اقتصاد

استطلاع: البيروقراطية ومحدودية التمويل يُرهِقان الشباب حاملي المشاريع

استطلاع: البيروقراطية ومحدودية التمويل يُرهِقان الشباب حاملي المشاريع

أظهرت نتائج دراسة ميدانية حول أولويات الشباب المغربي أن تعقيدات المساطر الإدارية (البيروقراطية) ومحدودية الولوج للتمويل يشكلان أبرز العراقيل التي تواجه الشباب حاملي المشاريع، مشيرةً إلى أن 61 في المئة من الشباب صرحوا بامتلاكهم أفكارا واضحة لمشاريع وأعمال حرة.

ونقلت بيانات الدراسة التي أنجزها المركز المغربي للشباب والتحولات الديمقراطية بشراكة مع مؤسسة “فريديريش إبيرت” الألمانية حول “أولويات الشباب المغربي اليوم: ماذا يريد الجيل الجديد؟”، مختلف العراقيل التي يشتكي منها الشباب المستجوب (585 شخصاً) في رحلة إنجاح أفكار مشاريعهم، حيث صرّح 80.7 في المئة من الشباب بأن عائق محدودية الولوج إلى التمويل هو الأكثر حضوراً.

مساطر معقدة وتمويل محدود

وبشكل أكثر تدقيقاً، لفتت الدراسة إلى أن المشكل في باب التمويل ليس منحسراً فقط في قلة الموارد المالية، بل أيضاً في صعوبة الوصول إلى القروض البنكية، حيث تشترط المؤسسات ضمانات يعجز الشباب عن توفيرها، موردةً أن هذا الوضع يخلق مفارقة واضحة بين رغبة الشباب في إنجاز المشاريع مقابل غياب التمويل يحرمهم من الانطلاقة.

وبعد إشكالية التمويل، سجلت الدراسة الميدانية أن ثاني تحد هو تعقيد المساطر الإدارية، مشددةً على أن 66.8 في المئة من الشباب المستجوب يعتبرون أن البيروقراطية من أبرز التحديات التي تواجه المقاولات الناشئة، خاصة الصغيرة جداً.

وفي هذا الصدد، أوضحت الدراسة أن إجراءات تأسيس مشروع تتطلب وقتاً طويلاً وملفات متعددة ومروراً بعدة إدارات، مشددةً على أن هذه التعقيدات تستهلك جزءاً مهماً من طاقة الشباب الذين يجدون أنفسهم غارقين في الإجراءات بدل الانشغال بتطوير مشاريعهم.

شباب مبادر بحاجة للدعم

وبالعودة إلى مجتمع العينة التي شملها الاستطلاع، أظهرت نتائج الدراسة أن الشباب المغربي ينقسمون إلى ثلاث فئات رئيسية فيما يتعلق بامتلاك مشاريع شخصية أو أفكار لمبادرات اقتصادية. مشيرةً إلى أن الفئة الأولى (20.2%)، عبّرت بوضوح عن امتلاكها لمشاريع أو أفكار محددة المعالم، مع تصور واضح لأهدافها وآليات تنفيذها، في حين صرحت الفئة الثانية، وهي الأكبر (41,4%)، بامتلاكها لأفكار أو مشاريع لكنها في حاجة ماسة إلى دعم وتوجيه ومواكبة مؤسساتية، أما الفئة الثالثة، (38.5%)، فقد عبرت عن غياب الرغبة أو التفكير حالياً في المبادرات الاقتصادية.

وأوضح المصدر عينه أن هذا التوزيع يعكس وجود دينامية إبداعية لدى الشباب، لكنها غير متكافئة من حيث الجاهزية والقدرة على الانتقال من مرحلة الفكرة إلى مرحلة التنفيذ، إذ الفئة الأولى التي تمتلك مشاريع واضحة تمثل الطليعة الريادية، وهي دليل على أن جزءاً من الشباب المغربي يتمتع بقدرات ابتكارية واستعداد للمجازفة، ويرى في ريادة الأعمال سبيلاً لتحقيق الاستقلالية الاقتصادية والمساهمة في التنمية المحلية.

وبخصوص الفئة الثانية، التي تمثل أكبر نسبة 41.4%، كشفت الدراسة عن معضلة مؤسساتية تتعلق بغياب المرافقة، مبرزةً أن هؤلاء الشباب يمتلكون مشاريع أو أفكاراً أولية، لكنهم يفتقرون إلى الأدوات العملية لتطويرها.

ولهذه الاعتبارات، وضع معدو الدراسة هذه الفئة في خانة “مخزون إمكانيات” غير مستثمر بعد، حيث أن التدخل المؤسساتي عبر التكوين والدعم التقني والمالي قد يحول هذه الأفكار إلى مشاريع قائمة، مشيرةً إلى أنه من هنا، يصبح دور الدولة والمجتمع المدني أساسياً في توفير المواكبة.

أما الفئة الثالثة التي بلغت نسبتها 38.5%، أوضحت الدراسة أنها تعكس مستوى من العزوف أو التردد عن التفكير في المبادرات الاقتصادية، مفسرة ذلك بالثقافة الاجتماعية التي لا تزال تميل إلى تفضيل الوظيفة العمومية باعتبارها رمزاً للاستقرار، ومنها كذلك المخاطر المرتبطة بالمقاولات الصغيرة التي غالباً ما تواجه عراقيل بيروقراطية وتمويلية.

الحاجة لبيئة اقتصادية آمنة 

إلى ذلك، وفي قراءتهم لنتائج الاستطلاع، أوضح المشرفون على الدراسة أن الشباب المغربي لا يرفض فكرة المبادرة الاقتصادية، لكنه يشترط وجود بيئة آمنة وشفافة تسمح لهم بالمجازفة، مسجلةً أن هذا ما يفسر ارتفاع نسبة الذين يملكون أفكاراً لكنهم يحتاجون إلى دعم 41.4 في المئة، وهو مؤشر على أن المعضلة ليست في غياب الإرادة أو الكفاءة، وإنما في ضعف الوسائط المؤسساتية التي كان من المفروض أن تُسهل الانتقال من الفكرة إلى المشروع.

وأوضحت تحليلات الباحثين أنفسهم أن ارتفاع نسبة العزوف (38.5%) يطرح إشكاليات تتعلق بالثقة والتمثلات الذهنية، مؤكدةً أن العزوف ليس مجرد رفض لفكرة المقاولة، بل هو انعكاس لوعي جماعي بأن بيئة الأعمال قد لا تكون مشجعة، وأن المخاطر أكبر من المكاسب المحتملة. هنا تبرز الحاجة إلى إدماج الشباب في ثقافة المقاولة عبر التربية والتكوين منذ المراحل الدراسية الأولى، حتى تصبح المبادرة خياراً طبيعياً وليس استثناء.

ومن زاوية سيكولوجية، شددت استنتاجات المُسْتَطلِعِين على أن الفئة الأولى تمثل الشباب ذوي الشخصية الريادية القادرة على المجازفة، بينما الفئة الثانية تمثل الشباب الطموح الذي يفتقر إلى الدعم النفسي والمؤسساتي، أما الفئة الثالثة فتمثل الشباب الذين تغلب عليهم نزعة التحفظ والبحث عن الأمان، مبرزةً أن هذا التوزيع يعكس تنوع شخصية الشباب المغربي وتعدد استجاباتهم للبيئة الاقتصادية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News