“أوساكو”: إحصاء 1974 تهاوى وأوراق الانفصال بالصحراء تساقطت كلها

أكد الائتلاف من أجل الحكم الذاتي في الصحراء “أوساكو”، أن أحد أبرز الأسس التي ظلت جبهة البوليساريو والجزائر تبنيان عليها أطروحتهما حول نزاع الصحراء قد انهارت بالكامل، في إشارة إلى الإحصاء السكاني الذي أجرته السلطات الاستعمارية الإسبانية سنة 1974، والذي لم يعد صالحًا أو مشروعًا.
وقال الائتلاف إن المعطيات الديمغرافية المرتبطة بهذا الإحصاء لم تعد تنطبق على الواقع الحالي، بل أصبحت تُستخدم كأداة سياسية للتضليل، في تجاهل تام للتحولات الاجتماعية والديموغرافية الكبرى التي شهدتها المنطقة، لا سيما بعد استرجاع المغرب لصحرائه وتكريس سيادته على ترابه الوطني.
وأوضح “أوساكو” أن الإحصاء الإسباني أُجري في سياق استعماري غير محايد، إذ عمدت سلطات فرانكو إلى استبعاد مناطق مثل طرفاية (رأس جوبي)، ذات الامتداد الصحراوي التاريخي، من “الصحراء الإسبانية”، وحرصت على تهميش القبائل والرموز الصحراوية ذات التوجه الوحدوي المؤيد للمغرب، مقابل دعم شخصيات موالية للاستعمار كانت قد تلقت تدريبها على يد الإدارة الإسبانية.
وأضاف بيان الائتلاف، الذي نشر على موقعه الرسمي، واطلعت عليه جريدة “مدار21” الإلكترونية، أن الهدف الحقيقي لمدريد آنذاك لم يكن تنظيم استفتاء حر، بل خلق “دويلة عميلة” قريبة من جزر الكناري، يتم الترويج لها في المحافل الدولية على أنها ثمرة ممارسة لحق تقرير المصير، في حين أن العملية برمتها كانت مفبركة ومدفوعة بأجندات معادية لوحدة المغرب الترابية.
وبلغة الأرقام، أبرز البيان أن من أصل 73,497 شخصًا تم تسجيلهم في إحصاء 1974، فإن أقل من نصفهم ما زال على قيد الحياة بحلول سنة 2025، بحسب تقديرات تستند إلى بيانات منظمة الصحة العالمية ونسب الوفيات المسجلة في كل من مخيمات تندوف ومناطق الجنوب المغربي.
وأشار “أوساكو” إلى أن أغلب من تبقّى من هؤلاء هم اليوم فوق سن الخمسين، في حين أن أبناءهم وأحفادهم إما غادروا المنطقة واستقروا في دول أوروبية أو أمريكية لاتينية، واكتسبوا جنسيات جديدة، أو فقدوا أي صلة قانونية وثقافية بالصحراء، ما يجعل الاستناد إليهم كقاعدة لتحديد المصير ممارسة مجانبة للواقع والمنطق.
ولفت البيان إلى أن المخيمات التي تحتضنها تندوف، والتي تُقدَّم كحاضنة مزعومة لما تسميه “اللاجئين” الصحراويين، لم تخضع في أي وقت لإحصاء رسمي من طرف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وذلك بسبب رفض الجزائر المتواصل للسماح بإجراء هذا الإحصاء الإنساني.
واستند “أوساكو” إلى شهادات دبلوماسيين ومراقبين دوليين سابقين أكدوا وجود عدد كبير من الأشخاص من جنسيات موريتانية ومالية وجزائرية جنوبية داخل المخيمات، يتم تقديمهم كصحراويين لزيادة الكتلة السكانية المحسوبة على جبهة البوليساريو، في ما وصفه البيان بـ”التزوير المنهجي للهوية الجماعية” لأبناء الصحراء الحقيقيين.
وفي موقف جريء، دعا الائتلاف السلطات المغربية إلى مراجعة سياسة “العفو والعودة” التي أطلقها الراحل الملك الحسن الثاني، مشيرًا إلى أن هذه السياسة، رغم نبل أهدافها التصالحية، أصبحت اليوم تُستغل من طرف خصوم الوحدة الترابية لتوسيع دائرة الادعاء بالتمثيلية الصحراوية خارج نطاقها الحقيقي.
وأبرز أن ما تبقّى من عناصر تدّعي الانتماء إلى الصحراء داخل مخيمات تندوف “يطرح علامات استفهام جدية حول أصولها وهويتها”، مضيفًا أن “الصحراويين الحقيقيين هم أولئك الذين يعيشون في الأقاليم الجنوبية، ويشاركون في الحياة السياسية، ويحملون الوثائق المغربية، ويستفيدون من الخدمات العمومية على قدم المساواة مع باقي المواطنين”.
وتوقف البيان عند التحول اللافت في موقف المجتمع الدولي، الذي بات، حسب “أوساكو”، أكثر وعيًا بعدم واقعية خيار الاستفتاء، وأكثر ميلًا إلى دعم الحل السياسي الذي يضمن استقرار المنطقة، مشيرًا إلى أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي أصبحت اليوم تحظى بدعم عدد من القوى الكبرى، على رأسها الولايات المتحدة، إسبانيا، ألمانيا، والإمارات.
وأكد أن المبادرة المغربية تمنح الصحراويين إمكانية تدبير شؤونهم المحلية بشكل ديمقراطي موسع في إطار السيادة المغربية، مع الحفاظ على وحدة البلاد وتعزيز التنمية في المنطقة.
ولم يُغفل البيان الخلفية الجيوسياسية للنزاع، وحمّل الجزائر مسؤولية تأجيج الأزمة منذ بداياتها، كاشفًا أن النظام الجزائري، منذ ستينيات القرن الماضي، اتخذ من تندوف قاعدة خلفية للبوليساريو، وشجّع قبائل صحراوية على الاستقرار فيها، في سياق إقليمي كان يسعى إلى محاصرة المغرب إقليميًا.
وأشار إلى أن وثائق سرية رفعت عنها السرية مؤخرًا تُظهر أن جبهة التحرير الوطني الجزائري (FLN) تعاونت سرًا مع نظام فرانكو في إسبانيا، للحيلولة دون استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية، مبرزا أن الرئيس الجزائري الأسبق، هواري بومدين، رغم تطميناته العلنية للملك الراحل الحسن الثاني، كان ينسق في الخفاء مع إسبانيا ومع نظام معمر القذافي لتسليح البوليساريو والدفع نحو حرب استنزاف ضد المغرب.
واختتم “أوساكو” بيانه بالتأكيد على أن النزاع في الصحراء بات يستند إلى “إحصاء متقادم، وسكان مفترضين، ومشروع سياسي صُنع خارج الإرادة الحقيقية للسكان”، وأن المغرب، رغم كل ذلك، لا يزال متشبثًا بمسار سلمي حداثي واقعي، يقوم على أساس الحكم الذاتي الموسع تحت السيادة المغربية.
وأضاف أن الوقت قد حان لتجاوز الروايات الاستعمارية الجامدة، ورفع الحصار السياسي عن سكان مخيمات تندوف، وفتح الطريق أمام حل نهائي عادل، يضمن كرامة الصحراويين، ووحدة المغرب، وأمن المنطقة ككل.