تحقيقات

بصبغة أنثوية.. “ثورة هادئة” لكسر النظرة النمطية واقتحام مجالات ذكورية

بصبغة أنثوية.. “ثورة هادئة” لكسر النظرة النمطية واقتحام مجالات ذكورية

بحكم العادة والتقاليد أو ضغط العائلة والمجتمع، اقتصرت، لوقت قريب، ممارسة العديد من المهن والمجالات على الرجال فقط، في حين غاب الحضور النسائي بشكل واضح. لكن ومنذ بداية الألفية الثالثة، بدأ الوضع في التغيير، حيث سعت العديد من النساء إلى كسر هذه الحواجز، وأبرزن ذواتهن وقدراتهن في العديد من المجالات “الذكورية”.

كوثر..لاعبة كرة القدم

“منذ طفولتي ارتبطت بكرة القدم، وكنت أمارس هذه الرياضة مع أبناء الحي، لكن الأمر لم يكن سهلا أبدا بحكم أني أنحدر من مدينة محافظة وعائلة محافظة، حتى أن الأمر وصل إلى المنع الكلي من ممارسة هذه الرياضة” بهذه الكلمات استهلت كوثر حديثها لمدار21، مؤكدة أنها كانت تضطر للفرار من المنزل والحي ككل من أجل ممارسة هوايتها.

شغف كوثر بلعب الساحرة المستديرة مع الشبان، جعلها في فوهة الانتقادات “فقد كنت أسمع الكثير من الانتقادات حتى هناك من يقول لي هل أنا أنثى أم ذكر؟، على اعتبار أن ممارسة كرة القدم هي حكر على الرجال فقط بحسب ما يزعمون، وهذا طبعا غير صحيح وليس هناك أي مانع من أن تمارس النساء كذلك هذه الرياضة”.

وتسترسل ابنة مدينة تطوان حديثها عن الصعوبات التي واجهتها والتي وصلت لدرجة منعها من طرف والدها من الخروج من المنزل إلا للدراسة، حتى تتوقف بشكل كلي عن مداعبة الكرة والتركيز فقط على الدراسة، وهو ما شكل لكوثر وضعا شبيها بالسجن بحسب تعبيرها.

إلا أن حصولها على شهادة البكالوريا، شكل لكوثر جواز انعتاق من الرفض الأسري والمجتمعي لممارستها الرياضة الأكثر شعبية وانضمت لفريق المغرب التطواني، لتحقق حلمها في ممارسة هذه الرياضة بشكل منظم واحترافي.

ورغم كل الصعوبات التي واجهتها وحالت دون ممارسة رياضتها المفضلة منذ الصغر بحكم التمييز الاجتماعي، إلا أنها حبها لهذه الرياضة وتشبثها بها لم يذهب سدى، بل تمكنت من جذب اهتمام مدرب المنتخب المغربي النسوي لكرة القدم داخل الصالات حسن غويلة، الذي قام باستدعائها لتعزيز صفوف المنتخب المغربي وهو ما شكل لها تتويجا وتشريفا وتكليفا من أجل المضي قدما في تحقيق حلمها الطفولي، متجاوزة كل العقبات.

نادية ..حولت منزلها لبيت ضيافة

ربما من غير المألوف في وسط قروي محافظ أن تكون سيدة البيت هي المعيلة الرئيسة للأسر رغم حضور الزوج وتواجده، إلا أنه في الحياة دائما ما هناك استثناءات، حيث قررت نادية التشمير عن ساعديها والبحث عن مشروع يدر مدخولا عليها وعلى عائلتها.

تقول نادية إن فترة كورونا كانت جد صعبة عليها وعلى عائلتها، لكن ما زاد الطين بلة، كان مرض زوجها بالقلب وإجرائه لعملية جراحية فرضت عليه الراحة والتوقف كليا عن العمل، ما جعل الأسرة المكونة من سبعة أفراد أمام أزمة اقتصادية خانقة، خصوصا مع مصاريف المعيشة ومصاريف تمدرس الأبناء.

