التراب: ثروتنا الحقيقية الرأسمال البشري وليس الفوسفاط والنية ليست سذاجة

“الثروة الحقيقية ليست الفوسفاط المدفون في باطن الأرض، بل هي النساء والرجال الذين يصنعون قيمة هذه الثروة فوق سطحها”، بهذه العبارة التي استحضرها من لقاء قديم مع عامل بسيط في مناجم خريبكة، اختصر مصطفى التراب، الرئيس المدير العام لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط (OCP)، رؤيته لمستقبل المجموعة والمغرب على السواء. فبالنسبة له، الرأسمال البشري هو أعظم ثروة يملكها البلد، وكل مشروع اقتصادي أو صناعي لا يستمد قوته إلا من طاقاته البشرية.
ولم يتردد التراب في ربط هذا التصور بمفهوم “النية” الذي يؤمن به، معتبراً أن “صدق النوايا ليس سذاجة كما يُعتقد أحياناً، بل قوة كامنة قادرة على تحويل المشاريع الكبرى إلى حقائق ملموسة”.
هذا المفهوم الذي أدخله التراب مبكراً إلى ثقافة تسيير “OCP”، يشكل، في نظره، فلسفة عمل تتجاوز حدود المؤسسة لتطال منظومتها الإيكولوجية بأكملها، من شركاء وموردين ومتعاملين، لافتا إلى أنه يتم العمل على آليات تمويل مبتكرة لتقوية هذه المنظومة، مع التحضير لمؤتمر كبير قبل نهاية السنة تخصص له صناديق استثمارية جديدة.
في حوار مع صحيفة “لو ماتان”، أوضح التراب أن رسالة “OCP” تتلخص في شعار “إحياء الفوسفور”، وهو ما يعني أمرين اثنين: ضمان توفير هذا المورد الحيوي للأمن الغذائي العالمي، ومنح الفوسفاط المغربي المكانة التي يستحقها، مؤكدا أن هذه المهمة لا تقتصر على بعد محلي، بل تنفتح على إفريقيا أولاً، ثم على العالم.
“إفريقيا ليست سوقاً خارجية بالنسبة إلينا، بل هي بيتنا وقارتنا”، يقول التراب، موضحاً أن المجموعة تنخرط في القارة بنفس الروح التي تشتغل بها داخل المغرب، انسجاماً مع التوجهات الملكية، ويضيف أن القارة السمراء تستهلك أقل بكثير من حاجاتها الحقيقية من الأسمدة، ما يجعل مهمة “OCP” ذات أهمية قصوى لتسريع الإقلاع الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي الإفريقي.
ويسجل الرئيس المدير العام لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط أن جزءا مهما من رؤية “OCP” يقوم على الاستثمار المكثف في البحث العلمي والتعليم “لا صناعة مستدامة ولا تنافسية حقيقية بدون معرفة وابتكار”، مؤكداً في السياق نفسه أن التعليم والبحث ليسا نشاطاً جانبياً بل ركيزة تعادل أهمية المناجم والمصانع.
وقال إن جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية (UM6P) تجسّد هذا التوجه، “فهي ذراع بحثية للمجموعة عبر برامج ترتبط مباشرة بالصناعة والزراعة والبيئة، مثل تطوير تركيبات أسمدة تناسب التربة الإفريقية، أو ابتكار تقنيات لمعالجة المياه وتقليص البصمة الكربونية، وهي أيضاً رافعة لتكوين جيل جديد من الكفاءات المغربية والإفريقية، كثير منهم يستفيد من منح دراسية، في انسجام مع الرؤية الملكية التي أرادت جامعة تخدم المغرب وإفريقيا، لا OCP وحده”.
على الصعيد المالي، شدد التراب على أن “OCP” ليس قابلا للخصخصة، وأن خيارها الاستراتيجي كان الاعتماد على السوق البنكية المغربية إلى جانب الأسواق الدولية، ويصف هذا الخيار بثمرة “وطنية اقتصادية”، إذ لم تكتف البنوك المغربية بمواكبة طموحات المجموعة داخل البلد، بل شاركت حتى في إصداراتها الدولية، ويرى أن هذه الثقة نابعة من قوة النظام البنكي المغربي، الذي أثبت قدرته على دعم الاقتصاد الوطني منذ الاستقلال.
وبالنظر إلى أفق 2050، أكد التراب أن رؤية “OCP” تقوم على تعزيز مكانة الفوسفاط المغربي عالمياً، مع تنويع المجالات المرتبطة به لضمان استدامة رسالتها، مبرزا أن دخول المجموعة إلى قطاعات المياه والطاقة لم يكن خياراً ترفياً، بل ضرورة أملتها أزمات الجفاف وانقطاعات الكهرباء التي دفعتها إلى تطوير قدرات إنتاجية مستقلة.
وأورد المسؤول أنه إلى جانب نشاطها الصناعي، انخرطت المجموعة منذ سنوات في دعم الرياضة الوطنية، لكن برؤية جديدة تتجاوز الدعم التقليدي للأندية إلى تأسيس “EVO Sport” داخل جامعة محمد السادس متعددة التخصصات، بشراكة مع الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، لتأطير منظومة رياضية مستدامة الهدف منها تكوين اللاعبين والمدربين وبناء كفاءات صلبة تشكل قاعدة احترافية لكرة القدم الوطنية، خاصة مع اقتراب احتضان المغرب لكأس العالم 2030.
وعندما تم سؤاله عن أكثر ما يفتخر به خلال مسيرته على رأس “OCP”، أجاب التراب: “مستخدمونا”، مشيرا إلى أن وصوله إلى قيادة المجموعة تزامن مع وضع مالي صعب وهرم وظيفي مقلوب، إذ كان أغلب العاملين يتجاوزون الخمسين سنة، ومع خطة توظيف كبرى، تم إدماج ما بين خمسة وستة آلاف شاب، ما جعل متوسط عمر العاملين ينخفض إلى 35 سنة، وبالتالي ضخ دماء جديدة في شرايين المؤسسة.