قبل جيل Z: ماذا قال تقرير النموذج التنموي عن الأثر المواطن للسياسات العمومية؟

قبل أن يظهر جيل “زد” (Z) بصوته الرقمي ووعيه الفوري بحقوقه وواجباته، كان المغرب يعيش مرحلة مراجعة عميقة لنموذجه التنموي. فجاء تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد (2021) ليضع تشخيصًا جريئًا لخللٍ مزمن في العلاقة بين المواطن والسياسات العمومية، أطلق عليه التقرير تعبيرًا دالًا: “ضعف الأثر المواطن للسياسات العمومية”.
أوضح التقرير أن المغرب، رغم تراكم البرامج والاستراتيجيات القطاعية منذ مطلع الألفية، لم يحقق الأثر الملموس الذي ينتظره المواطن في حياته اليومية. فالمشكل لم يكن في غياب الرؤية أو الموارد، بل في الفاعلية الميدانية وضعف الربط بين القرار العمومي وحاجات المواطنات والمواطنين.
أشار التقرير إلى أن المواطن لم يعد يقيس نجاح الدولة بعدد الخطط المعلنة أو المؤسسات المحدثة، بل بقدر ما يشعر بتحسن في التعليم، الصحة، النقل، الشغل، والسكن. وبهذا، دعا التقرير إلى “مصالحة بين المواطن والسياسات العمومية”، قائمة على الشفافية، النتائج، والتفاعل المستمر.
أحد أهم التحولات المفاهيمية التي قدمها النموذج التنموي هو الانتقال من منطق “تدبير الموارد والبرامج” إلى منطق “قياس الأثر المواطن”. فبدل الاكتفاء بإنفاق الميزانيات أو إطلاق المشاريع، شدّد التقرير على ضرورة تتبع النتائج النهائية في حياة الناس، مثل نسبة الرضا عن الخدمات، مستوى العدالة المجالية، وإحساس المواطن بالكرامة والإنصاف. كما دعا إلى إعادة تعريف المسؤولية العمومية على أساس النتائج الملموسة وفقط.
جاء في التقرير أن المغرب يحتاج إلى تحول في الثقافة الإدارية والسياسية يجعل من المواطن فاعلًا مشاركًا لا مجرد متلقي. هذا يعني بناء سياسات قائمة على التشاور، المشاركة، والبيانات المفتوحة، مع تعزيز أدوات التقييم المستقل ومساءلة الأداء العمومي. أوصى التقرير بخلق آليات دائمة لقياس رضا المواطن، واعتماد مفهوم “الأثر المواطن” كمؤشر استراتيجي لتقييم السياسات، تمامًا كما تُقاس مؤشرات النمو الاقتصادي أو عجز الميزانية.
اليوم، مع بروز جيل Z المغربي، الذي نشأ في فضاء مفتوح وسريع الإيقاع، أصبح ما جاء في تقرير النموذج التنموي أكثر إلحاحًا. فهذا الجيل لا يكتفي بالخطابات أو الوعود، بل يريد أثرًا ملموسًا ومباشرًا، يقيسه بلغة النتائج: جودة المدرسة، كفاءة المستشفى، وسهولة الولوج إلى المعلومة والفرص.
لقد وضع التقرير الأسس الفكرية والهيكلية لهذا التحول، لكن جيل زد جاء ليطالب بالنتائج العملية الآن، وبأن تكون السياسات العمومية قابلة للقياس، المقارنة، والتصحيح في الزمن الحقيقي.
تقرير النموذج التنموي لم يكن مجرد وثيقة تقنية، بل كان إعلانًا عن نهاية عصر السياسات الصماء التي تُصاغ في المكاتب دون أن يسمع صداها المواطن. لقد نادى بوضوح إلى جعل الأثر المواطن البوصلة الوحيدة لتقييم السياسات العمومية.
لكن بين ما كُتب في التقرير وما يطالب به جيل Z اليوم، هناك مسافة التطبيق، وهي المسافة التي ستحدد ما إذا كان المغرب سيدخل فعلاً عصر الحكامة المواطِنة أم سيبقى في دورة النوايا الحسنة.
من المؤسف أن أغلب الأحزاب والمؤسسات العمومية تعاملت مع تقرير النموذج التنموي بالطبول لإبراز الابتهاج والزغاريد لإعلان الفرحة، حيث كان على الجميع أن يقف وقفة نقد ذاتي وطني وجريء وشجاع! لكن في الواقع كان الابتهاج المزيف بمثابة تشييع لتقرير كان من الممكن أن يكون فاصلا في إنتاج مغرب آخر شرط أن تكون في موقع القرار النخب الواعية الغيورة على الوطن والشعب والمؤهلة لقيادة التغيير.