سياسة

الهشومي: مغربية الصحراء تُترجم اليوم بالإنجاز لا بالخطاب والشعارات

الهشومي: مغربية الصحراء تُترجم اليوم بالإنجاز لا بالخطاب والشعارات

قال كمال الهشومي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكدال بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن المسيرة الخضراء، والتي مر عليها أكثر من نصف قرن، لم تكن حدثًا رمزيًا فحسب، بل شكلت نقطة تحول في تاريخ الدولة المغربية، إذ أفرزت مقاربة جديدة قائمة على الرؤية العقلانية والاستباقية في تدبير ملف الصحراء، وجعلت منه رافعة لبناء نموذج وطني متجدد في التنمية والسياسة والسيادة.

وأكد الهشومي أن المغرب انتقل من منطق الدفاع الترابي الكلاسيكي الذي طبع زمن الحرب الباردة إلى منطق جديد يقوم على إعادة التموقع الإقليمي والدولي، مبرزًا أن الدولة المغربية استطاعت أن تطور خطابها وممارستها لتتحول من موقع الدفاع إلى موقع الفعل والمبادرة.

هذا التحول، بحسب أستاذ العلوم السياسية، برز من خلال الحضور القوي للمغرب في القارة الإفريقية، بقيادة الملك محمد السادس، عبر أكثر من أربعين زيارة ملكية ونحو ألف وخمسمائة اتفاقية تعاون في مجالات التنمية والاقتصاد والمال، ما منح للمملكة مكانة استراتيجية في العمقين الإفريقي والأطلسي، وكذلك انفتاح المغرب على مناطق جديدة في أمريكا اللاتينية وآسيا، الذي عزز من نفوذه الدولي وجعل من قضية الصحراء مدخلًا لإعادة هندسة موقعه الجيوسياسي في عالم تتغير فيه خرائط النفوذ بسرعة.

وفي قراءته لمفهوم السيادة، أشار الأستاذ الهشومي إلى أن المغرب أسس لما سماه “الدبلوماسية التنموية”، التي تقوم على الربط بين التنمية والسيادة، “فالدفاع عن الأرض لم يعد يعتمد على الشعارات، بل على خلق القيمة المضافة في الميدان. وأوضح أن النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، الذي أطلقه الملك سنة 2015، شكل تحولًا نوعيًا في طريقة تعامل الدولة مع الملف، حيث أصبحت التنمية وسيلة لترسيخ الانتماء وتعزيز الثقة في الدولة”.

وسجل أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكدال بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن مدن العيون والسمارة والداخلة، لم تعد كما كانت قبل عقد من الزمن، بل تحولت إلى فضاءات تحتضن مشاريع اقتصادية كبرى ومؤسسات جامعية ومرافق عمومية متطورة، جعلت من الصحراء نموذجًا يحتذى في التنمية المندمجة.

ويرى كمال الهشومي في كلمته خلال ندوة حول “قضية الصحراء ونصف قرن على المسيرة الخضراء.. ماذا تغير”، بالجديدة، أن هذا التحول جعل من الاقتصاد أداة من أدوات الدبلوماسية، إذ أصبحت مغربية الصحراء تُترجم عبر الإنجاز لا عبر الخطاب، وأن القوة الهادئة للمغرب تقوم على مزج التنمية بالسيادة، وجعل التنمية وسيلة لترسيخ الأمن والاستقرار السياسي.

السيادة، كما أوضح كمال الهشومي، لم تعد مجرد سيطرة على الأرض، بل قدرة على اتخاذ القرار المستقل في المجالات الاقتصادية والحقوقية والرمزية، مستشهدا في هذا السياق بقرار الاتحاد الأوروبي تمديد اتفاقيات الشراكة لتشمل الأقاليم الجنوبية، معتبرًا ذلك انتصارًا دبلوماسيًا يكرس السيادة الفعلية للمغرب على أراضيه.

وأشار الهشومي إلى أن المغرب أصبح فاعلًا إقليميًا صعب التجاوز، بفضل استقلالية قراره السياسي وقدرته على صياغة مواقفه دون انصياع للضغوط، وهو ما أزعج حتى بعض شركائه التقليديين، “خلال الأزمات مع فرنسا وألمانيا، تمكن المغرب من قلب موازين القوى لصالحه، ليحصل على اعترافات صريحة من مدريد وباريس وبرلين بمبادرة الحكم الذاتي كحل جدي وواقعي”، مؤكدا أن هذه القدرة على المناورة، تؤكد أن المغرب لم يعد تابعًا لأي محور، بل أصبح شريكًا يُحسب له حساب في المعادلات الدولية.

وفي قراءته لموقع المغرب في النظام الدولي، تحدث الهشومي عن ما سماه “الدولة المغربية المتحولة”، التي تجمع بين الثبات في الرموز والمرونة في الاستراتيجيات أن موقف المغرب من أزمة حصار قطر سنة 2017 مثّل مثالًا واضحًا على استقلالية القرار الوطني، إذ رفض الاصطفاف رغم علاقاته القوية بدول الخليج، واختار الحياد الإيجابي القائم على الحوار، وهو ما يعكس شخصية سياسية مغربية متوازنة ومستقلة.

واعتبر أن المغرب اليوم يعيد صياغة مفهوم السيادة في ضوء التحولات الكبرى، من خلال بناء تحالفات متوازنة مع عواصم مؤثرة كواشنطن ومدريد وباريس وأنقرة وأبوجا وبرازيليا، ومع مشاريع استراتيجية كبرى مثل خط أنبوب الغاز نيجيريا – المغرب، الذي يمر عبر أكثر من عشر دول إفريقية، لافتا إلى أن السيادة في هذا المفهوم الجديد “ليست انعزالًا، بل قدرة على الاندماج في العولمة من موقع القوة، وعلى تحويل التحديات إلى فرص للتموقع الإقليمي”.

وفي ختام كلمته، شدد الأستاذ الهشومي على أن قضية الصحراء لم تعد مجرد نزاع سياسي، بل أصبحت مختبرًا حقيقيًا للإبداع المغربي في مجالات التنمية والدبلوماسية والسيادة، مبرزا أن المغرب، “نجح في تحويل رمزية المسيرة الخضراء إلى استراتيجية متكاملة تجمع بين الشرعية التاريخية والمشروعية التنموية، وجعل من الدفاع عن الوحدة الترابية مشروعًا متجددًا لبناء نموذج دولة عقلانية تنموية ذات سيادة مبادرة”.

وأكد أن الدرس الأعمق بعد خمسين سنة من المسيرة الخضراء هو أن الدفاع عن الوطن لا يمر فقط عبر الخطاب، بل عبر القدرة على صناعة نموذج مغربي خاص للسيادة والتنمية والتأثير، نموذج يُترجم على الأرض عبر المشاريع والمبادرات، ويمنح للوحدة الترابية معناها العملي والسيادي الكامل في عالم يعاد تشكيله كل يوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News