سياسة

“جيل زيد”.. هل يدق آخر مسمار في نعش فعالية مؤسسات الوساطة؟

“جيل زيد”.. هل يدق آخر مسمار في نعش فعالية مؤسسات الوساطة؟

أعادت احتجاجات “جيل زيد” نهاية الأسبوع المنصرم نقاش استيعاب آليات الوساطة الكلاسيكية، من أحزاب سياسية ونقابات ومجتمع مدني، لفئة تزداد توسعاً في البنية الديموغرافية للمجتمع المغربي، وهي فئة الشباب، وقدرة هذه المؤسسات الكلاسيكية على استيعاب أكبر عدد من الشباب المغربي وتبني مطالبهم في إطار منظم.

وتأتي الاحتجاجات، ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي حسب قادتها، في خضم تداول الأحزاب السياسية المغربية حول القوانين الانتخابية وإعادة الاعتبار للفعل السياسي والعملية الانتخابية ورهانها على استعادة الثقة في المؤسسات السياسية التمثيلية، ولو على مستوى الخطاب السياسي.

وتعاني آليات الوساطة التقليدية من أحزاب سياسية ونقابات عمالية وجزء من الطيف المدني أزمة فقدان الثقة من طرف المواطنين وتراجع نسب الانخراط في الهياكل التنظيمية لها بشكل متزايد خلال السنوات الأخيرة، بما فيها الدعوة وتنظيم الاحتجاجات، ما يطرح السؤال حول مستقبل هذه المؤسسات.

أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط، عبد العزيز قراقي، قال إن “الاحتجاجات الشبابية الأخيرة تظهر بالملموس أن آليات ومؤسسات الوساطة التقليدية، خاصة الأحزاب السياسية، لم تفلح في أن تحول نفسها إلى فضاءات سياسية وتأطيرية تستوعب الشباب وأفكاره وانشغالاته وطموحاته”، مشيراً إلى أن “الأحزاب السياسية اليوم، بحكم كونها أهم مؤسسات للتأطير والوساطة، تركز انشغالها على محطة واحدة وهي مرحلة الانتخابات”.

واعتبر الأستاذ الجامعي، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن “هذا الواقع ليس جديداً. ولكن في المقابل، فإن أزمة الوساطة والثقة تعمقت خلال السنوات الأخيرة، بفعل فقدان العمل السياسي لمعناه الحقيقي وسيادة شعور بغياب الجدوى منه”، مضيفاً أن “الأحزاب السياسية في فترات سابقة كانت تؤطر المواطنين وتتجاوز ذلك إلى نخب سياسية وفكرية في المستوى المطلوب، وهو ما لم يعد قائما اليوم”.

وربط الأكاديمي عينه طبيعة الاحتجاجات وشكلياتها، بدءاً بطريقة الإعلان عنها، بالتحولات التي يعرفها المجتمع المغربي في علاقته بالتغيرات التكنولوجية، حيث قال إن الفضاء الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تستقطب الشباب المغربي أكثر من مؤسسات الوساطة الكلاسيكية وفي مقدمتها الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية، وبالتالي تعويض هذه المنصات الرقمية للأرضيات التقليدية للنقاش العمومي والتعبئة الاجتماعية.

وسجل المتحدث ذاته أنه من الملاحظات التي يجب أن ننتبه إليها في هذا الفضاء الرقمي الجديد هو غياب عنصر الإيديولوجية كمكون أساسي للانتماء مقابل حضور القضايا المادية والظرفية المتعلقة بما هو اجتماعي واقتصادي وذي طابع آني.

وانتقد المحلل السياسي “تأخر، إن لم نقل غياب، تفاعل الفاعل العمومي مع قضايا الشباب من خلال تهميش السياسات العمومية الموجهة للشباب”، لافتاً إلى أن “هذا الغياب أدى إلى المساهمة في نفور وغضب هذه الفئة الحيوية من المجتمع ما ينعكس في بعض الأحيان على شكل احتجاجات”.

وبخصوص الشعارات التي يرفعها “جيل Z” على أنهم بعيدون عن التدافع السياسي أو الانتماء إلى تيار سياسي بعنيه، أوضح قراقي أن “المطالبة بتجويد الخدمات الاجتماعية يقودك موضوعياً ومباشرة إلى مناقشة السياسات العمومية وبالتالي إلى السياسة”، مبرزاً أنه “يصعب فصل ما هو سياسي بما هو اجتماعي”.

وأورد المتحدث ذاته أنه لم يكن لدى الفاعل السياسي استباقٌ في تدبير الأزمة الاجتماعية القائمة على الرغم من أن جميع المؤشرات كانت تقول بأن مسببات الاحتقان متوفرة، وآخرها معطيات الإحصاء التي كشفت عن توسع في قاعدة الشباب في البنية الديموغرافية للمغاربة وارتفاع نسب البطالة، وبالتالي ارتفاع احتمال تصاعد الدينامية الاحتجاجية.

وحول مستقبل مؤسسات الوساطة التقليدية، بمختلف أشكالها، في ظل هذه التحولات التي تعرفها الساحة الاحتجاجية والمؤسسات التمثيلية للمواطنين، استبعد المحلل السياسي أن تختفي الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية أمام هذا الموج الرقمي وتحول الفعل الاحتجاجي والتمثيلي، مشيراً إلى أنه في المقابل فلا بد أن تعيد النظر في آليات اشتغالها والمبادئ التي تنطلق منها وتقوم بنقد ذاتي لأدائها، بحكم أن المجتمع يظل في حاجة إلى هذه المؤسسات لضمان القرب من السياسات العمومية والشأن العام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News