خبير: التربية على الأمن السيبراني حلقة مفقودة في المدرسة المغربية

في ظل التحولات الرقمية المتسارعة التي يشهدها العالم، بات التلميذ المغربي جزءا لا يتجزأ من فضاء إلكتروني مفتوح يزخر بالفرص، لكنه في الوقت نفسه محفوف بالمخاطر. ويؤكد أنس أبو الكلام، خبير الأمن السيبراني، أن غياب تكوين أساسي في الأمن الرقمي ومهارات التحقق من الأخبار يجعل الناشئة أكثر عرضة للاختراقات والاحتيال الإلكتروني والتضليل الإعلامي، بما ينعكس مباشرة على وعيهم وسلوكهم وممارساتهم اليومية.
ويشير رئيس قسم هندسة الدفاع السيبراني وماجستير حماية البيانات بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بمراكش جامعة القاضي عياض في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، إلى أن هذه المخاطر ليست نظرية فحسب، بل واقعية وملموسة، إذ تسجل يوميا حالات قرصنة لحسابات شخصية وتسريب للمعطيات الخاصة، فضلا عن انجراف التلاميذ وراء أخبار زائفة ومحتويات مضللة تنتشر بسرعة عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ومن هذا المنطلق، يرى الخبير أن إدراج التربية على الأمن الرقمي والتحقق من الأخبار في المنظومة التعليمية لم يعد خيارا تكميليا أو مادة ثانوية، بل أصبح ضرورة ملحة، تماما كما تدرس أساسيات القراءة والكتابة والحساب.
ويضيف أبو الكلام أن كل مواطن، بمن فيهم الطلبة، يجب أن يدرك أن حواسيبه غير المؤمنة قد تتحول إلى أداة تستعمل في شن هجمات سيبرانية دون علمه، وهو ما يجعل الفضاء الرقمي بيئة محفوفة بالمخاطر.
ويطرح الخبير سؤالا جوهريا حول الكفايات التي يحتاجها التلميذ المغربي لحماية نفسه من هذه التهديدات، موضحا أن الأمر يقتضي اكتساب ثلاث مجموعات أساسية من الكفايات. أولا الكفايات التقنية وتشمل اختيار كلمات مرور قوية، اعتماد المصادقة الثنائية، حماية الحسابات، والتعرف على الروابط أو الملفات المشبوهة.
أما ثانيا فتتمثل في الكفايات النقدية، وتتجلى في القدرة على التمييز بين الخبر الصحيح والزائف، والتحقق من المصدر قبل النشر أو المشاركة، وممارسة التفكير النقدي عند مواجهة أي محتوى مشكوك فيه. في حين ترتبط ثالثا الكفايات السلوكية والقيمية بنشر ثقافة المسؤولية الرقمية، واحترام الخصوصية، وتبني سلوك مواطن مسؤول في التفاعل مع الفضاء الافتراضي.
ويرى أبو الكلام أن التحدي الأكبر يكمن في كيفية دمج هذه المعارف والمهارات في المنظومة التعليمية في ظل الاكتظاظ الحالي للبرامج الدراسية. ويقترح في هذا السياق اعتماد المقاربة العرضانية، أي إدماج مفاهيم الأمن السيبراني والتحقق من الأخبار بشكل متدرج داخل مواد قائمة مثل العلوم والتكنولوجيا والتربية الإسلامية والاجتماعيات واللغات، عبر نصوص تطبيقية وحالات واقعية أو تمارين تحليلية.
كما يدعو إلى تعميم مواد مدرسية رقمية أو وحدات قصيرة تفاعلية توظف الألعاب التعليمية لتقريب المفاهيم من التلاميذ بطريقة عملية وجذابة، بما يعزز التعلم ويحفزهم على اكتساب مهارات جديدة.
ومع ذلك، يشير الخبير إلى أن هناك تحديات موضوعية أمام وزارة التربية الوطنية، أبرزها نقص الكفاءات المؤهلة في المجال والقادرة على تأطير التلاميذ، ما يستدعي أيضا إشراك فعاليات المجتمع المدني والمكونات السوسيو اقتصادية المختصة. كما يشكل ضغط المقررات الدراسية الحالية وصعوبة إضافة مواد جديدة تحديا يمكن تجاوزه عبر التعلم باللعب والتطبيق.
وتبقى الفوارق في البنية التحتية الرقمية بين الوسط الحضري والقروي عائقا أساسيا، بحسب المتحدث، وهو ما يتطلب تنسيقا متكاملا بين مختلف الفاعلين بما في ذلك الجهات والجماعات المحلية ووزارة الرقمنة والمنظمات الدولية، إضافة لمقاومة بعض العقليات لأي تجديد بيداغوجي والتي تحتاج إلى عمل مستمر وصبر لتغييره بشكل تدريجي.
ويخلص أبو الكلام إلى أن تجاوز هذه العقبات ممكن عبر رؤية استراتيجية متكاملة تشمل تكوينا مستمرا للأساتذة في الأمن السيبراني والتربية الإعلامية، وإبرام شراكات بين الوزارة والجامعات والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتطوير محتوى بيداغوجي مواكب، ثم اعتماد مقاربة التدرج والتجريب عبر مشاريع نموذجية قبل التعميم على المستوى الوطني.
ويشدد على أن إدماج التربية على الأمن السيبراني والتحقق من الأخبار في المدرسة المغربية يمثل استثمارا استراتيجيا في حماية الناشئة وضمان جيل رقمي واع قادر على الاستفادة من التحول الرقمي دون الوقوع في فخ مخاطره. فالرهان لم يعد تربويا بحتا بل أصبح رهانا وطنيا يتعلق بقدرة المغرب على بناء مواطن رقمي مسؤول يحمي نفسه ومجتمعه ويواكب بثقة التحولات الكبرى للعالم المعاصر.