صحيح أن فكرة تحويل منزلها لدار ضيافة اقترحها عليها بعض الشباب الذين كانوا يزورونها ويزورون المنطقة، إلا أن عزيمتها كانت السر في تطبيق الفكرة على أرض الواقع، حيث أطلقت المشروع وهي من تشرف عليه وتشرف على إعداد الأطباق لزائريها.

هذا المشروع، تقول هذه السيدة الجبلية بافتخار، مكنها وعائلتها من توفير مدخول عيشهم مضيفة “زوجي وعائلتي كانوا بحاجة إلي، لم يكن هناك بديل، توكلت على الله وبدأت الأمور تتحسن مع الوقت، وسأطمح إلى توسيع مشروعي والتعريف به أكثر”.

واستغلت نادية حديثها مع مدار21، لتوجه رسالة تحفيزية لجميع النساء، سواء في الوسط الحضري أو القروي، ليشمرن على سواعدهن، ويأخذن المبادرة من أجل القيام بمشاريع ومبادرات توفر لهن فرصة لإبراز قدراتهن من جهة وضمان العيش الكريم من جهة أخرى.

ثريا ..سائقة سيارة أجرة

لم تكن ثريا تتخيل أن تكون سائقة سيارة أجرة من الصنف الكبير، بل أول سائقة لهذا الصنف بمدينة تطوان، فبعدما اشتغلت لسنوات بمعبر سبتة، فقدت وبشكل مفاجئ عملها بسبب إغلاق المعبر الحدودي من طرف السلطات المغربية والإسبانية.

وما زاد من محنة ثريا أن زوجها الذي كان طريح الفراش توفي تاركا لها 5 أبناء “فما عساي أن أفعل، هل أقعد في البيت وأترك أبنائي يموتون بالجوع أو أنتظر شخصا آخر يعيلني أنا وأبنائي؟ طبعا لا” تؤكد المتحدثة التي أوضحت أن حصولها على رخصة الثقة، ساعدها على إيجاد عمل بشكل أيسر في مجال سياقة سيارة الأجرة، لكن احتكاكها بباقي المهنيين من الذكور لم يكن بالسهولة نفسها.

“خلال الأسابيع الأولى، وجدت الكثير من الصعوبات مع باقي السائقين الذين لم يتقبلوا أن تكون سائقة بينهم، خصوصا أننا في مدينة محافظة مثل تطوان، وكانوا يعتبرون هذه المهنة شأنا ذكوريا صرفا، لكن مع مرور الوقت تقبلوا الوضع والآن يعتبرونني مثل أختهم”.

وتضيف ثريا أن الزمن الحالي والسياق العام لم يعد يقبل احتكار عديد من المهن من طرف الذكور فقط “فالمرأة مثلها مثل الرجل، وإذا تحدثنا عن المهنة التي أزاولها أنا، فلا أرى من نقص فيّ أو في باقي النساء يمنعهن من ممارسة هذه المهنة، بل بالعكس يمكن لهن القيام بها بأفضل طريقة، ومن هذا المنبر أدعو باقي النساء لتجريب هذه المهنة، فلربما هي أسهل من مهن أخرى مثل تنظيف البيوت أو العمل في المقاهي لساعات طويلة وشاقة”.

وبشكل عام تؤكد ثريا أنه حتى مجتمعيا تقلصت تلك النظرة الذكورية للنساء اللاتي يزاولن مهن ظلت حكرا فقط على الرجال، “وهذا طبعا لم يكن ليحصل لو لم تبادر الكثير من النساء لتكسير هذا التمييز الجنسي، واقتحام العديد من المجالات والمهن والإبداع والتمييز فيها أسوة بالرجل أو أفضل” بحسبها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابع آخر الأخبار من مدار21 على WhatsApp تابع آخر الأخبار من مدار21 على Google News