير كل الإجراءات، مما أعطى لهذه التجربة طابعاً استثنائياً من التعاون والتفاهم بين الجانبين المغربي والشيلي.
ماذا عن مأدبة الغداء التي نظمتها السفارة للجماهير المغربية، كيف جاءت الفكرة؟ وماذا كان وقعها على المغاربة الحاضرين؟
فكرة تنظيم مأدبة الغداء جاءت بكل بساطة من إحساس إنساني ووطني عميق.. كنت أعي جيداً أن هؤلاء المشجعين المغاربة سيقطعون آلاف الكيلومترات ما لا يقل عن اثنتي عشرة ساعة من السفر فقط ليكونوا إلى جانب وطنهم ويدعموا منتخبهم الوطني في هذه اللحظة التاريخية. لذلك، كان من الطبيعي أن يجدوا عند وصولهم أبواب السفارة مفتوحة، وأن يشعروا بأنهم بين أهلهم، في بيتهم الثاني، في “دار المغرب”.
أردت أن أستقبلهم في إقامة المملكة لأنني أؤمن أن السفارة ليست مجرد مؤسسة رسمية، بل هي بيت لكل مغربي في الخارج. كان الهدف أن نعبّر لهم عن تقديرنا الكبير لروحهم الوطنية، ولتضحيتهم بالسفر الطويل والتكاليف من أجل رفع راية الوطن.
الحمد لله، كل شيء مرّ في أجواء رائعة، مليئة بالمحبة والفرح. كانت لحظات مؤثرة جمعتنا حول مائدة واحدة، حيث اختلطت الضحكات بالدعوات، والفخر بالانتماء. شعر الجميع أننا عائلة مغربية واحدة كبيرة، لا فرق فيها بين دبلوماسي ومشجع، بين لاعب ومسؤول.
وقد كان وقع هذه المبادرة كبيراً في نفوسهم؛ فقد عبّر الكثير منهم عن تأثرهم بهذه اللفتة، قائلين إنهم شعروا فعلاً أنهم في وطنهم رغم بُعد المسافة. بالنسبة لي، كانت تلك اللحظة من أجمل صور التضامن والدفء الإنساني التي تُجسد قيم المغرب: الكرم، والضيافة، وروح الجماعة.

ما هي رسالتكم لأشبال الأطلس؟
رسالتي إلى أشبال الأطلس هي أولاً رسالة فخر وامتنان عميق.
شكرًا لهؤلاء الأشبال الذين زمجروا اليوم كالأسود، ورفعوا راية المغرب عالياً في سماء العالم. لقد جعلتمونا جميعاً فخورين بكم، ليس فقط لأنكم فزتم، بل لأنكم جسّدتم روح المغرب الحقيقية: الإصرار، والروح القتالية، والاحترام، والتواضع.
شكرًا لأنكم منحتمونا هذه الفرحة التاريخية، وشكرًا لأنكم دافعتم بشجاعة حتى اللحظة الأخيرة، ولأنكم أظهرتم أن الانتصار لا يُقاس فقط بالأهداف، بل بالقيم، وبالروح الوطنية التي حملتموها معكم في كل مباراة. لقد أعطيتم للعالم درساً في الأخلاق قبل الأداء، وفي الانتماء قبل الألقاب.
إن الصورة التي قدّمتموها عن المغرب كانت أبلغ من أي خطاب دبلوماسي؛ فقد جعلتم العالم بأسره يحتفل بألوان وطننا، ويرى فيكم جيلًا جديدًا من الشباب المغربي الواعد، المؤمن بقدراته، والمعتزّ بهويته، والواثق في مستقبله.
أتمنى لكم من القلب مسيرة زاخرة بالنجاحات، وأن تظلوا دائماً مثالاً للانضباط والتفاني وحب الوطن. واثقة أن ما قدمتموه اليوم ليس سوى بداية لمسار مشرق، يحمل معه آمال أمة بأكملها. أنتم لستم فقط أبطال الميدان، بل سفراء المغرب في العالم، ووجه مشرق لمستقبل بلدنا بإذن الله.





