العدالة في زمن “سوشيال ميديا”.. هل تُهدّد وسائط التواصل استقلال القضاء؟

في عصر طغت عليه الرقمنة، لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي مجرد منصات للتواصل، بل تحولت إلى ساحات قضائية، تُصدر أحكامًا بلا ضوابط، وتنتهك حرمة العدالة، إذ أضحت مواقع التواصل الاجتماعي، فضاء مفتوحا وبوابة للنقاش في مختلف القضايا المجتمعية التي تهم المواطن وتمس حياته اليومية وسلامته.
وقد شهدت هذه المنصات في الآونة الأخيرة زخما كبيرا من التفاعل، وخلقت نقاشا مجتمعيا خاصة مع انتشار مقاطع توثق لحظات اعتداءات وسرقات تم التقاطها بكاميرات المراقبة بالشوارع والأزقة أو بهواتف المارة.
أمام ما يجري، تحولت مواقع التواصل إلى ساحة موازية للمحاكم، حيث يتشارك المواطنون الوقائع ويصدرون “أحكاما” قبل أن تأخذ العدالة أي إجراء رسمي. ما يضرب مبدأ قرينة البراءة، إذ يتحول التعليق إلى حكم، والمنشور إلى إدانة، والإعجاب إلى مطالب لتنفيذ الحكم، في ظل قانون يؤكد أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.
هذا الوضع، الذي بات مألوفا في المغرب، كما مختلف دول العالم، يجعل من هذه المواقع والمنصات الرقمية قوة مؤثرة في توجيه الرأي العام، وتلعب دورا غير مباشر في سير العدالة، سيما في بعض القضايا الحساسة التي تستأثر باهتمام واسع من الجمهور. إلا أنه أحيانا يتجاوز الرأي العام حد النقاش وينصب نفسه قاضيا يحمل ميزان العدالة ويفرض الأحكام .
في هذا السياق، اعتبر عمر الشرقاوي، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية المحمدية، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، أن النقاش حول القضايا الرائجة في مواقع التواصل الاجتماعي هو نقاش في العالم لا يهم قضية اعتداء أو قتل وغيرها، بل هو نقاش عام ليس ظاهرة خاصة بنا فقط.
وسجل المتحدث أنه “عندما يكون النقاش العمومي لا يمكن إيقافه إلا في الحالة التي يمنعها القانون كنشر محاضر الضابطة القضائية وهذه الأخيرة لم تصل لمرحلة الحكم بعد، لأن الرأي العام لديه قواعد يجب أن يحترمها أيضا فلا مشكلة في النقاش، لكن القاضي لا يمكن أن يتحول إلى خادم لما يدور في مواقع التواصل الاجتماعي، فهو سلطة ينبغي على الرأي العام أن يحترمها”.
وأشار إلى أن هذا النقاش بمواقع التواصل الاجتماعي مهم ومطلوب لكن بضوابط، مفسرا “لأنه من الناحية الدستورية فالاأحكام القضائية أو القاضي لا يمكن أن يكون موضوع أي تأثير من أي جهة كانت، لأن القاضي لا يسكن الجبل أو ملاك، فالقاضي ابن بيئته ويستمع لما يدور، إلا أن الأحكام القضائية لا ينبغي أن تبنى على عواطف الناس بل على نص قانوني تم تكييف القضية به”.
وتابع الأستاذ الجامعي “لذلك فالقضاء المستقل ليس مستقلا فقط عن السلط الأخرى كالسلطة التشريعية والسلطة التفيذية بل هو مستقل عن أي جهة كانت شعبية أو إعلامية”.
وأكد الشرقاوي، في حديثه للجريدة، أن “حرية التعبير ليست مطلقة بل محددة بضوابط ومقيدة ومنظمة بقوانين وبالتالي عند تجاوز هذه الحدود يصبح هنا دور القانون وهو ما يؤكد العلاقة بين القضاء وما يناقشه الرأي العام، وإذا قام هذا الأخير بنشر أخبار زائفة أو تشهير أو خبر غير صحيح عن مؤسسة قضائية، ما يحدث اصطدام بالقانون ما يفرض تدخل القاضي”.
ويرى أن تغيير الأحكام القضائية في بعض القضايا يرجع إلى درجة التقاضي، ويمكن أن يكون الحكم الابتدائي لديه تكييف لكنه في الاستئناف يتم تكييف آخر إما بتئييده أو مخالفته، ولا يعني أن الاستئناف قد استمع لما يناقش لكن ربما قدمت له أمور أخرى أو ربما بخبرة قضاة الاستئناف كان لديهم تكييف آخر، وبذلك فدرجات التقاضي هي نوع من استقلالية السلطة القضائية”.
وأكد أن القضاء لن يكون مستقلا إلا باحترامه وانضباطه للدستور أولا، الذي خصص بابا مستقلا للسلطة القضائية إذ أعطاها صفة السلطة التي تعني القدرة على اتخاد القرار والقدرة على التأثير أكثر من التأثر، ثم فصل السلط، إضافة إلى الالتزام بالقانون التظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة، وقوانين النيابة العامة والمسطرة الجنائية والمسطرة المدنية، مضيفا أنه: “بذلك كل ما التزم القضاء بالقواعد الدستورية والقانونية يكون نوع من الأمان فيما يخص استقلاليته، وكل ما ابتعد عن هذه القواعد كل ما تطرح شكوك حول الاستقلالية”.
وختم الشرقاوي بأن “أي شخص يطالب بالتأثير على القضاء هو رجل لا يؤمن بدولة القانون ولا يؤمن بالقضاء، لذلك لدينا ضوابط تنظم هذه النقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي حتى من الناحية القانونية، وفي المقابل يجب على القاضي أن تكون لديه القدرة على تكييف الأحكام وتطبيق العدالة وعلى حماية قرينة البراءة”.