خطر تعقب معاملات المستخدمين يبطئ وصول الدرهم الرقمي

قد يشهد المغرب، خلال السنوات القليلة المقبلة، ثورة في مجالات الدفع والادخار وتلقي الرواتب، وسائر المعاملات المالية المرتبطة بالعملة، في حال دخول مشروع الدرهم الرقمي للبنك المركزي حيز الوجود. لكن قبل السماح بذلك يعكف بنك المغرب على الإحاطة بالمخاطر التي يُمكن أن تتمخض عن هذا التطور، ولا سيما خطر تعقب معاملات المستخدمين، وما لذلك من تجنٍ على خصوصيتاهم.
وفي هذا الصدد، أوضحت مديرة قسم الاستراتيجية والتحول والابتكار ببنك المغرب، ليلي الكفيفي، أن العملة الرقمية لبنك المغرب تطرح رهانات كبيرة تتعلق بالخصوصية، خاصة في ما يتعلق بتتبع النفقات، “لأن التكنولوجيا اليوم تسمح بتعقب كل شيء، وبالتالي تتبع كل درهم وأين صُرف…”.
“ثم هناك مسألة الأمن السيبراني، التي تُعتبر الخطر الأكبر، لأن وجود كل النظام الرقمي على بنية تحتية خاصة بعملة رقمية صادرة عن البنوك المركزية، يجعلها بنية حيوية ليس فقط على مستوى بلد معين، بل على المستوى العالمي. ولذلك، يعد الأمن السيبراني شديد الأهمية وذا مخاطر كبيرة” تضيف المسؤولة خلال مرورها ببرنامج “بودكاست بنك المغرب”.
علاوة على ذلك، ومن بين المخاطر الأكثر إثارة للجدل، احتمال أن يؤدي انتشار واسع للدرهم الرقمي للبنك المركزي إلى تحويل أموال كبيرة من البنوك التجارية نحو البنك المركزي، ما قد يُضعف البنوك التجارية ويؤثر على الاقتصاد الوطني، ويُهدد بالتالي الاستقرار المالي، إذا أصبحت العملة الرقمية جذابة بشكل مفرط.
من جهة ثانية، وفي ما يتعلق بالتغييرات التي يمكن أن يحدثها هذا التطور على حياة المواطنين، قالت الكفيفي “قد لا يتغير الكثير، فهذا يعتمد على عادات كل فرد؛ إذا كان شخصًا يميل لاستخدام الوسائل الرقمية، فسيتبنى الأمر بسرعة مما قد يغير عاداته في الدفع”، مضيفة: “لكن المؤكد أنه سيحصل على وسيلة دفع جديدة آمنة، مشيدة من طرف البنك المركزي، تسمح له بالدفع مباشرة عبر هاتفه للتاجر أو تلقي تحويلات ومدفوعات بسرعة وربما بتكاليف أقل”.
ومن بين الاستخدامات الممكنة أيضًا، المساعدات الاجتماعية التي قد يحصل عليها المستفيدون مباشرة عبر العملة الرقمية للبنك المركزي. إذ من الميزات المحتملة، إمكانية الدفع دون اتصال بالإنترنت، أي إجراء معاملات حتى في أماكن معزولة، كما يمكن أن تتضمن خيارات تقنية مثل “المدفوعات المبرمجة” عبر العقود الذكية، بحيث يتم تفعيل الدفع عند تحقق شروط معينة، وهو ما يفتح مجالًا واسعًا للابتكار، تقول المسؤولة.
وفي مقارنة بينها وبين النقد (الكاش)، أوضحت الكفيفي أن العملة الرقمية للبنك المركزي “أشبه ما تكون بالمعادل الرقمي للنقود الورقية؛ “بدلًا من وجود ورقة نقدية في محفظتك، ستكون لديك نسخة رقمية منها في محفظة إلكترونية”، مضيفة أن الفرق، في المقابل، مع الحساب البنكي، يكمن فقط في أن النقود المودعة في البنك التجاري هي دين على هذا البنك، بينما النقود الرقمية للبنك المركزي فهي دين على البنك المركزي نفسه.
أما دوافع البنوك المركزية للاهتمام بالعملات الرقمية فهي متعددة وتختلف حسب السياق؛ وفقا للمتحدثة، التي اعتبرت أنها تعد تطورًا طبيعيًا للعملة لمواكبة المجتمع الرقمي؛ “ففي الدول التي تتراجع فيها المعاملات النقدية، تساعد هذه الأخيرة في الحفاظ على الثقة في البنك المركزي، أما في دول أخرى، فتُعتبر وسيلة لتعزيز السيادة النقدية ومواجهة صعود العملات المشفرة، في حين أنها في البلدان النامية، تعد أداة لتعزيز الشمول المالي وتمكين الفئات المقصية من الحصول على خدمات مالية أساسية”.