الكتاب المغربي على موعد مع “دخول ثقافي” معطوب

مع اقتراب شهر شتنبر شرعت العديد من المكتبات في سحب الكتب الثقافية من رفوفها واستبدالها بالكتب المدرسية، وطيلة شهرين سينسحب القراء مفسحين المجال أمام التلاميذ وأولياء أمورهم للتردد على المكتبات؛ في إشارة إلى تواصل عجز الكتاب الثقافي عن المنافسة تجاريا بالمغرب، ما ينذر بـ”دخول ثقافي” معطوب آخر.
المكتبات هي في النهاية مقاولات، مقاولات ثقافية، لكنها مؤسسات تهدف إلى الربح وتفكر بالتالي بمنطق تجاري؛ ما يجعل من الدخول المدرسي بمثابة “موسم الجني” بالنسبة لها، كون الكراس المدرسي مُدراً للربح السريع والفوري، بخلاف الكتاب الثقافي الذي يئن تحت وطأة تدني مستويات القراءة وضعف القدرة الشرائية؛ وهكذا يتراجع “الدخول الثقافي”، الذي يشكل مناسبة سنوية هامة لصناعة الكتاب في بعض البلدان القريبة، كفرنسا وإسبانيا، إلى طيف عابر بالمغرب.
الأمر ذاته ينطبق على عدد محدود من الناشرين، الذين يزاوجون بين طباعة الكتابين المدرسي والثقافي، وهم قلة قليلة لها حصة من كعكة تلك السوق، في المقابل؛ فإن السواد الأعظم من دور النشر المغربية، وهي في الغالب مقاولات صغرى ومتوسطة، لا مكان لها في سوق الكراس المدرسي، وتكابد لجعل “الدخول الثقافي” مناسبة سنوية بالمغرب أيضاً، وفق ما يؤكده فاعل في القطاع لـ”مدار 21″.
تعمل هذه الدور الوفية للثقافة على خلق أجواء الدخول الثقافي، رغم كل التحديات والصعوبات التي يشكو منها القطاع؛ إذ شدد مصدرنا، وهو ناشر مغربي يسير داراً متوسطة، فضل عدم الكشف عن هويته، أن عددا مهماً من دور النشر “تراهن على المعارض الدولية، وبالتالي تشرع في طباعة كتب جديدة اعتباراً من شهر شتنبر، للدخول بها إلى معارض الرياض وأبوظبي والقاهرة، وصولا إلى المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط”.
من جهة ثانية، يضيف المتحدث؛ “توجد دور نشر أخرى تشتغل وفق المواعيد التي تحددها وزارة الثقافة للإفراج عن دعم النشر والكتاب، وهذا النوع لا يستطيع الشروع في الطباعة إلا بعد إصدار الوزارة لقائمة الكتب التي ستدعمها، لأن إمكانياته محدودة”.
ومما يزيد الطين بلة، أن الوزارة، على حد قول مصدرنا؛ لا تخصص سوى نسبة ضئيلة لدعم الكتب الأدبية: من رواية ودواوين شعرية ومجاميع قصصية… على أن هذه الأخيرة هي “أفضل السيئين” وأكثر أنواع الكتب إقبالا ومبيعا في المغرب، بينما يتم توجيه الدعم بشكل أكبر للدراسات والأبحاث.
حتى على مستوى الدعم؛ يؤكد مصرحنا أنه يخضع لاعتبارات كثيرة خارجة عن نطاق الشفافية؛ “المستفيدون من حصة الأسد من الدعم معروفون، وهم الناشرون الكبار الذين لديهم علاقات قوية داخل الوزارة ودهاليز القرار الثقافي”.
هذه الظروف متضافرة هوت بإنتاج الكتاب الثقافي إلى مستويات متدنية “معظم من يطبعون الكتاب الثقافي حالياً لا يتجاوزون 500 نسخة على الأكثر”. وهو رقم يعده الكُتاب بدورهم هزيلاً ويقلل من مجهودهم في التأليف والإبداع والبحث.
تضاف إلى كل ذلك مشكلة التوزيع، فبعد طبع تأليف الكتاب وطبعه وإصداره يصبح الأخير رهين متدخل قوي في سلسلة الإنتاج هو الموزع؛ “سوق التوزيع اليوم بالمغرب تكاد تهيمن عليها شركة واحدة هي “سوشبريس”، التي تطلب من الناشرين شيكاً على سبيل الضمان قبل توزيع كتبهم، ثم تستحوذ على ما بين 40 إلى 50 في المئة من دخل الكتاب”.
المشكلة لا تقف عند هذا الحد، فالكتاب بعد توزيعه يمكن أن يرجع إلى ناشره بكميات مهولة؛ “يمكن أن يسترد الناشر ما يصل إلى 60 في المئة، بل أحيانا 100 في المئة من كتب لا تبيع ولو نُسخة واحدة”.
ولأن الكعكة لا تكتمل إلا بحبة كرز؛ ظهرت في الآونة الأخيرة مشكلة جديدة تعرقل عمل الناشرين المغاربة؛ على مستوى المكتبة الوطنية؛ “طرا تغيير إداري على مستوى المكتبة الوطنية، في السابق كنا نحصل على الإيداع القانوني للكتب في غضون 48 ساعة من إيداع الطلب، حاليا أصبحنا ننتظر مدة أسبوعين أو 3 أو حتى شهراً كاملاً… وما زلنا لا نعرف مخرجاً من هذا المأزق”.